مع اقتراب شهر رمضان، تحافظ بعض العائلات اليمنية، خاصة في الأرياف، على تقليد صحي قديم يُعرف بـ”شَربة السنا”، كوسيلة لتنظيف الجهاز الهضمي، والاستعداد لتغيير النظام الغذائي خلال الشهر الفضيل، وهذا الطقس المتوارث، بالإضافة إلى أنه ممارسة صحية، فهو يعكس وعيًا شعبيًا بأهمية الوقاية من الطفيليات والاضطرابات الهضمية.
وشربة السنا، عبارة عن نباتات من فصيلة الـ Cassia التي تشمل الشّجيرات المُتقزّمة والأعشاب، وهي نباتات معمرة ذات أوراق ريشيّة الشّكل، تتشكّل من أزواج، وتتميّز بالأزهار الصّفراء، وأحياناً البيضاء أو الزهريّة الموجودة في نهاية الأغصان على عناقيد قائمة.
تراث صحي متجذر
وتستعمل هذه النبتة لعلاج الإمساك منذ قرون؛ حيث إنّها فعّالة في علاج الإمساك الذي ينتج من، عدة عوامل، بما فيها العمليات الجراحية وبعض الأعراض الجانبية للأدوية، وتؤدي هذه المهمة بسبب احتوائها مركبات السّينوسايد التي تُسبّب تهيّجاً في بطانة الأمعاء، ممّا يُسبّب التأثيرات المُسْهِلة (المُليّنة).
ورغم تطور الطب الحديث وانتشار الأدوية، لا تزال “الشَّربة” تحظى بمكانة خاصة لدى كبار السن وبعض العائلات الريفية، الذين يؤمنون بفعاليتها في تنظيف المعدة وتحسين الهضم، ومع ذلك، شهدت هذه العادة تراجعًا في بعض المناطق، فيما لا تزال قائمة في أخرى.
مواضيع مقترحة
مخاطر ري المزارع بمياه الصرف الصحي وطرق الوقاية
مصورو ريف اليمن: عيونٌ عاشقةٌ وملهمةٌ توثق الجمال
القهوة اليمنية: “بُن طالوق” بتعز جودة بلا إهتمام
“غنية محمد القدسي”، سيدة من أرياف تعز، تقول: “اعتدنا على تناول الشَّربة سنويًا قبل شهر رمضان لعلاج الإمساك وتنظيف المعدة، ولتخليص الجسم من المشكلات الهضمية”.
وتضيف القدسي لمنصة ريف اليمن: “نجتمع كعائلة ونشرب كوبًا منها ليلًا قبل النوم، ثم كوبين على الريق صباحًا، يليها وجبة إفطار وغداء دافئة وسوائل كالقهوة والمرق، مع تجنب المشروبات الباردة التي يُعتقد أنها تقلل من مفعولها”.
تُحضَّر الشَّربة عادةً من عشبة السنا المعروفة علميًا باسم Senna، والتي استخدمت منذ آلاف السنين في الطب التقليدي كملين طبيعي، نظرًا لاحتوائها على مركبات الجلوكوسيدات التي تعزز حركة الأمعاء وتمنع امتصاص السوائل، مما يسهم في التخلص من الإمساك والفضلات المتراكمة.
الآراء الطبية
يؤكد مختص الأعشاب “محمد عبد الحميد” أن عشبة السنا تعد خيارًا فعّالًا لمن يعانون من الإمساك المزمن، لكن يجب استخدامها بحذر. ويشرح: “تزيد مكونات السنا من تقلصات الأمعاء، وتمنع إعادة امتصاص السوائل؛ مما يسهل الإخراج، لكن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة”.
أما الدكتور “محمد العتيق”، فيحذر من تجاوز الجرعات المحددة، حيث إن الإفراط قد يسبب قيئًا شديدًا و إسهالًا حادًا، بل وقد يؤدي إلى الجفاف أو الفشل الكلوي. ويوصي بالاكتفاء باستخدامها ليومين إلى ثلاثة أيام فقط كل شهرين.
في سوق العطارة في الباب الكبير بمدينة تعز، يشهد “عمر الحمادي”، بائع الأعشاب، إقبالًا مستمرًا على شراء عشبة “السنا المجففة”، ويقول: “الناس يستخدمونها كبارًا وصغارًا، فهي جزء من الموروث الصحي المتوارث”، ويضيف أن وصفة تحضيرها لا تزال تنتقل شفهيًا بين الأجيال، دون الحاجة إلى إرشادات مكتوبة.
ورغم ذلك، يرى البعض أن العادات الصحية تغيرت مع الزمن، حيث تراجعت شعبية الشَّربة في بعض المناطق بسبب توفر البدائل الطبية الحديثة، وزيادة الوعي بالممارسات الصحية.
قاتل الطفيليات
تلعب الظروف البيئية والممارسات الصحية دورًا رئيسيًا في انتشار الأمراض الطفيلية في اليمن، حيث يعتمد الكثير من السكان على مصادر مياه غير معالجة، مثل البرك والآبار السطحية؛ مما يزيد من خطر الإصابة بالطفيليات المعوية، كما أن استخدام مياه غير نظيفة لري المحاصيل، وعدم غسل الخضروات جيدًا قبل تناولها يعزز احتمالات انتقال العدوى.
كما تعتمد العديد من الأراضي الزراعية في اليمن -خاصة القريبة من مياه الصرف الصحي- على المجاري غير المعالجة لري محاصيلها الزراعية، وباتت هذه المشكلة متداولة مؤخراً على نطاق واسع؛ حيث يشير إخصائيون إلى أنها تعد من الأسباب الرئيسة للأمراض والأوبئة الخطيرة؛ مثل الكوليرا والسرطان.
وتحتوي مياه الصرف الصحي على ملوثات بيولوجية وكيميائية تؤثر سلباً على صحة الإنسان والبيئة؛ مما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، وبالتالي، فإن استخدام هذه المياه لري المحاصيل يشكل تهديداً حقيقياً لصحة المستهلكين، ويؤثر سلباً على جودة المحاصيل.
ومن العوامل الأخرى التي تساهم في تفشي الطفيليات قلة الوعي حول ضرورة غسل اليدين وتعقيم الطعام، فضلًا عن سوء التغذية وضعف المناعة؛ مما يجعل السكان أكثر عرضة للإصابة. وفي ظل هذه الظروف، تبقى الممارسات التقليدية -مثل تناول الشُّربة- وسيلة بديلة يلجأ إليها البعض كإجراء وقائي.
ورغم تراجُعِ استخدامها في بعض المناطق، لا يزال العديد من اليمنيين يعتبرون الشَّربة جزءًا لا يتجزأ من استعدادهم لشهر رمضان، سواء لاقتناعهم بفعاليتها، أو لارتباطها بالعادات العائلية المتوارثة. ومع استمرار التحديات البيئية والصحية، قد يبقى لهذا التقليد مكانة بين الممارسات الصحية الشعبية، خاصة في المجتمعات الريفية التي لا تزال تعتمد على التداوي بالأعشاب.