علي سعيد.. معلم مبتور القدم يمنح أطفال قريته النور

نحو 2 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب النزاع وفقا لليونيسيف

علي سعيد.. معلم مبتور القدم يمنح أطفال قريته النور

نحو 2 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب النزاع وفقا لليونيسيف

يحوي الريف اليمني العديد من المبادرات المجتمعية، وقصص النجاح الملهمة، التي تشكّل بارقة أمل في واقع مظلم، ومن بين ذلك؛ تبرز مبادرة المواطن علي عبد الله سعيد، من ذوي الهمم، التي منحت أطفال قريته النور، وسعت لسد فجوة غياب التعليم التي يعاني منها الأطفال في قرية “الزائدة” الواقعة في ريف مدينة تعز.

ويواجه قطاع التعليم في اليمن تحديات كبيرة ومعقدة تتفاقم يومًا بعد آخر، بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد. من أبرز هذه التحديات غياب المعلمين، حيث اضطر العديد منهم إلى ترك وظائفهم والبحث عن مصادر دخل أخرى بسبب انقطاع الرواتب، ما أثر بشكل كبير على جودة التعليم، خاصة في المناطق الريفية.

علي سعيد ومبادرة التعليم

يقول علي (42 عامًا) ، لـ”منصة ريف اليمن”، “قررت إنشاء مبادرة لتعليم الأطفال أساسيات القراءة والكتابة في قريتي  الزائدة التابعة لمديرية المعافر في محافظة تعز، بعد أن وجدت أن أغلب الطلاب لا يجيدون الأبجديات الأساسية في التعليم، فضلا عن آخرين لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس بسبب المسافة ونقص الموارد”.


     مواضيع مقترحة


بدأ علي مبادرته في عام 2021، داخل مسجد القرية، الذي كان قد قام ببنائه سابقًا، محولًا إياه إلى مكان لتعليم الأطفال الذين لايجدون الفرص التعليمية. ويوضح: “التدريس يقام في مسجد قريتي، المدرسة بعيدة وأنا لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة بسبب إعاقتي”.

وبيّن أن العدد كان في البداية يتراوح بين 60 إلى 70 طالبا، ولكن سرعان ما انتشرت الفكرة وازداد عدد الأطفال المشاركين إلى 100 طالب، ويشير إلى أنه واجه صعوبة بإيجاد المكان لإقامة الدروس، حيث لم يكن هناك مكان مخصص للتدريس، واضطرينا لاستخدام المسجد كمكان للتعليم.”

كما واجه علي العديد من التحديات، كنقص الموارد والحاجة لمكان مناسب لعقد الدروس، ولكن بفضل دعم المجتمع المحلي وتفاني المتطوعين، تمكن من تجاوز هذه العقبات. يقول علي: “في البداية، واجهت صعوبات عديدة، مما اضطرني لتعليم الأطفال في فترتين. أما الآن، الحمد لله، أتمكن من تعليمهم في فترة واحدة صباحية فقط”.

علي سعيد.. معلم مبتور القدم يمنح أطفال قريته النور
بدأ علي مبادرته في عام 2021، داخل مسجد القرية، الذي كان قد قام ببنائه سابقًا، محولًا إياه إلى مكان لتعليم الأطفال (ريف اليمن)

قصة الطالبة أمل 

من بين الأطفال الذين استفادوا من مبادرة علي، تبرز قصة نجاح الطالبة “أمل”، البالغة من العمر 9 سنوات، من قرية الجبزية. كانت “أمل” تعاني من صعوبة في القراءة والكتابة، ولكن بفضل مبادرة الأستاذ علي، تمكنت من تحسين مهاراتها بشكل كبير.

تقول أمل لريف اليمن: “لم أكن أستطيع القراءة والكتابة، لكن بفضل دروس الأستاذ علي، أصبحت الآن أستطيع قراءة الكتب والكتابة”. وتضيف: “أحلم بأن أصبح معلمة في المستقبل”.

إلى جانب قصة “أمل”، هناك أيضًا قصة نجاح الطفل “أحمد”، البالغ من العمر 11 عامًا، الذي كان يعاني من صعوبة في القراءة والكتابة. وبفضل مبادرة الأستاذ علي، تمكن من تحسين مهاراته وأصبح من المتفوقين في صفه.

يقول أحمد: “كنت ضعيفًا في الإملاء بالمدرسة، الأستاذ علي علمنا الإملاء والآن أعرف أكتب بشكل صحيح وحققت هذا السنة المرتبة الأولى بعكس السنوات الأولى”. أما والد الطالب أحمد، فأكد أنه لاحظ تغييرًا كبيرًا في مستوى نجله بعد انضمامه للمبادرة”.

ويضيف: “درجاته هذا العام في المدرسة عكست نجاح المبادرة بشكل واضح. تحسن بشكل ملحوظ. نحن ممتنون جدًا لهذه المبادرة الرائعة”.

يعبر الأستاذ علي عن سعادته قائلاً: “أنا فخور بما حققناه حتى الآن. لقد رأيت كيف تغيرت حياة الأطفال الذين شاركوا في المبادرة، وكيف أصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم وأكثر قدرة على تحقيق أهدافهم”.

علي سعيد.. معلم مبتور القدم يمنح أطفال قريته النور
المعلم علي عبدالله سعيد مع عدد من طلابه الأطفال في صورة تذكارية غربي مدينة تعز (ريف اليمن)

ويؤكد: “هذه المبادرة مجانية، والنجاح الذي حققه الطلاب في المدرسة كان بفضل تعليمهم القراءة والكتابة. الحمد لله، ونسأل الله أن يمنحنا الأجر”. “أعلم الطلاب خلال العطلة الصيفية حتى يأتي الفصل الجديد. وخلال ثلاث سنوات من إنشاء المبادرة، تمكنت من تعليم ما يقارب 300 طفل القراءة والكتابة.”

تعتبر مبادرة علي عبدالله سعيد واحدة من أبرز المبادرات التعليمية في ريف تعز، حيث تمكنت من تعليم عشرات الأطفال أساسيات القراءة والكتابة، مما فتح لهم أبوابًا جديدة من الفرص والأمل. ولم يقتصر تأثير المبادرة على الأطفال فقط، بل امتد ليشمل المجتمع بأسره، وأصبحت المبادرة مصدر إلهام للكثيرين، وشجعت المزيد من الأفراد على المشاركة في العمل التطوعي ودعم التعليم في المناطق الريفية.

يوضح علي نوعية الدعم المجتمعي بالقول” بالنسبة للدعم المجتمعي، كان من خلال الدفع بالأطفال والالتزام من أولياء الأمور، ما أتاح لي الفرصة بالتعليم، وكان الأمر ناجحًا بنسبة 100%.” ويضيف: “المجتمع سعيد بهذه المبادرة، ولمس الأباء التغيير الإيجابي على أولادهم.”

ونتيجة لتردي الأوضاع المعيشية، أصبحت الأسر لا تستطيع توفير الاحتياجات الأساسية لأطفالهم، من أجل التعليم. وأصبحت تركز على توفير الغذاء للبقاء على قيد الحياة، مما أدى إلى زيادة نسبة الأطفال الذين لا يتلقون التعليم الأساسي.

كما أن تدمير المدارس ونقص المواد التعليمية الأساسية مثل الكتب والأدوات المدرسية فاقم من صعوبة العملية التعليمية، والأطفال في المناطق المتضررة يضطرون إلى الدراسة في ظروف غير ملائمة، مما يؤثر على تحصيلهم العلمي ومستقبلهم التعليمي.

ويعلق التربوي علي سعيد، على المبادرة بالقول “تعليم الأطفال هو الأساس لبناء مجتمع قوي ومزدهر”. فالأطفال هم مستقبل الأمة، وتوفير التعليم الجيد لهم يضمن تنمية قدراتهم العقلية والاجتماعية والنفسية التعليم ليس فقط حقًا أساسيًا لكل طفل، بل هو أيضًا استثمار في مستقبل البلاد. بدون تعليم، لا يمكننا تحقيق التنمية المستدامة أو تحسين جودة الحياة للأجيال القادمة.”

دور العمل التطوعي

ويضيف لمنصة ريف اليمن: “مبادرة علي عبدالله سعيد هي نموذج رائع لكيفية تأثير العمل التطوعي على المجتمع” وهذه المبادرة لا توفر فقط التعليم للأطفال، بل تمنحهم فرصة لتحقيق أحلامهم، ودعم مثل هذه المبادرات هو واجب على كل فرد في المجتمع، لأنها تسهم في بناء مستقبل أفضل لنا جميعًا.”

وفقًا لتقارير اليونيسف، فإن حوالي 2 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب النزاع المستمر. كما أن نسبة الأمية بين الأطفال في المناطق الريفية تصل إلى 30%، مما يعكس الحاجة الملحة لتحسين الوضع التعليمي. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن 70% من المدارس في اليمن تعرضت لأضرار جزئية أو كلية بسبب النزاع.

ويلعب العمل التطوعي دورًا حيويًا في تعزيز التغيير المجتمعي في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه التعليم في اليمن. ويدعو علي عبدالله سعيد إلى تقديم الدعم لمبادرته التعليمية قائلا: “نحن بحاجة إلى كل يد مساعدة، سواء من خلال التطوع أو التبرع بالمواد التعليمية أو نشر الوعي حول أهمية التعليم”.

علي سعيد.. معلم مبتور القدم يمنح أطفال قريته النور
تعتبر المبادرة واحدة من أبرز المبادرات التعليمية في ريف تعز وتمكنت من تعليم عشرات الأطفال أساسيات القراءة والكتابة (ريف اليمن)

يحلم سعيد بتوسيع نطاق مبادرته لتشمل المزيد من القرى والمناطق الريفية في تعز. ويؤكد على الحاجة إلى دعم إضافي من المؤسسات المحلية والدولية لضمان استدامة هذه الجهود وتوفير المزيد من الموارد التعليمية للأطفال.

ويضيف “أحلم بأن أرى كل طفل في قريتي والقرى المجاورة يحصل على فرصة للتعليم. نحتاج إلى دعم مستمر لتحقيق هذا الحلم”. هذه الرؤية تعكس الطموح الكبير لسعيد في تحسين الوضع التعليمي في منطقته، وتؤكد على أهمية التعاون المجتمعي والدولي لتحقيق التغيير المنشود.

وتعكس مبادرة سعيد مدى تفانيه وإصراره على تحسين حياة الأطفال في قريته كما تبرز الروح الإنسانية والتضامنية التي يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا. مع الدعم المناسب، يمكن لهذه الجهود أن تتوسع وتؤثر بشكل أكبر، مما يساهم في بناء مستقبل أفضل لأجيال اليمن القادمة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :