يسابق الشاب قيصر (24 عاما) شروق الشمس كل يوم، ويقطع مسافات مشيًا على الأقدام، متنقلا بين القرى الريفية، عارضا خدماته على المواطنين المتمثلة بحياكة الأحذية الممزقة، بهدف تأمين لقمة العيش لأفراد عائلته.
وبسبب تردي الوضع المعيشي لدى سكان ريف اليمن، تزايد طلب الناس على إصلاح أحذيتهم الممزقة بدلاً من رميها، وهو مؤشر على زيادة حدة الفقر وتوسع رقعته في كثير من المناطق اليمنية، وفي الوقت الذي تعد مهنة إصلاح الأحذية ملاذ للفقراء هي أيضاً مصدر معيشي لفئة المهمشين في اليمن.
ومهنة “إسكافي” كما تعرف أنها مقتصرة على تلميع الأحذية في المدن الكبيرة، لكن في اليمن تنتشر في المناطق النائية والأحياء الفقيرة لإصلاح الأحذية الممزقة غالباً للإستمرار في إستخدامها، وبسبب الفقر تستخدم لفترة أطول ويتم ترقيعها لأكثر من مرة.
المهمشين: كفاح لأجل العيش
يحمل قيصر، الذي ينتمي إلى فئة “المهمشين”، حقيبته على ظهره، وفيها أدوات الحياكة ويطوف بها القرى تحت أشعة الشمس الحارقة، مواصلا الكفاح دون توقف لتأمين لقمة العيش لأسرته المكونة من 8 أفراد.
يقول فيصل لمنصة ريف اليمن: “أعمل في حياكة الأحذية منذ طفولتي، وكنت أمارس المهنة برفقة والدي في سوق النجد الأحمر بمحافظة إب، لكنني منذ أربع سنوات بدأت التنقل بين القرى، فهي وسيلة مناسبة لتوفير الأموال، وإن كان فيها مشقة وعناء مضاعف”.
ويضيف: “نواجه صعوبات كبيرة، ففي فصل الشتاء نذهب في الصباح الباكر والبرد قارس، خصوصا في المناطق الجبلية التي نسافر فيها مشيا على الأقدام، وفي فصل الصيف نسافر تحت أشعة الشمس الحارقة، بالإضافة وعورة الطريق”.
مواضيع مقترحة
المهمشون.. مساكن هشة بمواجهة مناخ متقلب
الباعة المتجولون والكفاح المستمر
عودة القُرُود تُثير مخاوف المزارعين
ويعمل كثير من فئة المهمشين في حياكة الأحذية الممزقة وإصلاحها للمواطنين في الأسواق الشعبية بمختلف المدن اليمنية، لكن كثيرا منهم لجأ إلى التنقل بين القرى الريفية، لا سيما بعد اندلاع الحرب التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.
وتُقدر نسبة المهمّشين بنحو 12% من إجمالي سكان اليمن، أي يعادل 3 مليون ونصف، حسب آخر تعداد سكاني في عام 2004، ويمارسون عددا من المهن في سبيل تأمين الغذاء لأفراد عائلاتهم، ومن أبرزها حياكة الأحذية الممزقة وحمل الأثقال وجمع المواد البلاستيكية والمعدنية وبيعها في الأسواق.
ومما ساعدهم على انتعاش عملهم ولو بنسبة ضئيلة، اضطرار كثير من سكان الريف لانتظار مرورهم حتى يصلحوا أحذيتهم بسبب بُعد المسافة إلى السوق، وتكلفتها أيضا؛ فضلا عن أن الغالبية من السكان غير قادرين على شراء أحذية جديدة، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية.
منفعة يستفيد منها الفقراء
تماما مثل قيصر، يصنع خليل (27 عاما) لكسب قوته، ويقول لمنصة ريف اليمن: “كل يوم أذهب إلى القرى وبعضها بعيد، وأحيانا أضطر إلى الذهاب نحو مديريات أخرى مثل السياني والسبرة والعدين بمحافظة إب، وأمكث فيها لأيام، وهناك قرى يوفر لنا سكانها الطعام والشراب ويتعاملون معنا بلطف”.
عبد الوهاب محمد (40 عاماً) من سكان قرية مجرن بريف السياني، وأحد مَن يلجأ إلى حياكة أحذيته الممزقة، نتيجة عدم قدرته على شراء أحذية جديدة بسبب توقفه عن العمل جراء انعدام الفرص.
يقول محمد لمنصة ريف اليمن: “أعمل في مهنة البناء، ونتوقف لفترة طويلة، خاصةً في الأشهر القليلة الماضية، فقد أصبحت الأعمال شبه معدومة، وبمشقة نتمكن من شراء الاحتياجات الضرورية”.
ويضيف: “قدوم الإسكافيّ إلى القرية وإصلاح الأحذية مقابل مبالغ مالية زهيدة يخفّف علينا تكاليف السفر إلى المدينة، بالإضافة إلى أنهم لا يشترطون مبلغا كبيرا؛ إذ تصل تكاليف حباكة الحذاء كاملة نحو 800 ريال فقط”.
وتابع: “لا يختلف وضعنا عن أوضاع المهمشين، كل فئات المجتمع دفعت تكاليف الحرب: العامل، الموظف، المزارع، الفلاح. (ما فيش واحد مرتاح بهذه البلاد)”.
خلال سنوات الحرب، تضاعفت معاناة المهمشين بشكل غير مسبوق؛ إذ لم تعانِ فئة مجتمعية يمنية من آثار الحرب الحالية مثل المهمشين، فهم أدنى طبقة اجتماعية يمنية، وقد واجهت قرونا من التمييز والاستغلال والفقر، بحسب مركز صنعاء للدراسات.
وفي دراسة صادرة عن المركز حول التهميش التاريخي والممنهج لمجتمع المهمشين في اليمن، أدى احتدام النزاع في البلاد منذ مارس/آذار 2015 إلى زيادة الفقر والتشرد وانعدام الأمن الغذائي في مجتمعات المهمشين في اليمن.
أكثر الفئات تضررا
وعلى الرغم من أن الوكالات الإنسانية غالباً ما تعرض صور المهمشين في حملات جمع التبرعات والدعاية التي توثق الأزمة اليمنية، تظلّ المساعدات الإنسانية التي تصل لمجتمع المهمشين أقل بكثير من المجموعات الأخرى، وفي بعض المناطق يُقصى المهمشون من قوائم المساعدات بحسب الدراسة.
ويعلق رئيس اتحاد المهمشين في اليمن نعمان الحذيفي قائلاً: “بالنظر إلى طبيعة الأوضاع المعيشية والتعليمية والصحية والسكينة، يعيش المهمشون أوضاعا بالغة الخطورة والتعقيد، وقد تضاعفت معاناتهم خلال سنوات الحرب التي تعيشها اليمن”.
وأكد الحذيفي لمنصة ريف اليمن أن المهمشين أكثر الفئات الاجتماعية تضررا من الحرب، ناهيك عن حالة العزلة التي يعيشونها قسرا بسبب التمييز السائد ضدهم من الدولة والمجتمع، وكل هذه التحديات جعلتهم يعيشون خارج مسارات التنمية وفي دائرة الفقر والحرمان الاجتماعي.
وكشفت دراسة مسحية أعدّتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، لمجتمع المهمشين في اليمن، شملت 9200 أسرة (51406 أشخاص)، عن ارتفاع مستويات الفقر، مع انخفاض الإلمام بالقراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس، وتشير إلى أن الظروف المعيشية للأسرة سيئة للغاية، وتواجه صعوبة في الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية.