حصون وقلاع شبوة: إرث الأجداد وعبقرية التاريخ

يوجد في مديرية الطلح وحدها نحو أكثر 250 حصناً

حصون وقلاع شبوة: إرث الأجداد وعبقرية التاريخ

يوجد في مديرية الطلح وحدها نحو أكثر 250 حصناً

محافظة شبوة، درة جنوب اليمن، وإحدى أبرز المحافظات التي تجمع بين عبق التاريخ وأصالة التراث والطبيعة الخلابة، إذ تزخر المحافظة التي احتضنت حضارات عريقة مثل أوسان وقتبان وحمير، بآثارها التي تحكي قصص الأجداد وعبقرية التاريخ.

وتعكس محافظة شبوة تنوعًا ثقافيًا ومعماريًا فريدًا، وتمثل مديرية الطلح خصوصا نافذة مشرقة على التراث المعماري اليمني القديم، حيث تتناثر فيها الحصون والقلاع التي تُعرف محليًا بـ”المصانع”، وهي لاتزال شاهدة على عبقرية الأجداد وحنكتهم في مواجهة تحديات الزمن.

بين الجبال الوعرة والطبيعة الخلابة، تقف هذه المعالم شامخة، تحمل في تفاصيلها قصصًا عن حضارات أوسان وقتبان وحمير، وتروي فصولًا من تاريخ غني بالإبداع الهندسي والحياة القبلية، وتعد الحصون والقلاع ، (وتسمى مصانع ومفردها مصنعة)  من أهم المعالم الأثرية لمعظم القبائل اليمنية، على وجه الخصوص قبائل محافظة شبوة.

شبوة والإرث التأريخي

وتعد مصنعة روضة بامخشب، من أجمل القلاع والحصون في المديرية وأروعها على مستوى المحافظة، من حيث التصميم والمتانة والقوة والجمال، إذ يفوق عمرها 600 عام تقريباً ، وهي تحفة معمارية فريدة من نوعها من ناحية التصميم والهندسة المعمارية، ولاتزال شاهدة على عبقرية الأجداد الأوائل.

ويقول مدير عام مكتب السياحة في محافظة شبوة جاسم رويشان: “من قام بتشييد هذه القلاع والحصون هم أناس عاديون لا يمتلكون أي شهادات في مجال البناء والهندسة، ولكنهم يمتلكون عبقرية فريدة، ومهارات متوارثة”.


      مواضيع مقترحة


وأضاف رويشان لمنصة ريف اليمن:” عندما تنظر إلى الأعلى باتجاه سطح المصنعة تجد زيادة في الجدار العلوي بين الأركان الدائرية، وتوجد فتحات لرمي الحجارة أو الرماح على أي عدو يحاول مهاجمة المصنعة وكسر أو تفجير باب المصنعة”.

تضم جوانب المصنعة فتحات نوافذ تسمى” العُكُر” وهي على شكل مثلث تعتبر قمة الهندسة والإبداع ولها خصائص حربية لمواجهة العدو من كل الاتجاهات، بحيث يصعب على المهاجم إصابة المتمترس فيها، و تحيط بالمصنعة فتحات مربعة والبعض مستطيلة للتهوية ودخول الشمس والضوء لكل من الدرج والممرات و الحجرات .

تجدر الإشارة إلى أن العيدان المستخدمة في سقف طوابق المصنعة هي من الأشجار المتواجدة في البيئة المحلية مثل :عود السدر – والسرح – القرض – الصر، وهي عيدان صلبة تقاوم كل عوامل الطبيعة، وما زالت رغم تلك السنين قوية ومتينة.

ويسمى باب المصنعة “فرخ” ويرتفع عن سطح الأرض ثلاثة أمتار ويتم الوصول إليه عبر سلم يسمى (مشعبة-أو عود)، وهو (أي الباب) تحفة نادرة، مصنوع من شجرة السدر، وبه نقوش وزخرفة تدل على مهارة صانعه خلال تلك الحقبة.

وقال الباحث في تاريخ محافظة شبوة عيظة عبدالعزيز:” هذه العيدان تُقطع في فصل الشتاء، والسر يكمن في أنه لا تدخلها (الأرضة) في الشتاء، ويضل العود قويا شديد الصلابة والمتانة”.

حصون وقلاع شبوة: إرث الأجداد وعبقرية التاريخ
تعكس شبوة تنوعًا ثقافيًا ومعماريًا فريدًا، وتمثل مديرية الطلح نافذة مشرقة على التراث اليمني القديم (ريف اليمن/ عيظة عبدالعزيز)

وأضاف في حديث لمنصة ريف اليمن “عندما تقف أمام هذه القلاع والحصون و تتأملها من الخارج تندهش بتصاميمها وفنونها وأركانها الدائرية وارتفاعها الذي يصل إلى أكثر من خمسة طوابق “، وبالإضافة إلى مصنعة روضة بامخشب يوجدُ في مديرية الطلح مصنعة الباجحاو وهي شبيهة إلى حد كبير بمصنعة روضة بامخشب.

 يقول عيظة إن:” مصنعة الباجحاو تنسب إلى آل عمر بن سعيد الباجحاو آل هميم بلعبيد في قرية الحصون منطقة معبر (شورة الهميم) بمديرية الطلح. إذ تم بناؤها في 1770 و 1780 ميلادي تقريباً ، و بناها سعيد بن محمد باجحاو الهميمي بالعبيد” .

وتتكون مصنعة الباجحاو من 5 طوابق غالبيتها عبارة عن غرف صغيرة مقسمة لخانات تسمى “رهوق” ومفردها “رهق” وتستخدم لتخزين الحبوب، أما الطابق الثالث يسمى الفاضلة وهو عبارة عن مجلس واسع  بنوافذ صغيرة جداً وأكثرها على شكل مثلث للمراقبة وكشف كل الطرق التي تدخل معبر من جميع الجهات.

وتضم مديرية الطلح العديد من الحصون الحربية المنتشرة في كل قرية، إذ تضم بعض القرى نحو أكثر من 10 حصون غير أنها تتعرض للإهمال، ويلفت رويشان إن عدد المصانع التي تعرضت للإهمال والانهيار، تقريبا 8 مصانع، في حين أن عدد الحصون الموجودة في المديرية تقريبا تصل إلى أكثر 250 حصناً وأجملها مبنية من مادة الصليل (القرف) والبعض مبني من الطين (المدر) مثل حصون الوديان المنتشرة في محافظة شبوة وحضرموت.

معالم سياحية في مهب النسيان

يحرص الكثيرون على زيارة مديرية الطلح الواقعة على بعد  150 كيلومتر تقريبا من الجهة الشرقية لمحافظة شبوة؛ من أجل مشاهدة هذه الحصون والقلاع الذي شيدها القدماء بتمعن فريد ودهاء كبير يعكس ثقافة المحافظة وتاريخها التليد.

ويقول الناشط الثقافي والتاريخي عناد الكور لمنصة ريف اليمن أن عملية بناء الحصون والقلاع تبدأ بالقاعدة الأساسية التي يجري بنائها على مستوى سطح الأرض، ويطلق عليها “الساس” وهي مبنية من الأحجار الصلبة، مكبوسة بالتراب

ويضيف، أن الناس يستخدمون مادة اللبن المستخرج من الوديان كمادة أساسية في البناء، يضاف له الصفائح الحجرية الجيرية المتحجرة وشبه الصلبة التي تسمى “الصليل”، والتي تستخرج من مناطق تشبه الجبال وتسمى “الأقاحل” ومفردها “أقحل.”

كما تستخدم مادة الصليل والطين المخلوطة (بالذياد والتبل) وهي من مخلفات المحاصيل الزراعية مثل حبوب (الطهف) والقمح، وتستخدم مع الطين كمادة غراء بين الصليل لتماسكها ويعطي المبنى متانة وقوة.

حصون وقلاع شبوة: إرث الأجداد وعبقرية التاريخ
تتعرض هذه الآثار للإهمال وسط دعوات للسلطات للحفاظ عليها وحمايته من الاندثار (ريف اليمن/ عيظة عبدالعزيز)

ويؤكد عيظة أن الاهتمام والمحافظة على حماية آثار مديرية الطلح محدود، قمنا بمبادرة ثقافية للحفاظ على التراث والنمط المعماري الذي تتميز به المديرية وقمنا بتشجيع مالكي الحصون على ترميمها والحفاظ عليها من عوامل التعرية الطبيعية لتبقى شاهدة على عبقرية الإنسان اليمني في الفن المعماري”.

ويطالب الباحث في تاريخ محافظة شبوة، السلطة المحلية والجهات ذات الاختصاص بالتدخل لترميم الحصون والقلاع بالطريقة العلمية المتبعة من قبل الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية أو استشارة مختصين في مجال الحفاظ على التراث العمراني.

من جانبه قال مدير الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في شبوة الدكتور محمد السدلة :”من المحزن أن تتعرض المعالم الأثرية في شبوة للإهمال مضيفًا لمنصة ريف اليمن بأن:” هناك إهمال متعمد لإعاقة عمل الهيئة حيث يتمثل هذا الإهمال بالموازنة التشغيلية الضئيلة للهيئة والتي هي بحدود 23 ألف ريال” .

ودعا السدلة السلطة المحلية والجهات المعنية إلى سرعة الحفاظ على المدن التاريخية والحصون والقلاع الأثرية، لما تمثله من رمزية تاريخية وثقافية فريدة.

ورغم أهمية التراث اليمني  فإنه منذ زمن يواجه خطر الإهمال ويحتاج إلى تكاتف الجهود للحفاظ عليه، باعتباره جزء من هوية اليمن وثقافته، وواجب على الجميع أن يشارك في حمايته ليبقى منارة للأجيال القادمة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: