قبل سنوات بدأ بلال أحمد (30 عاما) في تربية النحل وإنتاج العسل في محافظة المحويت، شمال اليمن، بهدف تأمين الغذاء لأفراد عائلته، حيث تمكن من الاستفادة من خبرة النحالين القدماء وعلى الرغم من نجاحه إلا أنه يواجه صعوبات وتحديات كبيرة في الاستمرار بهذه المهنة، فهو على غرار مئات النحالين اليمنيين يواجه تهديدات التغيرات المناخية وتأثيرات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.
وتواجه مهنة تربية النحل وإنتاج العسل في اليمن تحديات جمة جراء تأثيرات تغير المناخ، والحرب المستمرة، وهو ما جعل الكثير من النحالين عرضة للتهديدات لحوادث المناخ والتي من أبرزها تقلبات الطقس، وهطول الأمطار غير الموسمية والفيضانات وكذلك موجة الجفاف.
يقول بلال لـ” منصة ريف اليمن”، إنه فقد أكثر من 10 خلايا نحل نتيجة التغيرات المناخية المتمثلة في الجفاف الشديد وانعدام المراعي والذي أدى الى جوع الخلايا وإحباطها وتوقفها عن التوليد ما تسبب بموت بعضها وهروب البعض الاخر، إضافة لتقلب الطقس ما بين البرد والصقيع خلال فصل الشتاء والحر الشديد في الصيف والذي تسبب بموت عدداً كثيراً من خلايا النحل.
وبحسب بلال فقد أدى تغير المناخ كذلك إلى إضعاف محصول العسل حيث تهطل الامطار في غير مواسمها وفي مواسم العسل وخصوصا موسم السدر الذي يتضرر بسبب هطول الامطار والغمام المصاحب له لأنه يؤدي لسقوط الازهار وذبولها وهو ما يجعل النحل تلجأ للتغذية من المحصول الذي قامت بتخزينه وذلك ينعكس سلباً عليها”.
ويضيف بلال ” أن إنتاج النحل لم يعد مثلما كان سابقا نتيجة تلوث البيئة جراء الحرب والسموم وكذلك أصبح تعاقب المواسم يشهد اختلافا، حيث ان مطلع هذا الصيف لم تهطل أمطار ، ولهذا نضطر الى الانتقال من مكان الى آخر”.
بندر محمد، المنحدر من مديرية السياني جنوب مدينة إب، هو الآخر يعمل منذ سنوات في تربية النحل وإنتاج العسل. لكنه اليوم يواجه تحديات مريرة، جراء هطول الأمطار بشكل متواصل”.
يقول محمد لـ”منصة ريف اليمن”،: “من الصعوبات التي نواجهها هطول الأمطار لأيام متواصلة حيث أن النحل لا يستطيع الخروج من الخلية وبهذه الحالة نضطر إلى القيام بعمل تغذية داخلية للنحل وتزويده بالماء إلى داخل الخلية وكل ذلك ينعكس سلباً على النحل ويلحق الضرر به”.
وخلال السنوات الماضية تأثر قطاع النحل وإنتاج العسل اليمني بشدة، جراء الصدمات البيئية المناخية وذلك بدوره انعكس سلباً على حياة الكثير من العاملين في مهنة تربية النحل وإنتاج العسل.
تأثيرات متعددة
وواجهت مهنة النحالة وتربية النحل في اليمن تأثيرات عدة، نتيجة التغيرات المناخية ، وتذبذب مواسم وكميات هطول الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى زيادة الأنشطة البشرية والحضرية، وتداعيات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من ثماني سنوات.
النحال بلال يواصل حديثه، ويشكو من صعوبات جمة فيقول :”نواجه العديد من الصعوبات و المخاطر أبرزها انتشار السموم والمبيدات التي يستخدمها المزارعون بطرق عشوائية والتي تسببت بهلاك العديد من خلايا النحل ناهيك عن انتشار العديد من الحشرات الضارة التي تهاجم النحل في مناطق الرعي او حتى الى اماكن تواجد الخلايا” .
ويضيف: ” نواجه صعوبات كبيرة في معالجة خلايا النحل حيث انتشرت امراض عديد ادت لضعف الخلايا وانقراضها وجعلها خلايا متهالكة وضعيفة”.
كل تلك الصعوبات والمعاناة التي يعاني منها بلال يشكو النحال محمد منها هو الآخر حيث يقول :” نواجه صعوبة في التنقل بالنحل بسبب غلاء الاسعار وارتفاع اسعار النقل نتيجة ارتفاع أسعار البترول وخصوصا في السنوات الماضية وهو الامر الذي أعاق تنقلنا بالنحل إلى المناطق المناسبة للرعي في المحافظات المجاورة او داخل المحافظة.
بالإضافة إلى تأثيرات التغيرات المناخية تواجه مهنة تربية النحل وإنتاج العسل الكثير من التحديات كذلك أبرزها توقف تصدير العسل إلى الأسواق الخارجية، والصعوبات في التنقل بطوائف النحل بين المراعي المختلفة بسبب الألغام الأرضية وانتشار نقاط التفتيش الأمنية المختلفة؛ وإغلاق العديد من الطرقات الرئيسية، وارتفاع أسعار الغاز المنزلي، الذي بدوره أدى إلى توسع عملية الاحتطاب الجائر لأشجار السدر لاستخدامها كحطب وذلك بدوره انعكس سلباً على النحالين في اليمن .
وينتج النحالون اليمنيون محصولهم من العسل وفق الطرق التقليدية القديمة. تختلف تربية النحل في اليمن عن بلدان العالم، إذ تعتمد هذه المهنة على التنقل المستمر للنحالين المحليين طيلة العام من منطقة لأخرى، بحثاً عن المراعي والأزهار ما يجعل محاصيلهم شديدة التأثر بالعوامل المناخية والبيئية التي بدأت تعصف بالنحالين في بلد صُنفت ضمن أسوأ الأماكن للعيش في العالم.
تحذيرات دولية
وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من خطورة التهديدات التي قد يتعرض لها النحالون في اليمن . وقالت في تقرير أصدرته في يونيو /حزيران 2022 ، إن النزاع المسلح وتغير المناخ يهددان إنتاج العسل في اليمن، المعروف بإنتاج أفضل أنواع العسل في العالم.
تجدر الإشارة إلى أن اليمن عُرف في تربية النحل وإنتاج العسل منذ القدم، إذ تشير الدراسات إلى أن تاريخ النحالة اليمنية يعود إلى القرن الـ 10 قبل الميلاد. ويشتهر العسل اليمني بجودته العالية، ويمتاز بخصائص علاجية مهمة، ويعد من أغلى أنواع العسل في العالم وأجودها.
وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن اليمن مثل العديد من البلدان المتضررة من النزاع، يتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ. وإن ارتفاع درجات الحرارة في السنوات الأخيرة، إلى جانب التغييرات الشديدة التي طرأت على البيئة، سبَّبت اضطراباً في النظام الإيكولوجي للنحل، الأمر الذي يؤثر سلباً في عملية التلقيح.