حصن شُحير بحضرموت: معلم أثري يعاني الإهمال

يعتبر رمزا أثريا بحضرموت ويعود تاريخه إلى عهد الدولة القعيطية

حصن شُحير بحضرموت: معلم أثري يعاني الإهمال

يعتبر رمزا أثريا بحضرموت ويعود تاريخه إلى عهد الدولة القعيطية

في أعماق تاريخ وحضارة اليمن، يقف حصن “شُحير” الذي يعتبر رمزا أثريا من رموز حضرموت، شامخا وشاهداً على عصور مضت، وأحداث جرت، فقد كان مركز حماية ودفاع، ومقر حكم، لكن لم يتبق منه سوى جدران هزيلة تصارع للبقاء.

يعود تاريخ الحصن إلى عهد الدولة القعيطية، حيث كان بمثابة مقر للحكم والإدارة، وشهد العديد من الأحداث التاريخية؛ كصعود وسقوط العديد من الحكام، وكانت مهمة الحصن تتمثل في حفظ الأمن وإدارة شؤون المنطقة، وكان الشخص الذي يحكم الحصن في تلك الفترة يدعى قائم شُحير.

حصن شُحير بحضرموت

على الرغم من أهمية الحصن التاريخية والثقافية، إلا أنه يعاني اليوم من الإهمال والتقصير فالجدران المتصدعة والنقوش المتآكلة والأبواب المهدمة، تشهد على حالة الإهمال التي يعيشها هذا الصرح التاريخي.


      مواضيع مقترحة


“سعيد الرباكي” (94 عاما)، أحد الذين عايشوا الحصن في أوج عظمته؛ حيث كان حارساً للحصن يحمل بندقيته القديمة عند مدخله الرئيسي على مدار حقبة من الزمن، يروي أن الحصن كان يوماً ما حارساً أميناً للمنطقة، يشكل مركزاً للحماية والدفاع، وكان مقراً للحكم والسلطة.

ويضيف الرباكي لمنصة ريف اليمن، وهو يناظر لهذا المعلم التاريخي: “حصن شُحير يعود إلى الدولة القعيطية التي حكمت شُحير ومناطق شرق حضرموت من عام 1885 حتى عام 1967″، لافتا إلى أن السلطان غالب بن عوض القعيطي اتخذ قرار بناء الحصن، وكلّف حاكما يتبع السلطنة في المناطق الريفية شرق حضرموت بهذه المهمة، واتخذ السلطانُ من القصر منطقة حكم ومحكمة وسجنا لتسيير أمور سكان المنطقة.

حصن شُحير بحضرموت: رمز أثري يعاني الإهمال
رغم أهمية الحصن لم يتبق منه سوى بعض الجدران الهزيلة التي تصارع البقاء (ريف اليمن)

ويضم الحصن العديد من الغرف والأبراج والساحات، وكان مزخرفاً بزخارف بديعة، إلا أن الزمن لم يرحم هذا الصرح العظيم. وبالتعرف على مكوناته، كان يوجد فيه مكتب القائم، ومقر لإدارة الحكم، وسجن، وعدة مخازن، إضافة إلى سكن القائم، ويكون القائم غالباً إما من القعيطيين (الأسرة الحاكمة أنفسهم) أو من المقربين أو من الموالين لهم آنذاك.

تهالك وصراع للبقاء

يحكي سعيد وعيناه تذرف الدموع لما رأى من تهالك هذا الحصن الشامخ؛ إذ لم يتبق منه سوى بعض الجدران الهزيلة التي تصارع البقاء، بسبب مرور السنين، وتأثير العوامل الطبيعية، والإهمال من قبل الإنسان، وغالبية أجزاء الحصن تحولت إلى ركام، واختفت معالمه التي كانت تشهد على عظمة الماضي.

مدير هيئة حماية الآثار والمتاحف بمحافظة حضرموت، “رياض باكرموم”، قال إن العديد من الحصون والمعالم الأثرية اليمنية تعرضت للاندثار بسبب الإهمال، مشيرًا إلى أن غياب دور الهيئة لسنوات طويلة خلال فترة الحرب كان له أثر سلبي على حماية هذه المواقع.

وأضاف باكرموم لمنصة ريف اليمن، أن حصن شحير وغيره من المعالم التاريخية تأثرت نتيجة توقف أنشطة الهيئة، والتي أُغلق فرعها في حضرموت لأكثر من عشر سنوات؛ مما أدى إلى تفاقم أوضاع هذه المواقع التراثية.

وأوضح أن المعالم الأثرية في حضرموت تنقسم إلى قسمين: الأول يضم الحصون والمعالم التابعة للدولة، بينما يضم الثاني مواقع أثرية لا تزال ملكًا خاصًا لبعض المواطنين، مؤكدًا أن جميعها تحتاج إلى اهتمام ورعاية للحفاظ على الإرث الثقافي للبلاد.

وأشار إلى أن فرع الهيئة في حضرموت نفذ عددًا من مشاريع الترميم لبعض المعالم الأثرية، مثل: قصر السلطان القعيطي، وحصن الغويزي، والمدرسة الوسطى، وذلك بالتعاون مع منظمات دولية متخصصة في الحفاظ على التراث؛ بهدف إعادة افتتاحها للزوار كمعالم تاريخية بارزة.

حصن شُحير بحضرموت: رمز أثري يعاني الإهمال
يعود تاريخ الحصن إلى عهد الدولة القعيطية حيث كان بمثابة مقر للحكم والإدارة (ريف اليمن)

وتعد القصور والمعالم الأثرية مصدر إلهام لماضٍ عريق كان يجوب البلاد، وثروة تُركت للأجيال ليحكوا عنها في قصص متواترة تربط ما بين الماضي والحاضر، إلا أن الإهمال والتجاهل يؤديان إلى فقدان جزء من الهوية والتاريخ، وعلى الجهات الحكومية تحمل مسؤوليتها في الحفاظ على هذا التراث الغني، وترميم الحصن وحمايته من عوامل التدمير.

أسباب وعوامل الاندثار

وتوجد العديد من الأسباب التي أدت إلى تدهور حصن شُحير. وبحسب الباحث التاريخي الدكتور “يزيد بن شحنة” فإن عوامل عدة أدت إلى تدهور حالة الحصن، من أهمها العوامل الطبيعية؛ حيث تعرض الحصن لعوامل التعرية والأمطار والرياح والتي ساهمت في تآكل جدرانه.

ويضيف شحنة لمنصة ريف اليمن، أن الأسباب الأخرى هي الإهمال الحكومي؛ إذ لم تحظ المواقع الأثرية في اليمن بشكل عام بالاهتمام الكافي من قبل الحكومات المتعاقبة، وأما آخر الأسباب فهو غياب الوعي المجتمعي؛ حيث لا يزال الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي منخفضاً لدى الكثير من الناس.

ويقول بن شحنة إن هناك مطالبات عديدة من قبل الأهالي والمثقفين بسرعة ترميم ما تبقى من الحصن في ظل وجود دراسات جاهزة لعملية الترميم، لكن غياب الدولة وقلة اهتمامها سيؤدي إلى إنهاء آثار هذا الحصن بشكل كامل.

ويشدد على أن “الحفاظ على هذا الصرح التاريخي واجب وطني، يتطلب تضافر جهود الجميع، من الحكومة والمجتمع المدني والأفراد، ويجب أن يعمل جميعاً على ترميم الحصن وحمايته من عوامل التعرية والتدمير، وأن ننشر الوعي بأهميته لدى الأجيال القادمة”.

الجدير بالذكر أن قصة حصن شُحير قصة تتكرر في العديد من المواقع الأثرية في اليمن؛ فالإهمال والتجاهل يؤديان إلى فقدان جزء من الهوية والتاريخ، والحفاظ على حصن شُحير، وبقية المواقع الأثرية، ليس مجرد واجب وطني، بل هو واجب أخلاقي تجاه الأجيال القادمة التي من حقها أن تعرف تاريخ الأجداد، وأن تفتخر بحضارتها.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: