لحج.. استعادة زراعة “البن اليافعي” واقتلاع القات

مثّلت الخطوة تحولًا نوعيًا في زراعة البّن ما يجعلها تفتح آفاقًا واسعة

لحج.. استعادة زراعة “البن اليافعي” واقتلاع القات

مثّلت الخطوة تحولًا نوعيًا في زراعة البّن ما يجعلها تفتح آفاقًا واسعة

تتربع العديد من أودية يافع بمحافظة لحج جنوبي اليمن، على كنز زراعي ثمين يتمثل في أشجار البن، التي لطالما نافستها أشجار القات، المحصول الأكثر انتشارًا في اليمن بسبب العائد المالي السريع الذي يوفره، رغم تأثيره السلبي على الصحة بسبب تشبُّعه بالمبيدات السامة.

مؤخرا، وتحديدا خلال 2024، بدأ الوعي يتنامى بين المزارعين حول أهمية البن كمحصول استراتيجي يحمل قيمة اقتصادية ووطنية؛ ما دفع إلى إطلاق حملة واسعة في يافع تحت شعار “استبدال القات بالبن”؛ حيث بدأ العديد من المزارعين بقلع أشجار القات، واستبدالها بزراعة شتلات البن.

من القات إلى البُن

المزارع “ناشر عبد الحق” أحد الذين قرروا اتخاذ خطوة جريئة بالتخلي عن زراعة القات واستبداله بالبن، رغم التحديات الكبيرة التي واجهها، ويقول: “كنا نزرع القات لسنوات طويلة، لكنه لم يمنحنا الاستقرار الاقتصادي الذي نطمح إليه، كما أنه يستهلك كميات كبيرة من المياه، اليوم نراهن على البن كمصدر دخل مستدام للأجيال القادمة”.

ويضيف ناشر خلال حديثه لمنصة ريف اليمن: “اقتلعت 400 شجرة قات، بعضها كان يصل ارتفاعه إلى تسعة أمتار، وبدأت باستصلاح الأرض وزراعة 20 شتلة بن، مع خطة لتوسيع الرقعة المزروعة تدريجيًا، لكن هذا القرار لم يكن سهلاً، فزراعة البن تتطلب جهدًا وعناية خاصة”.


        مواضيع ذات صلة


ومثّلت هذه الخطوة تحولًا نوعيًا في القطاع الزراعي اليمني، ما يجعلها تفتح آفاقًا واسعة لفرص اقتصادية مستدامة، وتعيد الحياة إلى محصول كان يُعرف به اليمن على مر العصور. ورغم أن القات كان يدر عليه دخلًا يتراوح بين 5 إلى 9 ملايين ريال سنويًا(2000 – 3500 دولار) إلا أن ناشر يعتبره خسارة للمال والصحة والوقت، فضلًا عن المشكلات الاجتماعية التي يسببها.

لحج.. استعادة زراعة "البن اليافعي" واقتلاع القات
حراثة تقوم باقتلاع شجرة القات لاستبدالها بشتلات البُن في منطقة يافع بمحافظة لحج جنوبي اليمن (مواقع التواصل)

ويشكل البن مصدر دخل رئيسي للعديد من الأسر في يافع، مما دفع المزارعين إلى إعادة إحيائه كمنتج زراعي استراتيجي، وبعد مشاركة ناشر في دورة تدريبية نظمتها منظمة “موكافالي”، بدأ خطواته نحو التحول الزراعي؛ حيث قدمت له المنظمة الخبرة، والمعدات البسيطة، وخزان مياه، والتمويل اللازم لتحسين أساليب الزراعة.

يؤكد ناشر أن المزارعين بدأوا يدركون مخاطر القات على صحة الإنسان والمجتمع، بالإضافة إلى التأثير السلبي على الموارد الطبيعية بسبب الاستهلاك المفرط للمياه، إلى جانب عدم استقرار أسعاره في الأسواق.

المزارع “قحطان عفيف” من أبناء قرية أسطلة بمديرية يهر، هو الآخر قام بقلع أشجار القات من أرضه بمساحة 374 مترًا مربعًا، واستبدلها بزراعة البن، وانضم إليه مزارعون آخرون من أودية ذي ناخب، العرقة، يسقم، ومعربان، وغيرها.

بدوره أوضح “محمد عبد الحافظ”، مدير مكتب الزراعة والري بمديرية يهر بيافع، أن المزارعين أصبحوا أكثر وعيًا بأهمية زراعة محاصيل ذات قيمة اقتصادية عالية بدلاً من القات، الذي يستنزف المياه ويضر بالاقتصاد المحلي.

مبادرات مجتمعية

ويضيف لمنصة ريف اليمن: “بدأت جهود مجتمعية لاستبدال القات بالبن في مناطق عدة من يافع، مما يعكس تحولًا استراتيجيًا نحو تعزيز مكانة البن اليافعي عالميًا، وهو ما قد يسهم في دعم الاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل جديدة، غير أن شحَّ المياه واعتماد الزراعة بشكل كبير على الأمطار قد يعرقل ذلك”.

لحج.. استعادة زراعة "البن اليافعي" واقتلاع القات
مزارع من أبناء يافع يعرض محاصيل من البن اليافعي (عبدالقادر السميطي)

ويدعو عبد الحافظ إلى إيجاد حلول؛ كبناء حواجز ودفاعات ضد السيول لحماية المزارع من الانجراف، وتدريب وتأهيل المزارعين، وتوفير شبكات الري الحديثة، وتشجيع المزارعين الذين اقتلعوا أشجار القات، وتوفير شتلات بن مجانية لهم، مع تسهيل تسويق المحصول محليًا ودوليًا لدعم الاقتصاد الوطني، وتوسيع رقعة زراعة البن وزيادة إنتاجيته.

يتمتع البن اليافعي بشعبية متزايدة في الأسواق المحلية والعالمية، حيث تحظى المعارض والفعاليات الخاصة بالبُن في اليمن بحضور واسع من المواطنين والتجار والشركات، مما يعكس تزايد الوعي بأهمية البن وتراثه العريق. ورغم التحديات التي تعرقل وصوله إلى الأسواق العالمية، إلا أن البن اليافعي استطاع تلبية احتياجات السوق المحلية، ونجح في الوصول إلى دول الخليج والعالم.

رغم الحماس المتزايد للتحول الزراعي، إلا أن المزارعين في يافع يواجهون عقبات كبيرة، أبرزها غياب الدعم الحكومي والمشاريع التنموية، وصعوبة قلع الأشجار القديمة وزراعة الشتلات الجديدة والعناية بها، وهذا يتطلب استخدام أساليب مبتكرة، وطرق ري حديثة لضمان توفير المياه على مدار السنة، وزراعة البن بطريقة فعالة لتحقيق عوائد مجزية.

ويعتقد المهندس “عبد القادر السميطي” أن السبب الرئيسي لتدهور البن في يافع يعود لاعتماد معظم المزارعين على أساليب الزراعة التقليدية التي لم تعد قادرة على تلبية احتياجات العصر. كما يشير إلى غياب التقنيات الزراعية الحديثة وعدم مكافحة الآفات، بالإضافة إلى جرف التربة الجيدة؛ مما يؤثر سلبًا على إنتاجية وجودة المحصول.

لحج.. استعادة زراعة "البن اليافعي" واقتلاع القات
بُن يافعي داخل المعرض الوطني الاول للبن الذي أقيم في عدن يناير 2024 ( مواقع التواصل)

ويعزو السميطي، في حديثه لمنصة ريف اليمن، تدهور القطاع إلى عزوف المزارعين عن الزراعة بسبب انخفاض أسعار البن، وصعوبة تصديره، فضلاً عن عدم وجود معايير جودة واضحة، داعيا إلى تعزيز الإرشاد الزراعي، وإنشاء مكاتب زراعة في مديريات يافع، إضافة إلى ضرورة توفر التمويل والإشراف الحكومي.

ويشدد على أهمية حماية شجرة البن باستخدام أصناف محلية جيدة، وتقديم الإرشادات الزراعية المناسبة، وتأسيس مصانع خاصة لتحويل البن إلى منتج ذي قيمة مضافة، مثل تحميصه أو تعبئته في شكل قهوة جاهزة، مما يساهم في رفع أسعار البن، وزيادة أرباح المزارعين.

تميّز البن اليافعي 

ويلفت السميطي إلى أن البن اليافعي يمتاز بموسم زمني منتظم، حيث يزهر في فصل الصيف المبكر بدءًا من فبراير أو مارس، ويُحصد في الخريف، ويُعرف هذا الموسم في الثقافة الحميرية بمحصول “الصربي”، نسبة إلى موسم “صراب الذرة”.

ومع تزايد الطلب العالمي على القهوة المختصة، أصبح البن اليافعي محط أنظار عشاق القهوة، فهو ليس مجرد مشروب، بل هو تجربة ذوقية أصيلة تعكس نكهة غنية، وفوائد صحية، وتتميز القهوة اليافعية بطرق تحضير متنوعة، وطقوس خاصة تختلف من منطقة لأخرى.

وتوضح “فاطمة المفلحي”: “هناك القهوة المرة التي تقدم مع التمر، والقهوة المحلاة بالسكر والعسل، وبعض الأنواع تُضاف إليها اللبن، بينما في المناسبات مثل النفاس والأعراس، يضاف إليها السمسم، مما يضفي طعماً فريداً ومميزاً”.

ومنذ منتصف السبعينات، شهدت زراعة البن في يافع ازدهاراً ملحوظاً من حيث الكم والنوع بفضل الاهتمام الرسمي والدعم الحكومي. ومع ذلك، يعاني المحصول من تدهور مستمر منذ أكثر من 40 عامًا.

ويقدَّر عدد أشجار البن في منطقة يافع بحوالي 535 ألفاً و588 شجرة، تغطي مساحة تصل إلى 27 ألفاً و279 هكتاراً، من بين هذه الأشجار، يوجد حوالي 469 ألفاً و250 شجرة قديمة عمرها أكثر من 40 عامًا، فيما وصل عدد أشجار الصنف الأمني إلى 528 ألفاً و432 شجرة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: