يُعدّ عسل السدر العُصيمي اليمني مِن أفضل وأشهر أنواع العسل في العالم، ويتمتّع بجودة عالية ونكهة مميزة، لكنّه يواجه تهديدات حقيقة تتمثل في المبيدات واستهداف الغطاء النباتي، والمراعي النحلية الريفية.
يبدأ موسم عسل السدرالعُصيمي في شهر أكتوبر، ويستمرّ حتى نهاية ديسمبر، وخلال هذه الفترة، تتفتّح أزهار شجرة السدر، ويبدأ النحل في جمع رحيقها لإنتاج العسل. وبحسب الدراسات يعود تاريخ “ذهب اليمن السائل” إلى بداية الألفية الأولى قبل الميلاد، ولا يزال العسل اليمني محافظا على قيمته الرفيعة عالميًا، بسبب طبيعة الأرض وتنوّع المراعي.
الإحتطاب وتهديد الغطاء النباتي
يشكو المواطن اليمني حسين أبو علبة، وهو نحّال يربّي النحل وينتج العسل العُصيمي بمحافظة عمران، من استهداف الغطاء النباتي والمراعي النحلية الريفية بقطع أشجار السلام والسدر والسمر والطلح، ورشّ المبيدات على أشجار القات وبعض المحاصيل، وذلك يؤدّي إلى موت النحل، وينذر بتراجع إنتاج “الذهب العصيمي السائل” ذائع الصيت.
ودعا أبو علبة في حديثه لريف اليمن، الجهات المختصة إلى فرض رقابة صارمة على ممارسات المواطنين لقطع الأشجار الخضراء، وتنفيذ المراقيم الموقعة (التعهّدات العُرفية) من المواطنين والنحّالين، بخصوص عدم قطع أو تحطيب الأشجار التي يتغذّى عليها النحل، واعتبارها مناطق محميات طبيعية، ومساندتهم من قبل الجهات الأمنية والجمعيات والاتحادات التعاونية المعنية.
قصص مقترحة
مبيدات شجرة القات.. القاتل المتسلسل للنحل في اليمن
التغيرات المناخية تهدد مستقبل النحالين وإنتاج العسل
تربية النحل.. مصدر معيشي لأكثر من 100 ألف أسرة
ويوجد نحو 22.117 خلية نحل في محافظة عمران، وفقا لكتاب الإحصاء الزراعي لعام 2021. ومؤخرا تزايدت شكاوى نحّالين من تسمُّم مناحلهم بمنطقة العُصيمات بعمران الغنية بأشجار السدر الكثيفة والقات الذي يُرش بالمبيدات، وقد ازدادت حالات تسمُّم النحل بسبب رش محاصيل الخضار المزهرة بمبيدات ذات سُمية عالية.
وأدى الاستخدام المفرط للمبيدات المحظورة إلى خسائر جمة للنحّالين وتجار العسل العُصيمي، ويقول يحيى محمد لريف اليمن: “تتأثر المناحل على بُعد ثلاثة كيلومترات، وتتسبّب بموت كثير من الخلايا، خاصةً إذا كانت المناحل متقاربة”.
وخلال الفترة من عام 2015 حتى 2021، تسبّبت ظاهرة رش المبيدات الزراعية بنفوق 105 آلاف خلية نحل في 6 محافظات، هي صنعاء وذمار والحديدة وحجّة وعمران وصعدة، وفق تأكيد هلال محمد الجشاري مدير إدارة وقاية النبات بوزارة الزراعة.
تُعد شجرة السدر من أكثر وأقدم الأشجار في المنطقة العربية، ويصل عمرها إلى أكثر من 400 عام، ويبلغ سعر الكيلو الواحد من عسل السدر العُصيمي اليمني نحو 200 دولار، وفق تأكيد محمد علي الذي يعمل في بيع وتسويق عسل السدر العصيمي منذ عشر سنوات لـريف اليمن.
العسل العُصيمي
ويتميز عسل السدر العُصيمي بلونه الذهبي الداكن وطعمه الغني، إلى جانب رائحته ونكهته المميزة، وله فوائد صحية وعلاجية عدّة تجعل كثيرين من عشاقه في عدد من الدول ينتظرون حلول موسمه بشغف كبير.
وإزاء ذلك، يسعى الاتحاد التعاوني الزراعي إلى إنشاء 10 محميات طبيعية عبر الجمعيات التعاونية للحفاظ على الغطاء النباتي، وعمل اتفاقيات بمنع الاحتطاب الجائر، وتجريم رشّ المبيدات في مراعي النحل. وتهدف هذه الخطوة إلى تشجيع النحّالين على التوسع في تربية النحل وتعزيز الوعي المحلي بأهمية إنتاج العسل مصدرا للتنمية الاقتصادية، وإعادة مكانة العسل اليمني وصولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج، حسبما ذكره أمين عام الاتحاد المهندس محمد القحوم، لريف اليمن.
ووفق مدير إدارة النحل وإنتاج العسل المهندس بوزارة الزراعة نبيل العبسي، يُقدّر عدد المشتغلين بتربية النحل وإنتاج العسل بنحو 86 ألف نسمة تقريبًا، وذلك بنسبة تصل إلى 6.6% من إجمالي السكان المشتغلين بأنشطة الإنتاج الحيواني.
ويحظى العسل اليمني بشهرة واسعة النطاق، ليس في المنطقة العربية فحسب بل في أوروبا أيضا، ويحتل عسل السدر المرتبة الأولى بين أجود أنواع العسل اليمني. ويوصي الخبراء بضرورة توفير المراعي النحلية لإنتاج عسل بمواصفات وجودة عالية، وبالتوسّع في زراعة أشجار السدر لحلّ مشكلة التغذية السكرية في مواسم إنتاج العسل من أجل الحفاظ على سمعة العسل اليمني.
تربية النحل
يعمل آلاف اليمنيين في تربية النحل وإنتاج وتجارة العسل، وعليه يعتاشون ويتنقلون من منطقة إلى أخرى بحثًا عن المراعي المناسبة لإنتاج “الذهب السائل”، ومن أجل ذلك يأمل الدكتور محمد الشرحي، أستاذ علوم النحل المشارك بجامعة ذمار، من الجهات المختصة إصدار قرار رسمي بتجريم قطع وتحطيب أشجار السدر في عموم اليمن.
وأكّد الشرحي لريف اليمن، على ضرورة تشجيع النحّالين على إنشاء نوعين من المحميات الطبيعية، أولها محميات خاصة لتربية وإكثار النحل، ومنع استخدام المبيدات فيها، وأخرى متخصّصة في إنتاج العسل بحسب المنطقة، ويُمنع فيها استخدام المبيدات والتغذية السكرية.
ونوّه الشرحي إلى أن اختلاف البيئات الزراعية ساعد على تميّز العسل اليمني الذي يُنتج في مناطق طبيعية خالية من المواد الكيماوية، ودعا إلى فتح أسواق جديدة لتشجيع تسويق العسل اليمني، وتوعية ودعم المنتجين بالتقنيات الحديثة التي تحسّن الإنتاج والجودة، وإلى منع استيراد العسل الخارجي باعتبار اليمن واحدة من البلدان المكتفية بإنتاج العسل.
وسبق أن حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من خطورة التهديدات التي يتعرّض لها النحّالون في اليمن. وقالت إن النزاع المسلح وتغير المناخ يهدّدان إنتاج العسل في اليمن، المعروف بإنتاج أفضل أنواع العسل في العالم، مشيرة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سبَّبت اضطرابًا في النظام الإيكولوجي للنحل، الأمر الذي يؤثر سلبًا في عملية التلقيح.