يقطع الطفل محمد الصوفي (15 عاما) نحو 4 كيلومتر مشياً على الأقدام، كل يوم للوصول من قرية الباركة، إلى المدرسة الحكومية الوحيدة التي يتلقى فيها تعليمه الدراسي، بمنطقة بني يوسف بحزم العدين بمحافظة إب وسط اليمن.
يضطر الصوفي للمرور بأودية ومنحدرات خطيرة تحت أشعة الشمس الحارقة، ويخشى أثناء ذهابه من الدراجات النارية والسيارات والكلاب الضالة، وهذا حال معظم الطلاب الذين يفتقرون إلى وجود مدرسة حكومية في قريته.
محمد الصوفي واحد من عشرات الطلاب في عزلة بني يوسف الذين يقطعون منذ سنوات طويلة كل هذه المسافة إلى المدرسة الوحيدة، ويواجهون كثيرا من الصعوبات في سبيل مواصلة تعليمهم الدراسي.
وبحسب تقارير أممية، فإن قطاع التعليم هو القطاع الأكبر تضررًا في اليمن، وقد خَلَّف نسبًا عالية من الأمية، وكان للريف النصيب الأكبر من هذا التدهو، ووصل عدد الطلاب المتسربين من المدارس نحو مليوني طالب بجميع المراحل التعليمية، فيما بلغ عدد المتضررين من الحرب قرابة 4 ملايين طالب، بإجمالي 6 ملايين طالب بين متسرب ومتضرر.
التعليم في قرية الباركة
يقول والد الصوفي: “إن كثيرا من زملاء نجله تركوا دراستهم، وذهبوا للبحث عن أعمال أخرى، وذلك بسبب ضعف تحصيلهم العلمي، وقد أصبحت المدرسة ممتلئة تماما، ومن يصل في أوقات متأخرة لا يجد مقعدا للجلوس إلا بمشقة، وبعض الطلاب يظل واقفا بسبب الازدحام”.
ويضيف لمنصة ريف اليمن: “بعض الأمهات مجبرات على مرافقة أولادهن لمسافة تقدر بنحو 2 كيلومتر خوفا عليهم من المنحدرات الخطيرة التي قد تودي بحياتهم، خصوصًا الذين ما زالوا في المرحلة الابتدائية، وهذا يعتبر كفاحا يضاف إلى رصيد المرأة، إلى جانب الأعمال الشاقة التي تنتظرها كل صباح، ويظل همّ أولادهن يؤرقهن خوفًا من أن يصابوا بأي مكروه”.
وتابع: “بالإضافة إلى المخاطر التي يواجهها الطلاب أثناء الذهاب للمدرسة، يُحرمون من الحصص الدراسية الأولى، وهذا يقلل من نسبة الاستيعاب لديهم”.
ويعلق التربوي حمود علي على ذلك قائلاً : “نحن اليوم بحاجة إلى عدد من المدارس في عزلة بني يوسف التي تضم أكثر من 10 قرى جميعها مكتظة بالسكان. نحن نتحدث عن عزلة تضم كثيرا من القرى بمسافات متفاوتة في البعد وتعداد سكاني هائل، ومدرسة العزلة أصبحت عاجزة تماما عن استقبال المزيد من الطلاب”.
وقال علي لمنصة ريف اليمن: “معظم الطلاب يأتون في أوقات متأخرة إلى المدرسة بسبب طول المسافة التي يقطعونها من قرى مختلفة مشيا على الأقدام، ونحن نقدر جهودهم ونعفو عن تأخرهم، لكن العفو وحده ليس له جدوى إذا حُرموا من بعض الحصص الدراسية؛ لأن التأخر يؤثر على تحصيلهم العلمي بشكل كبير”.
وبحسب وزير التربية اليمني السابق الدكتور عبد الله لملس، لم تبنَ أي مدرسة جديدة في اليمن منذ عام 2011، ولم يوظّف معلّم واحد منذ ذلك العام، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، أهمها أن ما تخصصه الدولة من موازنة لقطاع التعليم لا يلبي الاحتياجات اللازمة لتشييد المدارس، ولا يتناسب مع طلبات الالتحاق بالتعليم.
مبادرة بناء مدرسة
المعاناة والمخاوف التي يواجهها الطلاب والطالبات بقرية الباركة دفعت أولياء الأمور إلى إطلاق مبادرة تعاونية لبناء مدرسة لتعليم أطفالهم، فقد أنشؤوا جمعية خيرية لبناء المدرسة.
مسؤول المبادرة يونس الطويل قال لمنصة ريف اليمن: “بدأنا بإطلاق المبادرة مع مجموعة من شباب القرية، وشكلنا مجموعة في برنامج التواصل الاجتماعي (الواتس اب)، وقمنا بإضافة كثير من الشخصيات التي لها ثقلها في المجتمع، وناشدنا المغتربين وفاعلي الخير والتجار، وقد لاقت هذه المناشدة استجابة واسعة”.
ويضيف الطويل لـمنصة ريف اليمن: “جُمعت المبالغ الأولية للمبادرة، واقتُرحت أرض تتوسط قرية الباركة والقرى المجاورة لها، وتبرع أحد الأهالي بقطعة أرض بمساحة 90 لبنة بتنازل رسمي في المحكمة، وتم البدء في 2020 بالعمل ببناء ثلاثة فصول كمرحلة أولى لطلاب الابتدائية الذين نخشى عليهم من مسافة الطريق”.
وتابع: “في 2023 بدأنا بالمرحلة الثانية ببناء ثلاثة فصول أخرى. الآن أصبحت مدرسة ابتدائية بستة فصول”، ويلفت إلى أن العمل تأخر بسبب الظروف الاقتصادية، فقد كان البعض يعِد بمبالغ ويتأخر في تسديدها نتيجة للأوضاع، ولكن العمل اكتمل، وهذا إنجاز ليس هيّنا.
ويقول التربوي حمود علي: “نثمن الجهود التي يقوم بها أهالي قرية الباركة. هذه المبادرة عظيمة في سبيل تذليل الصعوبات لأبنائهم والصعود بهم إلى مستقبل مشرق، وتضمن للوطن العيش الكريم، والخروج به من براثن الجهل والتخلف”.
وأشاد الطويل بجهود المبادرة، واعتبرها نقلة نوعية لأبناء قرية الباركة نحو تأمين مستقبل أطفالهم، مؤكدا أن نجاح المبادرة سيسهم في رفع مستوى التعليم في المناطق الريفية التي حُرمت من أبسط حقوقها، وستساعد الأطفال كثيرًا في الإقبال على العملية التعليمية، داعيا فاعلي الخير ورجال الأعمال والمغتربين إلى إكمال ما تبقى من صفوف دراسية.
الصورة: طفل يمني يكتب في دفتر خارج المدرسة التي تدمرت بسبب الحرب في الحديدة غربي اليمن (أ ف ب/ خالد زياد)