إحياء التراث الشعبي.. العودة للجذور اليمنية

تتعدد الأزياء التقليدية حسب المناطق وتشمل طيفًا واسعًا من التصاميم والألوان

إحياء التراث الشعبي.. العودة للجذور اليمنية

تتعدد الأزياء التقليدية حسب المناطق وتشمل طيفًا واسعًا من التصاميم والألوان

بين خيوط الأزياء وتفاصيل التاريخ، يتجلّى التراث الشعبي اليمني كجسر يصل الماضي بالحاضر، حاملاً ثقافة غنية وهوية عميقة، متجاهلًا التطورات الحديثة واتجاهات الموضة العالمية التي تغزو الأسواق، وتستقطب الشباب والفتيات حول العالم.

وفي ظل هذه التطورات الحديثة للموضة، ظهرت في اليمن موجة مميزة تعكس إقبال الفتيات على الأزياء التراثية والريفية برغبة حقيقية وعميقة لإحياء التراث اليمني، والتمسّك بالهوية الوطنية في زمن تسعى فيه العولمة لطمس الخصوصيات الثقافية.

ترجمة النقوش

تشكل الأزياء التراثية اليمنية عنصرًا أصيلًا من الهوية الوطنية، حيث تعكس ثقافة غنية وتاريخًا عريقًا. كما تقول الناشطة المجتمعية شيماء رمزي إن “الأزياء التراثية هي بمثابة ترجمة مرئية للنقوش والأفكار التي عاشت لقرون طويلة في اليمن”.


       مواضيع مقترحة


وتضيف لمنصة “ريف اليمن”: “هذه الأزياء ليست مجرد ملابس، بل تمثل وسيلة تعبير للفتيات اليمنيات عن انتمائهن وتاريخهن أمام تحديات العصر الحديث، حيث يحمل كل خط ولون وزخرفة رموزًا ثقافية تمثل أصالة اليمن وعمق تاريخه”.

وشهدت الأزياء التراثية اليمنية تراجعًا ملحوظًا في التسعينيات حيث أدى ظهور التعددية الحزبية إلى محاولات لتوحيد الزي كجزء من تعزيز الهوية المدنية والتأقلم مع مظاهر الحداثة. وتوضح شيماء أن هذه التغيرات ساهمت في انحسار الملابس التراثية لصالح أزياء موحدة أكثر ارتباطًا بالمدنية الحديثة. لكن في الوقت الراهن، تسعى العديد من الفتيات إلى العودة للملابس التراثية كرمز للتمرد على الطابع العالمي الموحد وإعادة الارتباط بالجذور الثقافية.

صراع الماضي والحاضر

حفصة، امرأة تجاوزت السبعين، تتحدث بحنين عن الماضي قائلة: “ثيابنا كانت تعبر عنا كيمنيين ببساطة واحتشام دون إضافات دخيلة”. ترى حفصة أن هذه الملابس لا تزال تحتفظ بجاذبيتها، وتقدم للفتاة اليمنية ثوبًا يعبر عن هويتها وجمالها الطبيعي بعيدًا عن الأزياء المستوردة التي قد لا تتناسب مع الثقافة المحلية.

فتيات يمنيات يرتدين أزياء تراثية في مدينة تعز جنوب غرب اليمن(فيسبوك/ نائف الوافي)

أسماء الراسني فتاة شابة تفضل ارتداء الأزياء التقليدية، وتواجه صوتا يرفض اختيارها. تقول أسماء التي فضلت عدم الكشف عن هويتها الحقيقية: “نعود إلى هذه الملابس في محاولة للحفاظ على هويتنا وتراثنا، ولكن هناك مَن يسيء فهم هذا الأمر، ويرى أن هذه الأزياء لا ينطبق عليها شروط الحجاب في الموروث الفقهي، وهذا الصوت الرافض يشكل تحدياً حقيقياً لنا، وحقيقة الأمر أننا نسعى للاعتزاز والتفاخر بتراثنا، ونرى أن لباس جداتنا كان محتشما”.

تتعدد الأزياء التقليدية اليمنية وتشمل طيفًا واسعًا من التصاميم والألوان، وتتنوع حسب المناطق. حيث تتميز أزياء صنعاء بزخارفها الفاخرة، بينما تتصف ملابس حضرموت بالبساطة الممزوجة بالطابع الساحلي. أما في تعز، فتطغى التفاصيل المزخرفة التي تعكس ثقافة المناطق الجبلية. هذا التنوع يعكس غنى التراث اليمني وأهمية الأزياء كمرآة لتعدد الثقافات والبيئات الجغرافية في البلاد.

وقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى أن اليمنيين برعوا في دباغة الجلود منذ القدم، حيث كانت صنعاء تضم ثلاثًا وثلاثين مدبغة في القرن الرابع الهجري. وكانت مطاحن الفرض تنتج بسطًا فريدًا ونعالًا مشعرًا وترخيمة، إضافة إلى الجرب الحافظة للماء المصنوعة من أصواف الماعز والأغنام والجمال.

كما اشتهرت نساء اليمن بحياكة وغزل الثياب بأيديهن، متبعات النمطين الفارسي والحميري. وتنوعت صناعة الأنسجة في صنعاء بين الصوف والكتان والقطن، كما برعت المدينة في صناعة الوشي والبرود. من بين هذه الأزياء، كانت ثياب السحل والمرجل التي تزين بصور الرجال، وثياب دواويج الثعالب المصنوعة من الفراء المدبوغ.

كما اشتهرن بصناعة الثياب الشرعية والمعاجر والمجسد والوصائل المصنوعة من الخز المجبة، وبرزت الحلل اليمنية، أشهرها سعيدي صنعاء. كان يُفصّل من الأقمشة الخز والحرير والكتان، إضافة إلى الثياب الصكري، التي يُعتقد أنها من أرقى الأنسجة التي لا ينفذ منها الماء.

محل مختص في بيع الملابس التراثية في صنعاء(رصيف22)

استعادة التراث وتعزيز الاقتصاد

وأدى اهتمام الفتيات بالأزياء التراثية إلى تنشيط الحرف اليدوية ودعم الاقتصاد المحلي. إذ يقول الدكتور محمود معوضة، صاحب محل متخصص في الأزياء التراثية: “كان هذا التراث على وشك الاندثار، لكنه عاد بقوة مؤخرًا، حتى أصبح يُصدر لدول عديدة”.

وأضاف معوضة لمنصة “ريف اليمن” الملابس المطرزة يدويًا باتت تمثل مصدر دخل للحرفيين المحليين ويمكّنهم من مواصلة إنتاج هذه الأزياء الفريدة، بينما يُستخدم في بعضها الآخر مكائن خياطة مخصصة. كما أُضيفت إليها قطع فضية تلائم حفلات الأعراس، مما يمزج بين الأصالة والتحديث لتناسب احتياجات العصر.

وشهدت بعض هذه الأزياء تحديثات، حيث أُضيفت إليها لمسات جديدة تناسب متطلبات الساحة العصرية. وأشار الدكتور محمود أيضًا إلى أن الأزياء التراثية اليمنية لاقت انتشارًا واسعًا مؤخرًا، حيث صُدّرت إلى دول مثل السعودية وأمريكا ومصر عبر الجاليات اليمنية. هذه الزيادة في الطلب على الأزياء التراثية تمثل لليمنيات فرصة للاحتفاء بالتراث بطريقة تجمع بين الأصالة والحداثة.

رغم التحديات التي تواجه الفتيات في ارتداء الأزياء التراثية، إلا أنهن يؤكدن تمسّكهن بهذه الملابس ورغبتهن في إعادة تقديمها كرمز للاعتزاز بالهوية اليمنية. وتؤكد الراسني أن “العودة للأزياء التراثية هي محاولة لربط الأجيال الجديدة بتاريخها، ووسيلة للتعبير عن الانتماء في زمن تسعى فيه العولمة لتوحيد الثقافات”.

ويعكس توجه الفتيات اليمنيات نحو الأزياء التراثية الريفية وعيًا متناميًا بأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية في عالم يتسارع نحو التوحيد الثقافي، فالأزياء ليست مجرد ملابس عادية، بل هي قصص تروي تفاصيل من الماضي وتحمل معها عراقة اليمن وأصالته. ومن خلالها تفتح الفتاة اليمنية بابًا للعودة إلى تراثها متحدّية نظرة المجتمع ومتحدّية كذلك الانسياق خلف الموضات العالمية.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: