مصورو ريف اليمن: عيونٌ عاشقةٌ وملهمةٌ توثق الجمال

صانعو محتوى يتجولون في الريف لتصوير الآثار مناظر طبيعية خلابة

مصورو ريف اليمن: عيونٌ عاشقةٌ وملهمةٌ توثق الجمال

صانعو محتوى يتجولون في الريف لتصوير الآثار مناظر طبيعية خلابة

اليمن ليس مجرد تلك المشاهد المحدودة لبعض المعالم الجامدة أو الشوارع المكتظة بالفوضى، والتي عادة ما تُكررها وسائل الإعلام، والتي رسخت ربما صورة نمطية أخفت الصورة الأخرى من ريف اليمن المتنوع وباذخ الجمال.

هنالك ما هو أكثر جمالا وإشراقا في ريفها الساحر والممتلئ بالدهشة في كافة تفاصيله، وذلك يتكشف من خلال ما تنقله عيون عشاق الريف اليمني من الشباب الهواة والمحترفين لفن التصوير وصناعة المحتوى.

في هذا الاستطلاع، تستعرض منصة “ريف اليمن” نماذج مجموعة من تلك التجارب المبدعة في مجال التصوير وصناعة المحتوى التي ركزت اهتمامها في إظهار كل ما له صلة بالريف اليمني على امتداد مساحته الواسعة.

وتتنوع تضاريس ريف اليمن بين سهول ووديان ومرتفعات وجبال شاهقة، ويحاول مصورون وهواة توثيق عادات وتقاليد حياة سكان الريف البسيطة ونقل معاناتهم ومشكلاتهم ومبادراتهم إلى المجتمع اليمني والعالم، وهي مبادرة لافتة.


    مواضيع ذات صلة


وجه معبر عن اليمن الفريد

المصور الفوتوغرافي “حاشد القيدلة”، واحد من الشباب المبدعين الذين تحولت حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى نافذة سياحية مطلة على الريف، يتحدث لـ”ريف اليمن” عن بداية تجربته ودافعه في صناعة المحتوى المرئي، وأسباب اهتمامه بالترويج السياحي للريف اليمني تحديدا.

وقال: “قراري في خوض التجربة جاء نتيجة تراكم قناعة بأهمية تغيير الصورة النمطية السلبية المرسومة عن اليمن كمجرد بلد للحروب والإرهاب والفقر والخراب فقط، وهو ما لمسته بنفسي لدى الكثير من الناس الذين قابلتهم في عدة دول عربية وأجنبية-سمحت لي الفرصة زيارتها- وكان يحز في نفسي أنني لا أملك دليلاً حسيّاً لأقدم لهم اليمن الجميل الذي تراه عيوني، ويسكن حنايا روحي على حقيقته”.

ويضيف: “حينما عدت إلى أرض الوطن من إحدى تلك الزيارات، عزمت بألا أحجز تذكرة سفر مجددا قبل أن أتمكن من تحرير بهاء اليمن المحبوس في عيوني وترجمته ونقله إلى اللغة التي يفهمها كل العالم”.

ويشير صانع المحتوى القيدلة إلى أنه وجد في “الريف بطبيعته الخلابة ومعالمه الأثرية المغمورة وعادات وتقاليد سكانه المتسمة بالأصالة، الوجه المعبر عن فرادة اليمن أرضا وإنسانا، والأجدر بالجميع أن يراه”.

استطاع صانع المحتوى حاشد القيدلة توجيه الأضواء نحو الكثير من المناطق الريفية التي زارها كرحالة؛ ابتداءً من مسقط رأسه في محافظة حجة، مروراً بصنعاء، إب، والحديدة والبيضاء وريمة وغيرها، حتى غدا المحتوى السياحي الذي ينشره عن تلك المناطق يتصدر منصات التواصل الاجتماعي، بل ويفرض حضوره على فضائيات ووسائل إعلام محلية وعربية ودولية.

مصورو ريف اليمن: عيونٌ عاشقةٌ وملهمةٌ توثق الجمال
تجفيف البُن في أسطح المنازل بمنطقة بني عوام حجة شمال اليمن (حاشد القيدله)

شغف وإبداع يتجاوز التحديات

شغف التصوير والطبيعة الريفية ثنائية ملهمة ومحفزة للإبداع، خاصة حينما تجتمع في عيون الشاب الموهوب “يوسف الجبل” (22عاما) الذي يحاول صناعة ذاكرة مرئية بعدسته التي أصبحت مفتاحاً لمعرفة تضاريس وجمال الطبيعة في محافظة ريمة الجبلية، غربي اليمن.

ويحرص الجبل على توثيق مظاهر الحياة من مسقط رأسه في ريمة. ويقول في حديثه لـ”ريف اليمن”، أن ذلك ينبع من “كوني ابن هذه المحافظة الزاخرة بالمناظر الطبيعية، ويختزل أهلها كل معاني الأصالة من كفاح وتعاون وحب للخير، والشاهد في ذلك المبادرات المجتمعية لشق وتعبيد الطرقات التي تنشط حالياً في معظم قراها”.

وأضاف أن “غياب التنمية -وفي مقدمتها شبكة الطرقات عن محافظة ريمة- يعيق وصول الناس إليها والتعرف على تفاصيلها الجميلة عن قرب، ويسهم -مع تهميشها إعلامياً، كما غيرها من المحافظات اليمنية التي يغلب عليها الطابع الريفي- في فرض ما يشبه جداراً من العزلة”.

ويشير الجبل إلى أنه يهدف من خلال أعماله كمصور وصانع محتوى، أن “يسهم في تجسير التواصل بين ريمة ومحبيها في الداخل والخارج”. حيث تمتلئ حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي بالمناظر الساحرة عن ريمة.

وكان للمصورين وصانعيِّ المحتوى المرئي دور مهم في إنجاح المبادرات المجتمعية التي ازدهر نشاطها -سواء في ريمة أو غيرها من محافظات البلد- بشكل لافت خلال سنوات الحرب، حيث تحولوا إلى مراسلين لنقل مستجدات أعمالها والتحديات التي تواجهها والإنجازات التي تحققها للآخرين عبر حساباتهم في مواقع التواصل، بغية حشد الدعم وإشعال الحماس.

ورداً على سؤال “ريف اليمن” عن أبرز الصعوبات التي تواجه عمله، يوضح الفوتوغرافي الجبل: “اضطراري قطع مسافات طويلة قد تصل إلى عشرات الكيلو مترات بغية الوصول إلى بعض المناطق لتوثيق صورة أو مشهد، وعادة ما تفاجئني مخاطر كبيرة في التصوير لا تكون بالحسبان بالذات في المرتفعات الجبلية الشاهقة، فيما يعد العائق الأكبر عدم امتلاكي كاميرا ومعدات تصوير حديثة تسمح بإنتاج أعمال أكثر جودة”.

بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه المصور “يوسف الجبل”، يُجمِع الكثير من المصورين وصانعي المحتوى المرئي في مختلف المناطق الذين تواصلت معهم “ريف اليمن”، أن الظروف التي أفرزتها الحرب -كالأوضاع الاقتصادية والتعقيدات الأمنية المفروضة على التنقل- تُعيق ممارستهم شغفهم وتطويره.

على الرغم من اعتماد صانع المحتوى “الجبل” على استخدام جواله الشخصي كأداة للتصوير فإن احترافه جعل لأعماله زخماً ورواجاً كبيراً في وسائل التواصل. ويأمل مستقبلا أن يقتني كافة الأدوات الحديثة للتصوير الفوتوغرافي، ويتمكن من زيارة كافة المناطق اليمنية التي تشتهر بجمال الطبيعة والمعالم التاريخية الأثرية، والطراز المعماري الفريد.

مصورو ريف اليمن: عيونٌ عاشقةٌ وملهمةٌ توثق الجمال
قرية سحمة وسط طبيعة خضراء بمنطقة بني واقد في مديرية الجعفرية بمحافظة ريمة (يوسف الجبل)

تاريخ مستمر بالتدفق

محاولة إبراز جانب مما تزخر به المناطق الريفية اليمنية من وفرة المناطق السياحية الجذابة والمعالم والشواهد التاريخية، وتنوع فريد في الفلكور الشعبي والطراز المعماري، إحدى أهم الفوائد التي يمكن أن تحسب لتجارب العديد من المصورين وصناع المحتوى من الشباب اليمني.

“عبدربه شنظور” (22 عاماً) أحد المصورين المهتمين بإنتاج محتوى إيجابي، ويتجول بعدسته في مناطق “يافع” الممتدة في 8 مديريات بين محافظتي أبين ولحج (جنوبي اليمن)، ويختزل شغفه في أن كل ما في يافع يحفز على التصوير، ويوثيق الدهشة في لقطة.

يقول عبد ربه “كل ريف يافع دون استثناء له طابع خاص، وفي كل منطقة ما يميزها، سواء من التلال والجبال أو حقول البُن في الوديان المكسوّة بالخضرة، مع ذلك يحافظ أهاليها جميعا على موروث شعبي متقارب كالملبوسات والرقصات الشعبية والأغاني والفنون وغيرها مما يتصل بالأعراف والعادات والتقاليد التي تميز هوية المنطقة”.

ويضيف في حديثه لـ”ريف اليمن”: “في كل زيارة لقرى يافع أكتشف شيء جديد ويحليني إلى مكتشف بدلا من مجرد زائر، وهذا هو السر والجانب الذي أحبه ويجعلني خفيفا وتواقا إلى التصوير”.

ويلفت المصور وصانع المحتوى عبد ربه إلى أن “أبرز ما تنفرد به يافع عن غيرها من الأماكن، يتمثل في طابعها المعماري العبقري الذي شُيِّدت به المنازل والقلاع والحصون في قراها وحواضر سلطناتها القديمة”.

ولعل أحد أسرار جمال ذلك النمط المعماري هو التناغم النابض بالحياة في كافة ملامحه، حيث يمكنك أن تجد في كل طوبة أو جدار من بنيانها تقاسيم بديعة وزاوية مناسبة للتصوير، تتناغم مع بعضها لتولد مشهداً مفعماً بالحياة يمكن له أن يحكي في صورة واحدة من عدسة ثابتة تاريخاً مستمراً بالتدفق.

الحنين إلى الريف

مشاعر الاعتزاز والانتماء والحنين التي تربط اليمني بمسقط رأسه في الريف، بالإضافة إلى جاذبية البيئة الريفية بهوائها النقي وإنسانها البسيط المبتعد عن التكلف، ليست وحدها العوامل الأساسية التي تفسر أسباب تصاعد اهتمام اليمنيين بالمحتوى السياحي والترفيهي عن الريف، بحسب الاستشاري السياحي فاروق العبسي، في حديثه لـ”ريف اليمن”.

مصورو ريف اليمن: عيونٌ عاشقةٌ وملهمةٌ توثق الجمال
جزيرة النوبة في سواحل جنوبي اليمن (عبدربه محمود شنظور)

ويوضح العبسي أن “العامل الأهم والمستجد يكمن في تأثير تداعيات الحرب التي تشهدها البلد منذ عشرة أعوام، حيث فضّل الكثير من اليمنيين- بالذات النازحين- العودة إلى المناطق الريفية كونها الملجأ والموطن الآمن نسبيا والأقل تكلفة اقتصادية، وبدأوا يكتشفون إمكانيات الريف ويعيدون تواصلهم معه من منظور العائد إلى الذات، الذي عادة ما تنتهجه الشعوب في لحظاتها العصيبة”.

العبسي يشير إلى أن مساحة إنتاج المحتوى المهتم بالريف -سواء من الأشخاص أو المؤسسات الإعلامية- ما زال حتى اللحظة غير كافٍ مقارنة بالاحتياج والفرص الموجودة، ويشيد بالتجارب المبدعة التي صنعت فارقا حقيقيا بإعادة تصديرها الريف اليمني إلى مكانه الحقيقي في المتن، بعد فترة طويلة ظل فيها ومعه البلد، في خانة الهامش.

وبرزت المناظر الطبيعية الساحرة لشلالات وعيون المياه الصافية في الوديان، والقرى المعلقة في الجبال، والمرتفعات المتوجة بالغيوم، والغيوم المتصاعدة من مواقد النار في المنازل الريفية والمهاجل والشعبية، المدرجات الزراعية المرتبة كالنقوش، والنقوش التي تشكلها السواعد بالمعاول التي تحاكي ابن الريف اليمني في صلابته، وينفرد بالإرادة والصبر وعدم الانكسار، كل هذا وأكثر وثقته عدسة انعي المحتوى المبدعين من الشباب.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: