مواهب كرة القدم المنسية في الريف اليمني

تتواجد عشرات الأندية الريفية، لكنها تفتقر للملاعب والمستلزمات والدعم

مواهب كرة القدم المنسية في الريف اليمني

تتواجد عشرات الأندية الريفية، لكنها تفتقر للملاعب والمستلزمات والدعم

كأي شاب ريفي في اليمن، يشعر خالد علي، البالغ من العمر 16 عاما، أن بمقدوره تقليد مهارات نجمه المفضل كريستيانو رونالدو، بما في ذلك طريقة احتفاله بتسجيل الأهداف، وهو هنا يصف شعوره في متابعة قدوته في الكرة أكثر مما يعني أنه يمتلك نفس مهاراته.

بدأت علاقة خالد بالكرة منذ كان طفلا في السادسة من عمره، حينما كان يشاهد المسلسل الكرتوني الشهير “الكابتن ماجد”، ثم تعززت مع حصوله على كرة اشتراها له والده، وأصبحت مع مرور الوقت أهم هواياته.

كرة القدم والشغف منذ الصغر

بمجرد أن يبلغ الطفل في اليمن نحو أربع سنوات، يجد كرة القدم ضمن ألعاب أخرى بسيطة، وقد تكون هذه الكرة على شكل بالونة ممتلئة بالهواء تجلب له التسلية، وهكذا تكبر معه فيراها في الشارع والحي مع الأطفال الأكبر سنا وهم يلعبون، ويشاهدها في التلفزيون ومقاطع الفيديو على جوالات والديه أو الأجهزة الذكية.

وتتعزز هذه العلاقة مع التحاق الطفل بالمدرسة التي تنظم دوريات بين الفصول المختلفة، ويبدأ بالتعرف على تفاصيل الكرة، مثل تقسيمات الفريق وعدد اللاعبين المسموح بهم والتكتيكات البسيطة والتسميات التي تُختار لكل فريق، وكيف يدير الحكم المباراة.

مواهب كرة القدم المنسية في الريف اليمني
شباب بلعبون كرة القدم في ملعب ترابي في منطقة “يافع” بمحافظة لحج جنوب اليمن 26 مايو 2024 (فيسبوك)

يرى خالد الذي يسكن ريف مخلاف عمّار بمديرية الرضمة بمحافظة إب، في حديثه لمنصة ريف اليمن، أن مهاراته تجعل منه مهاجما، “على الرغم من أصدقائي يقولون إني صانع ألعاب، وأجيد هذا المركز بناء على تقييمهم لي في المباريات”، يضيف اللاعب الذي تستهويه ألقاب مثل “الساحر”، “القناص”.

ويتمنى إكمال التعليم الثانوي والانتقال للعيش في المدن، وتحديدا العاصمة صنعاء؛ لأنها كما يقول: “مليئة بالأندية الكبيرة، ويمكن لي تحقيق حلمي بالالتحاق بأي نادي مع مواصلة دراستي الجامعية”.

ويرجع شغف أطفال وشباب الريف بكرة القدم؛ لأنها أكثر شيء منحهم التسلية، ويمكن أن تشكل فرصة لتغيير حياتهم بالالتحاق بمنتخبات الفئات العمرية الصغيرة، مثل منتخب الناشئين الذي يقدم إنجازات جيدة تجلب الفرحة للجمهور، وتكون منطلقا للاعبين للاحتراف الداخلي أو الخارجي.

لكن فرصة هؤلاء الريفيين ممكنة في حال الانتقال للعيش في المدن التي توجد فيها الأندية، ويمكن لمدربي المنتخبات اكتشافهم ومشاهدتهم عن قرب، وعدا ذلك فقد تنتهي مواهبهم الكروية عند حدود التسلية؛ لأن الريف غير مرئي للمكتشفين، ولا يحظى باهتمام مسؤولي الكرة في البلاد.

ويضم الريف حوالي ٧٠% من سكان البلاد، وهذا يعني نسبة عالية في فئتي الأطفال والشباب، الذين يرون في كرة القدم فرصتهم المتاحة للتسلية، في ظل افتقار مناطقهم للمنتزهات والحدائق والأندية التي تحتويهم وتنمي قدراتهم وتساعدهم على تحقيق أحلامهم.

ويفتقر سكان ريف اليمن للخدمات الأساسية، مثل المدارس الابتدائية، فضلا عن المراحل التالية والتي تستوعبهم بدلا من الحرمان من التعليم أو الحصول عليه في أماكن غير مناسبة مثل الجلوس تحت الأشجار، ناهيك عن ندرة المراكز الصحية التي تمنحهم الرعاية المناسبة، وهذا يعني أنه بالنسبة للأطفال اليمنيين الذين لا يجدون ما يضمن لهم طفولة آمنة، أن كرة القدم ستكون شغفهم المستمر الذي يرافقهم، وستكون جزءا من تنشئتهم الاجتماعية بغض النظر عما قد تجلب لهم في المستقبل.

ولو سألت طفلا أو شابا يسكن في الريف اليمني: ما أحلامك؟ لأجابك أن واحدا منها أن يكون لاعب كرة قدم، على الرغم من أنه قد لا يعرف كيف يحقق حلمه، وما إذا كان بمقدوره أن يصبح نجما مثل قدوته المحلية أو الدولية، وقد تكون بداية العلاقة بين الأطفال وكرة القدم تعود إلى أنها من أوائل الألعاب التي يحصلون عليها من والديهم لرخص سعرها.

الكرة صديق حميم

تبدو الكرة كأنها صديق حميم للطفل يرافقه ويلعب معه ويضحكه في أي وقت ومكان، داخل الغرفة، فوق سرير النوم، في فناء المنزل، في الشارع وفي المدرسة وفي التلفزيون، وكلما مر الوقت، زاد التعلق بها والتعرف على عالمها عبر الإنترنت، وقد أصبح ذلك سهلا اليوم مع امتلاك الجوالات وانتشار الانترنت في الريف وإن كان بجودة متدنية.

ومع وصول الطفل إلى سن المراهقة والشباب، تكون الكرة أكثر ما تساعده على قضاء وقته وتطوير مهاراته، لأنّ الخيارات الأخرى بما فيها استكمال التعليم دونها تحديات وصعوبات مثل تأمين السكن والنفقات بالنسبة لمن سيدرس في مدينة، وهذا بحد ذاته يشكل عبئا للأسر الفقيرة.

كان هذا هو الحال حتى قبل انتشار شاشات التلفزة التي تبث المباريات، ولاحقا الهواتف التي تسمح لأي شخص متابعة مواقع الكرة والمباريات ومعرفة كل ما يتعلق بمشاهير اللعبة الذين خدمهم البث التلفزيوني ومواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الأجيال السابقة.

تطور وتحديات

تتواجد عشرات من الأندية الريفية التي قد يكون لبعضها مقرات بسيطة، لكنها تفتقر للملاعب والمستلزمات والدعم لتنظيم أنشطة مستمرة، وبسبب هذا هي غير قادرة على استيعاب الأطفال والشباب، كما أن هذه الأندية موجودة في ضواحي المدن والقليل منها معترف به رسميا.

ورغم ما تعانيه الكرة الريفية، تظل في تطور على كافة المستويات مقارنة بالماضي، ويمكن رؤية التطور في تنظيم الدوريات بشكل احترافي، وذلك بتقسيم المشاركين سواء أكانوا لاعبين أم أندية بطريقة الدوريات الرسمية، بما في ذلك إلزام الفرق المشاركة بلبس زي رياضي متفق عليه، علاوة على الاستعانة بحكام حاصلين على شهادات المهنة، بالإضافة إلى الابتكار في الجوائز المقدمة، وقد تكون على حساب تاجر أو مغترب أو تبرعات شعبية.

مواهب كرة القدم المنسية في الريف اليمني
مباراة جماهيرة في ملعب نادي الشروق بمنطقة بني بكر الحد يافع في لحج جنوب اليمن سبتمبر 2023(فضل اليهري)

وعلى مستوى القواعد، تكاد تكون مطابقة للقواعد الرسمية المعمول بها في المسابقات المحلية مثل العقوبات والإجراءات للتعامل مع مختلف الحالات والرقابة على المباريات والحكام، ولم تتأثر هذه المسابقات الريفية بالحرب المستمرة في البلاد، بل على العكس ازدادت انتشارا في المحافظات، وكانت ملاذا للشباب والأطفال لصناعة الفرحة والاستمتاع بأوقاتهم.

وبفضل انتشار الجوالات والانترنت، أصبح ممكنا بث المباريات على منصات التواصل الاجتماعي وإن بشكل محدود، وكذلك الحال بالنسبة لتوثيق اللقطات الجميلة مثل تسجيل الأهداف أو استعراض المهارات المتميزة التي تُتداول في المنصات الاجتماعية مثل فيس بوك وإكس وتيك توك ويوتيوب.

ويمكنك مشاهدة مقاطع فيديو لملعب كرة قدم بأرضية ترابية، رُسمت حدودها البيضاء بـمادة “الجبس”، وبلا كراسي أو مدرجات حولها، ومع ذلك يحضرها المشجعون ويجلسون على الأرض أو يقضون الوقت واقفين ومتحركين من مكان لآخر، حتى انتهاء المباراة.

مواهب لا تصدق

بالنسبة للمدرب الوطني أحمد علي قاسم الذي درب عددا من الأندية المحلية والمنتخبات الوطنية ويعتبر من أبرز مكتشفي النجوم والمواهب، يؤكد قائلا: “الريف اليمني يزخر بمواهب لا تصدق، بل بحضور جماهيري وتنافس كبير بين القرى والمديريات”.

ويعتقد في حديثه لمنصة ريف اليمن أنه لو وجد اهتمام من الدولة بإنشاء مراكز تدريب في الريف وتنظيم مسابقات بشكل منتظم وبالنزول الميداني من قبل مكتشفي المواهب لاختيار من يصلح للمنتخبات وتشجيعهم والاهتمام بهم، فستحدث طفرة كبيرة في الرياضة اليمنية.

إلا أن المدرب صاحب السجل الناجح يرى أن تحقيق ذلك مرهون فقط بوجود دولة وخبرات إدارية وتدريبية من ذوي الاختصاصات بوزارة الشباب والرياضة، لا كما هو الوضع الآن، فهناك وزارة يقوم عليها من لا شأن لهم بالرياضة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :