يجد الطفل الكفيف غفّار فازر، نفسه وحيداً داخل الفصل الدراسي بقرية ضيّة بمديرية جبل حبشي، فلا المناهج مناسبة، ولا أدوات التعليم الخاصة بالمكفوفين متوفرة في المدرسة الحكومية التي سجل فيها، بريف محافظة تعز جنوب غربي اليمن.
لم يجد “غفّار” من حل، سواء الدراسة مع بقية الطلاب بالمدرسة العامة، بسبب انعدام المدراس الخاصة بالمكفوفين في منطقته، ويدرس حاليا في الصف الثامن، ويشكو من صعوبات كثيرة تعترض طريقه في الحصول على التعليم بطريقة تناسبة إحتياجه الخاص
مكفوفو قرية ضيّة في تعز
يقول لمنصة ريف اليمن: ” أدرس في مدرسة الفجر الجديد، وهي مدرسة عامة، وتبعد عن منزلنا بقرية ضيّة، مسافات طويلة، كنت أذهب مع شقيقي حتى تعودت على الطريق، لكن أحياناً أتعرض للسقوط”.، ويضيف “أنا بحاجة ماسة لعصا بيضاء تساعدني أثناء ذهابي إلى المدرسة”.
والعصا البيضاء هي أداة يستخدمها الكفيف للتحرك في محيطه، وعادة ما تكون عصا طويلة وصلبة ذات رأس معدني أو بلاستيكي. يمكن أن يبسطها الكفيف أمامه ويعيد طيها ليتحسس طريقه ولتحذيره من وجود أية عوائق أو تغير في المكان.
ويواجه المكفوفين في المناطق الريفية بمحافظة تعز، صعوبات كبيرة، ويجدون أنفسهم عاجزين عن الحصول على أبسط الاحتياجات الأساسية لاسيما حقهم في التعليم نتيجة غياب المدارس الخاصة بهم بالإضافة لافتقار المدارس الحكومية لكافة الأدوات المساعدة لهم خلال تعليمهم.
وتفتقر المناطق الريفية بمحافظة تعز لوجود المدارس الخاصة بالمكفوفين، ويوجد فقط بالمحافظة كلها مدرسة تقع داخل المدينة، رغم أن القانون اليمني يكفل التعليم لهذه الفئات ويضمن حقوقهم.
وتنص المادة الرابعة من القانون رقم (61) لسنة 1999م بشأن رعاية وتأهيل المعاقين أن” لكل معاق حق التأهيل بدون مقابل والاستفادة من برنامج التأهيل المهني والرعاية الاجتماعية التي تقدمها مؤسسات ومراكز دور الرعاية وتأهيل المعاقين”.، كما تنص المادة الـ5 من ذات القانون على “تنشأ المعاهد والمؤسسات والهيئات والمراكز اللازمة لتوفير خدمات التأهيل للمعاقين(…)”.
وبحسب إحصائية لمنصة ريف اليمن، يصل عدد المكفوفين في قريتي ضيّة وعناقب بعزلة البريّهة بمديرية جبل حبشي، إلى 6 مكفوفين، فضلا عن تواجد مكفوفين في المناطق المجاورة، جميعهم يفتقدون لوجود مدرسة خاصة بهم، ووسائل تعليم مناسبة كالكتب البصرية المكتوبة بخط كبير، والبرامج الصوتية، إضافة إلى الشاشات اللمسية والكتابة بلغة البرايل، والقارئات البصرية كي يتمكنوا من التعليم والاعتماد على أنفسهم.
نحو مليون مكفوف
ولا تتوفر إحصائيات دقيقة بعدد المكفوفين في اليمن، إلا أن الجمعية اليمنية لرعاية وتأهيل المكفوفين، قدّرت في تصريحات منشورة على الانترنت، إنّ عدد الأشخاص المكفوفين في اليمن نحو مليون شخص، يتوزّعون على الريف والمدن، ولا يستطيع جميعهم الحصول على الخدمات والتعليم، وقد ساهمت الحرب في زيادة العدد بشكل كبير.
الطالب الكفيف عميد محمد، من قرية العناقب، هو الآخر يتحسر على نفسه، بالقول “تركونا وسط ليل لا يزول، بلا تعليم او مدارس خاصة، شاكياً من عدم وجود القسم الأدبي في المدرسة التي يدرس فيها، موضحا معاناته مع المواد العلمية.
ويتساءل عميد الذي يدرس في الصف الثالث الثانوي، خلال حديثه لـ” ريف اليمن”، عن مصيره بعد الدراسة حيث لم يتبقى سوى نصف خطوة على اتمام الدراسة وهو لم يحظى في أي أداة تعليمية خاصة بالمكفوفين.
يقضي عميد مع المذياع لساعات طويلة يؤنس ظلمته التي لا تنتهي ويحفظ ما يسمعه معترفاً بهزيمته مع الكتابة. قائلاً “:والدي عامل بالأجر اليومي بالريف عجز عن توفير تكاليف مدرسة خاصة بالمكفوفين بالمدينة مؤكداً بذلك أنه لا يستطيع دخول الجامعة و يكتفي بالشهادة الثانوية لقلة الدعم”.
وفي ظل غياب المدارس الخاصة، يشعر أولياء أمور الطلاب المكفوفين بالخوف من ضياع مستقبل أولادهم التعليمي وعدم تحقيق طموحاتهم، إذ يقول والد الطفل غفار:”لم اعرف الراحة بحياتي وانا افكر بتعليم اولادي لكن دون جدوى”.
ويضيف لمنصة ريف اليمن :” الريف مقبرة لمواهب المكفوفين، حيث لا توجد مدارس ووسائل خاصة بهم، وقد يضطرون لترك التعليم، يستغرب فازر من غياب دور الحكومة برعاية المكفوفين وتأهيلهم حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم”.
وتحاول المدارس الحكومية في الأرياف استيعاب الطلاب المكفوفين من أجل الحفاظ على مستقبلهم التعليمي. ويقول الاستاذ منصور عبد الدائم مدير مدرسة الفردوس:”المكفوفون لهم مدارس ووسائل خاصة بهم، ولكن بسبب انعدامها اضطررنا لقبولهم بالمدارس الحكومية حرصاً على تعليمهم ولو بشيء بسيط” .
“نبذل جهود كبيرة لتعليم المكفوفين، نأمل توفير مدارس خاصة بهم، نحن نتعاون معهم بشكل خاص أكثر من الطلاب الغير مكفوفين لكن ذلك لا يكفي”.، يقول منصور لمنصة ريف اليمن .
إهمال حكومي
أما الاستاذة هناء علي، وهي معلمة بمدرسة الفجر الجديد فتقول :”عندما يكون الطالب بالمرحلة الابتدائية يتطلب بذل جهود كبيرة أما المكفوف فيحتاج لوقت أكثر كونه فاقد أهم الحواس، مشيرةً أن مهمة تعليم المكفوفين شاقة بالمدارس العامة فهم بحاجة إلى وسائل خاصة بهم”.
وتضيف لريف اليمن:” يحتاج المكفوفين إلى مدرسين من ذوي الخبرة في التعامل معهم ومعرفة أفضل الطرق لتقديم المعلومات لهم، كما يجب توفير برامج تدريبية للمعلمين لرفع وعيهم بحاجات الطلاب المكفوفين وكيفية تلبيتها بشكل فعال.
أمين عام جمعية المكفوفين بمحافظة تعز سفيان أحمد، قال إن ” المكفوفين في تعز يعدون أكبر شريحة مهمشة على مستوى اليمن، كونهم محرومين من أبسط الاحتياجات والتعليم والصحة والكفالات والمساعدات النقدية”.
ويضيف سفيان لمنصة ريف اليمن،: “يوجد لدينا بمدرسة دروب الخير للمكفوفين بمديرية القاهرة، ما يقارب 750 مكفوفا، مؤكداً أنه كلما ابتعد الارياف عن الجمعية كلما قل الانتساب”، داعيا إلى توفير مساكن لجميع الفئات العمرية إضافة إلى اعتماد ودعم تكلفة التنقل من الريف للمدينة”.
وعبّر عن أسفه لتنصل الحكومة والمنظمات عن برعاية المكفوفين، مؤكدا أن الميزانية التي تصل هي من صنعاء، مستغربا عدم اهتمام مكتب التربية بالمحافظة بمدرسة المكفوفين، بل إنهم يستكثرون زيارتها، إضافة إلى عدم إقامة دورات خاصة بالمكفوفين”.
ودعا سفيان كل فئات المجتمع للوقوف مع المكفوفين ليتجاوزوا قسوة الحياة، ولكي يحصلوا على كافة حقوقهم، وخاصة المكفوفين في الأرياف الذين يعانون العزلة والتهميش على حد سواء.
ولاتزال معاناة المكفوفين تتفاقم يوما بعد آخر، نتيجة الحرب المستمرة في البلاد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، في ظل إهمال الجهات الحكومية المتخصّصة التي لم تقدّم لهم الحد الأدنى من الرعاية والاهتمام.