استطاعت مبادرة مجتمعية في منطقة شرعب بريف تعز بناء عدد من الفصول الدراسية، وإنهاء معاناة 550 طالبة اللاتي كن يتلقين تعليمهن تحت الأشجار وفي فصول قديمة متهالكة، ورغم هذا الإنجاز لكن مازالت تواجههم تحديات كبيرة.
ولعقود مضت، ظلت فتيات عزلة عِزبَان التابعة لمديرية شرعب السلام بمحافظة تعز، يتعاقبن على مدرسة الزهراء، التي تفتقر لأبسط مقومات التعليم، إذ يفترشن التراب، ويستظلين بالأشجار، ويقاومن كل الصعوبات التي تواجههن من أجل الحصول على التعليم.
يبلغ عدد طالبات المدرسة، نحو 500 طالبة، أساسية وثانوية، يتوزعن على أربعة فصول صغيرة وقديمة، نصفها تستخدم مخازن لمعونات إنسانية والكتب المدرسية المستخدمة، بينما طالبات الأساسية يتوزعن في غرف شعبية قديمة مبنية من أحجار متراصفة بدون أسمنت أو طين أنشائها الأهالي قديماً كفصول لتعليم أبنائهم، لكنها أصبحت متهالكة ومهددة بالخراب فوق الفتيات.
مواضيع ذات صلة
الفتيات في ذمار: حرمان قسري من التعليم
طلاب الأرياف.. تعليم بلا كُتب مدرسية
قرية القفوة بتعز: مبادرة لتعليم 100 طفل تحت سعف النخيل
معاناة الطالبات في ريف تعز
“عبد الرحمن محمد” معلم في مدرسة الزهراء، يقول :”إن المدرسة كانت لا تتوفر فيها أبسط وسائل التعليم مثل السبورة أو الفصل الذي يأوي الطالبات من أشعة الشمس الحارقة، كنا نًدرس تحت الأشجار، وهذه الظروف القاسية أثّرت بشكل كبير على الطالبات وتسببت في تدني مستوى التحصيل التعليمي”.
ويضيف في حديث لمنصة “ريف اليمن”، ” كنا نضطر لنقل الطالبات من تحت شجرة إلى أخرى، بحثا عن الظل، حتى نتمكن من استكمال الدرس وبعجل، خوفًا على سلامتهُن”، متحاشيا الفصول المتواجدة والمكتظة بالطالبات لأن خطرها أكبر، فطيلة الحصة يُخيل إليه أن السطح سيسقط عليهم جميعًا.
“المعاناة لم تكن لطالبات وحدهن، بل للمعلم أيضًا، حيث يفتقد لوسائل التعليم التي تمكنه من عرض البرامج التعليمية التي تسهل عملية توصيل المعلومة، وكذلك نفسيته متعبة كونه يبذل جهدًا مضاعفًا ولا يرى لجهده ثمرة، إلا بنسبة ضئيلة”، وفق حديث المعلم عبد الرحمن.
منذ أربعة عقود ومدير المدرسة سيف نعمان، يطالب الجهات الحكومية إنشاء مبنى خاص للمدرسة الوحيدة في القرية، خصوصًا في العقود الأخيرة، لكن المدير كان يعود بخفي حنين، كما يقول، ثم لجأ إلى أبناء الريف لتشكيل مبادرة مجتمعية.
القائمة بأعمال مدير المدرسة سهام طاهر قالت لمنصة “ريف اليمن”:”العملية الإدارية هنا أكثر من تحمل أعباء هذه الظروف الصعبة، كونها تقف عاجزة أمام هذا الاحتياج الأساسي للمدرسة، إدارة بدون مكتب أو حتى فصل، إدارة في جبل عاري، تدير فصول هشة موزعة بالقرية تبعد عن بعضها بمسافات طويلة”.
وتضيف سهام أن شعور العجز الذي ينتاب المدير والهيئة الإدارية يثقل الكاهل، خصوصًا عندما تصاب الطالبات بالأمراض الناتجة عن التبلل من الأمطار أو حرارة الشمس والغبار والأتربة المتطايرة مع الرياح، مثل الأنفلونزا، التهابات الدم، الحُميات والأمراض التنفسية.
مبادرة مجتمعية
في خطوة للتغلب على هذه الصعوبات، وبهدف توفير بيئة مناسبة للتعليم، أطلق الأهالي في العزلة خلال عام 2022 مبادرة مجتمعية لبناء فصول دراسية، وهو ما تحقق بالفعل، وأصبحت الطالبات يدرسن في فصول دراسية دون خوف من حرار الشمس، أو قلق من تساقط الأمطار.
يقول رئيس المبادرة مفيد قاسم:”كانت أسطح الفصول القديمة آيلة للسقوط على رؤوس الطلاب بأي لحظة وتحركنا لتدارك ذلك قبل وقوع الكارثة، أطلقنا مبادرة مجتمعية، وفوجئنا بتفاعل من قبل الأهالي، الذي ساهموا رغم وضعهم المعيشي الصعب، ومن لم يستطع المساهمة المادية انضم لفرق العمل والبناء تطوعًا”.
وأضاف في حديث لمنصة ريف اليمن “بدأت الفكرة بمنشور على منصة فيسبوك، وأبدى الناس استعدادهم للتبرع والدعم، خصوصًا أبناء القرية المغتربين ومن نقلوا للعيش في المدن، ثم أنشائنا مجموعة واتساب وتم انضمام عدد كبير كلهم أبدوا حماس ورغبة حقيقة لبناء مدرسة تأوي طالبات القرية وتحسن الظروف التعليمية هنا”.
واجه فريق العمل الكثير من التحديات خلال التنفيذ، عُرقل البناء أكثر من مرة من قبل نافذين، لأن المشروع كبير ويمول كله من مبادرة مجتمعية. وعاش “مفيد” وفريق المبادرة حالة من القلق والخوف من عدم إتمام المشروع الذي ينتظره أبناء القرية منذ عقود.
تم تجاوز كل العراقيل ونجح الأهالي ببناء مدرسة مكونة من 8 فصول، خلال 6 أشهر فقط. وقال مفيد: “تمت المبادرة بعمل 8 فصول، ورغم أن المدرسة بحاجة إلى أشياء كثيرة، لكننا نشعر بأننا قمنا بعمل كبير لم تقم به الحكومة، الفصول أصبحت بمبنى واحد، بلا أمطار تتساقط على رؤوس الطالبات أو ضربات شمس وريح”.
فرحة الطالبات بالفصول الجديدة
عمت الفرحة الطالبات، وعبرن عن سعادتهن الكبيرة لنجاح المشروع، حيث تقول الطالبة بالصف الأول الثانوي هديل الشرعبي:”أشعر الآن أني طالبة حقًا، لديّ صف ومقعد وسبورة، أنا بكامل حسي أستمع للدرس بدون مراقبة أشعة الشمس والمسافة التي تبعد عن شجرتنا، أو بدون التطلع لأزقة الجدران إن كانت بيوتًا للأفاعي، أدرس جميع الحصص دون التخيل أن الاحجار والحديد الذي يسمى سطحًا سيسقط على رأسنا”.
“رغم محدودية ما تمنحه الفصول إلا أنها حسنت من نفسية الطالبات ومنحتهن الاستقرار وهذا جعل إحدى طالبات المدرسة ضمن أوائل الجمهورية” عبد الرحمن – معلم بمدرسة الزهراء.
وتؤكد الشرعبي لمنصة ريف اليمن أن:” الظروف السابقة كانت تعيق استيعابها للدرس، وتركيزها وتفاعلها مع المعلم، كما أن عدد الحصص قليلة، فكلما اشتدت الشمس أو الرياح يضطر المعلم والإدارة بالسماح لهن بالعودة للمنزل، رغم أن الساعة لم تتجاوز 11 ظهرًا”.
وقالت سهام طاهر، القائمة بأعمال مدير المدرسة “هذه المبادرة سهلت للإدارة عملها، وتغلبنا على الكثير من الظروف التي أعاقت التعليم في المنطقة، خصوصًا أن جميع الطالبات أصبحن في مبنى واحد، وإن كان مزدحمًا، فضلًا عن التشرد والتشتت في القرية كلها بفصول متباعدة، كما حسنت جدًا من المستوى التعليمي للطالبات”.
تحديات التعليم
وأحدثت المبادرة تطور جديد في تعليم الطالبات في تهيئة فصول جديدة لكن مازالت تواجه تحديات كبيرة. وقال المعلم عبد الرحمن:”رغم محدودية ما تمنحه الفصول التي تم بناؤها إلا أنها حسنت من النفسية الطالبات ومنحتهن شعور الاستقرار، مما جعلهن أكثر انتباهًا وقدرة على الفهم، وهذا ما جعل إحدى طالبات المدرسة تتصدر من اوائل الجمهورية”.
ويضيف: “أن التحدي الأكبر والمستمر يواجه المعلم وهو ما يعيق العملية التعليمية ويأثر على جودتها، والمتمثل بالظروف المعيشية التي تزداد سوءًا يومًا بعد أخر، بسبب انقطاع المرتبات في ظل الغلاء المعيشي الذي يعيشه البلاد، وفي شرعب بالتحديد”.
ويختتم حديثه متسائلا:” كيف لمعلم غير مستقر نفسيًا وماديًا، أن يذهب مبكرًا إلى المدرسة وهو مفعم بشعور الإحباط والقلق وجيبه فارغًا، مشغولًا ذهنه طوال الوقت، كيف يوفر لعائلته قوت يومها، كيف له أن يعمل ويطور معلوماته ويحدثها ويعمل بجودة عالية في ظل ظروف خاصة كهذه لا يلفت لها أحد، مؤكدا أن العملية التعليمية وتطورها الحقيقي يتوقف على الاستقرار الاقتصادي للمعلم، وتقدير مكانته ومنحه كل حقوقه”.
المبادرة المجتمعية خففت الكثير على الطالبات، ومنحتهن شعور الرضى، لكن المدرسة لاتزال بحاجة للكثير من التجهيزات حتى تصبح مكتملة، إذ تقول القائمة بأعمال المدير سهام طاهر:” هذه المبادرة قدمت الكثير، لكننا مازلنا بدون فصل للإدارة وللمدرسات، بدون مكتبة، نقص كبير بالمقاعد، بعض الفصول بدون نوافذ، يجب على الجهات المعنية النظر للعملية التعليمية وتهيأ لها الظروف والبيئة المناسبة، فالتعليم هو الأمل الوحيد لتحسين وضع البلاد”.
ويعد وجود مدرسة للفتيات في منطقة ريفية نائية إنجاز كبير يحتاج مساندة، في الوقت يوجد في اليمن أكثر 4,5 مليون طفل خارج المدرسة والغالبية العظمى من هؤلاء الاطفال هن من الفتيات. وفق تقديرات “اليونيسف”. وما يزال التعليم الأساسي غير متاح لكثير من الفتيات لا سيما اللواتي يعشن في المناطق الريفية النائية.