المهمشون في اليمن: مساكن هشة بمواجهة مناخ متقلب

تُقَدر نسبة المهمّشين بنحو 12 في المئة من إجمالي سكان اليمن

المهمشون في اليمن: مساكن هشة بمواجهة مناخ متقلب

تُقَدر نسبة المهمّشين بنحو 12 في المئة من إجمالي سكان اليمن

تكابد أم محمد وأطفالها الخمسة، مشقة النزوح المستمر، والبحث عن مسكن آمن، بعدما أجبرتهم سيول الأمطار التي شهدتها محافظة إب وسط اليمن، على ترك خيمتهم، التي كانت منصوبة بالقرب من ممر السيول.

وتحولت السيول التي تشهدها اليمن بفعل التغيرات المناخية، إلى تهديد حقيقي لحياة سكان المنازل البسيطة والخيام المتنقلة، أو ما يعرفون محليا بـ” المهمشين”، إذ يتخذون من الأماكن القريبة من ممرات السيول مأوى لهم، بسبب عدم السماح لهم بنصبها داخل الممتلكات، بالإضافة لعدم قدرتهم على بناء منازل حديثة بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة.


     مواضيع مقترحة


المهمشون والبحث عن مكان آمن

تتكون عائلة أم محمد التي تنتمي لفئة المهمشين، من 5 أفراد ويعيشون في منطقة الثلاثين بمحافظة إب، على حافة احدى الشوارع المُعرضة للسيول، ويصارعون هذه الظروف التي تجبرهم على التنقل في الشوارع للبحث عن مكان آمن لإنقاذ أرواحهم، لكنهم لا يستطيعون انقاذ ثيابهم وأغراضهم في تلك الخيام.

تقول أم محمد لمنصة ريف اليمن: “نزحت مرارًا إلى مناطق متفرقة، ولكن الظروف المعيشية تجبرنا للعودة إلى هذه المنطقة، بحثًا عن مأوى وطعام نسد به رمق أطفالنا، وقد كنت تركتها منذ عام بسبب الأذى الذي نتعرض له من قِبل بعض الأهالي هنا.

وتضيف: “نحن نعيش معاناة مستمرة داخل الخيام، ولا نستطيع الاستلقاء أثناء النوم، بل ننام أحيانا ونحن في وضعية الجلوس نظرًا لضيق المكان، فالخيمة ليست سوى مأوى لنا أثناء النوم، أما خلال اليوم نبحث على الظل والأمان في الشوارع”.

المهمشون في اليمن: مساكن هشة بمواجهة مناخ متقلب
خيام يسكنها مهمشون من ذوي البشرة السوداء في صيف بمدينة إب وسط اليمن (ريف اليمن/ هبة عبد الله)

والمهمشون هم فئة اجتماعية تعاني من التهميش والحرمان من حقوقها الأساسية منذ القدم. يعود تاريخ تهميشهم إلى أسباب تاريخية واجتماعية، مثل العبودية والتمييز العنصري والطبقية. كانوا ولا يزالون يعيشون في ظروف معيشية صعبة، ويفتقرون للخدمات الأساسية.

وتُقَدر نسبة المهمّشين بنحو 12 في المئة من إجمالي سكان اليمن، أي يعادل 3مليون ونصف، حسب آخر تعداد سكاني في عام 2004، ويتواجدون في مختلف مناطق البلاد، ويتركزون في المناطق الوسطى والجنوبية، القريبة من سواحل البحر العربي والبحر الأحمر.

تتحسر أم محمد على وضعها وتقول: “لذنبٍ لم نقترفه، نعيش على الأرصفة التي تغرق بالسيول خلال مواسم الأمطار، حاولنا الهروب بأرواحنا من القدر ولم نلقِ شبرٍ من أرض لننصب به خيمتنا التي لا تحجب عنا شيئًا سوى نظرة المارة”. وتضيف:” يمنعنا أهالي المناطق الريفية والمدنية من المكوث بحجة أننا نشكل نظرة سلبية للمنطقة”.

فجوة مجتمعية

وبسبب الكوارث الطبيعية التي شهدتها اليمن مؤخرًا، تحذِّر خدمة الأرصاد الجوية، المواطنين باستمرار بهطول أمطار غزيرة، أو عواصف رعدية، لكن تلك التحذيرات لا تُجدي بالنسبة لهؤلاء المهمشين، بل يستدي الأمر على السلطات المحلية ايجاد بديل آمن لهؤلاء المواطنين المهددين بالخطر جراء هذه الكوارث.

آخر تلك الكوارث ما حدث منتصف أغسطس الماضي بمحافظة إب، إذ كادت السيول أن تجرف أسرة كاملة مكونة من تسعة أفراد، بينهم نساء وأطفال، كانت تتواجد داخل منزل شعبي، قبل أن يتم إنقاذهم من قِبل شباب من ذوي البشرة السمراء، الذي غامر بحياته وتمكن من إنقاذهم جميعا بتعاون الاهالي، وقد لقي الموقف البطولي إشادة مجتمعية كبيرة.

وعلى الرغم من أن تركيز برامج التنمية المستدامة عادةً تتطلع لتحسين سبل العيش للمهمشين في المدن، وتركز الحكومات جهودها على التنمية الحضرية، إلا أن المناطق الحضرية أيضًا تفتقر لأدنى الخدمات، إذ أن ما يقارب 15 تجمعًا سكنيًا للمهمشين في أمانة العاصمة تفتقر لمشاريع المياه.

أنور أحد شباب هذه الفئة، يسكن في وادي مور بمنطقة تهامة، تحت خيمة من الأقمشة والطرابيل المقطعة، يصف حياتهم بالقول :”نحن نشعر أننا عبء على المجتمع، نتنقل هنا وهناك، نجمع البلاستيك، نقوم بأي عمل كوسيلة للعيش، معبرا عن حزنه للمعاملة والنظرة الدونية التي توجه لهم من بعض أفراد المجتمع.

للنساء الضرر الأكبر

ليست المعاناة مقتصرة على رجال هذه الفئة فقط، بل إن النساء تعاني كثيرا بسبب لون بشرتهن، يتأرجحن بين مهنتهن كأمهات وكعاملات، مع غياب التعليم والافتقار لأدنى مقومات الحياة، كالشابة عبير( 17 عاما)، التي لم تقف مكتوفة الأيدي، بل حاولت أن تجد فرصة عمل للعيش، فتذهب حينا للعمل في المزارع الريفية، وأحيانا في تنظيف المنازل بأجور زهيدة.

تقول عبير لمنصة ريف اليمن:” نتجول بين القرى بحثًا عن عملٍ شريف في الزراعة والحطب والتنظيف، نسعى أن نبقى على قيد الحياة، ودومًا كنت اتعرض للمضايقات، والنظرة الدونية، وأحيانا للتحرش، يتم الاستهانة بنا مرارًا ونحن تبحث عن لقمة العيش”.

المهمشون في اليمن: مساكن هشة بمواجهة مناخ متقلب
إمرأة من الفئات المهمشة في مأرب تقغ على آثار خيمتها المدمرة 15 اغسطس 2024 (ريف اليمن/ إياد البريهي)

وفي ظل التحذيرات المستمرة من استمرار هطول الأمطار والتحذير من الكوارث الطبيعة يجد العديد من فئة المهمشين أنفسهم عاجزين عن تأمين السكن لأفراد عائلاتهم خصوصًا الذين يسكنون في ممرات السيول مثل سائلة جبلة بمحافظة إب وسط اليمن.

حمامة، إحدى الأمهات التي تنتمي لهذه الفئة، اضطرت للعيش تحت إحدى الجسور في منطقة نخلان بمحافظة إب، مع ابنتها وعائلة شقيقها البالغ عددهم ٧ أشخاص داخل احدى البيوت المهجورة على جانب جسر سائلة نخلان.

تقول حمامة لمنصة ريف اليمن: “سئمنا العيش في المخيمات المقطعة، ونعاني كثيرا من سوء المعاملة التي نتعرض لها، حاولنا الهروب من ذلك عبر الانتقال إلى بيتٍ صغيرٍ مهجور، في نخلان، واضطررنا للتدبير ووضعنا تنور حجري، وأدوات مطبخ بسيطة تحت الجسر في منطقة ترتفع عن ممر السيول ببضعة أمتار”.

وتضيف: “ذلك الأمر يبدو كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالسيول الغزيرة تصل أحيانًا لمطبخنا المتواضع وتدفن الحطب وتدمر كل شيئ، وهروبنا من القدر لن يغير من واقعنا شيء، لذا نعود إلى حيثُ كنا بين الآونة والأخرى خاصة في مواسم الأمطار، رغم أننا لسنا محبين للحياة لنتمسك بها، لأننا موتى على قيد الحياة”.

بالإضافة إلى تداعيات الكوارث الطبيعية مؤخرًا في اليمن يواجه فئة المهمشين تحديات متعددة إذ يُحرمون من أبسط الخدمات الأساسية والضرورية مثل المياه النظيفة، والصرف الصحي، والطرق، والكهرباء، وغيرها.

فقر وتميز إجتماعي

 الشاب مشتاق (٢٤ عامًا)، من فئة المهمشين في ريف الحجرية بتعز: يقول: “يتعرض معظمنا في الريف إلى الفقر المدقع الذي يحد من قدرتنا على تلبية الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ورعاية صحية، مرجعا السبب إلى التهميش المجتمعي الذي قال إنه يقف عائق بيننا وبين كل المهن مما يجعلنا عاطلين عن العمل”.

في السياق قال عبدالغني عقلان وهو ناشط من فئة المهمشين:” كنا ولازلنا نعيش في ظروف معيشية صعبة، نفتقر للخدمات الأساسية، ونتعرض للتمييز والعنصرية”. ويضيف لمنصة ريف اليمن:” تعد فئة المهمشين في اليمن مثالاً صارخاً على التمييز العنصري الذي استمر لأكثر من ألف عام، التي تتركز في الأرياف ومناطق نائية في المدن”.

ويقول ” أبناء هذه الفئة لا يجدون أعمال ولا يقبلهم أحد للعمل، سوى القيام بأعمال شاقة أو أعمال ذات نظرة دونية في نظر المجتمع، كالنظافة والصرف الصحي، وحياكة الأحذية الجلدية، وضرب الدفوف في الأعراس وتجولهم بين الأرياف للبحث عن العيش، ويتم استغلالهم بأجور زهيدة”.

وكانت دراسة مسحية لمجتمع المهمشين في اليمن، أعدّتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وشملت 9200 أسرة (51406 أشخاص)، كشفت عن ارتفاع مستويات الفقر مع انخفاض الإلمام بالقراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس، وتشير إلى أن الظروف المعيشية للأسرة سيئة للغاية، وتواجه صعوبة في الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :