يفترش أكثر من 100 طالب وطالبة الأرض العارية، تحت لهيب أشعة الشمس الحارقة، في قرية القفوة بعزلة العواشقة بمديرية موزع غرب محافظة تعز، نظرا لعدم توفّر مدرسة قريبة من المنطقة تمكّنهم مِن التعليم.
هذه المعاناة دفعت مجموعة من شباب القرية، إلى المبادرة وبشكل ذاتي إلى تعليم الأطفال أساسيات القراءة والكتابة والحساب والقرآن الكريم، علّهم يزيحون ما يمكن إزاحته من ستار الأمية الجاثم على وجه القرية منذ عقود.
تعليم الأطفال
“أخذت الأمية تتوسّع في أوساط القرية عاما بعد آخر، بسبب غياب أي مدرسة حكومية وتناقص عدد المتعلمين، لذا جاءت خطوتنا التي انطلقت قبل عامين، لإنقاذ أطفالنا من الغرق في براثن الجهل والإحباط والحاجة والفقر”، يقول إياد الهطلي، واحد من ثلاثة شباب تطوّعوا لتعليم أطفال القرية، في حديثه لريف اليمن.
ويشير الأستاذ المتطوع إلى أن المدرسة غير معتمدة حتى اللحظة من الجهات الحكومية، وقد أُقيمت في عريش مهجور مسقوف بسعف النخيل وتحيط بعض جوانبه حواجز من الـطرابيل (أغطية بلاستيكية)، وقد تآكلت حاليا بفعل الرياح والشمس، ويدرس فيها 104 من الطلاب والطالبات (20 و84 على الترتيب)، وكلهم شغف للتعلم بالرغم من الظروف القاسية وغير المواتية.
يقول المقداد الحمودي، وهو ناشط مجتمعي وأحد أهالي القرية، في حديثه لريف اليمن: “تكمن المعاناة الطويلة لأهالي قرية القفوة مع التعليم في أنّ أقرب مدرسة لمنطقتهم تبعد مسافة تتجاوز 10 كيلومترات، وهي في منطقة وعرة التضاريس، الأمر الذي جعل معظم الأسر تعزف عن إرسال أبنائها إلى تلك المدرسة البعيدة، لما فيه من مخاطرة بسلامتهم وصحتهم البدنية والنفسية”.
ويوضح المحمودي الذي كان تجشم تجربة العناء للوصول إلى الفصل الدراسي لسنوات قبل أن ينتقل إلى مدينة البرح للعمل ومواصلة التعليم بالقول: “لم ترسلني أسرتي للدراسة إلا بعد تجاوز عشر سنوات؛ لأنّ الطرقات التي نقطعها وعرة ومُقفرة، ووسائل المواصلات منعدمة”.
وللوصول إلى المدرسة يقول: “كنا نتحمّل عناء كبيرا، وأحيانا نصل وقد تأخر الوقت وفاتنا جزء كبير من الحصص، بالإضافة إلى مواجهتنا عددا من الصعوبات والمخاطر التي منها على سبيل المثال السيول في مواسم الأمطار وما يرافقها من خوف وقلق أُسَرنا علينا”.
حرمان من المشاريع
ويذكر المحمودي: “للأسف كان وما زال هذا الواقع القاسي في منطقتنا التي لم تصلها تنمية الدولة، ولم يهتم بزيارتها المسؤولون في الحكومة والسلطات المحلية المتعاقبة، وظلّت شأنها شأن كل قرى ومناطق مديرية موزع المحرومة من مشاريع التعليم والصحة والمياه ومن كل شيء تقريبا”.
أهالي قرية القفوة بالغيل ومعهم معظم سكان عزلة العواشقة، الذين يبلغ عددهم قرابة 9 آلاف نسمة بحسب التعداد السكاني لليمن لعام 2004، يعتمدون على رعي الأغنام والاحتطاب والعمل بالأجر اليومي وبعض الأنشطة الزراعية المتواضعة.
ويعيش السواد الأعظم منهم تحت خط الفقر والعوز، ويحتاجون إلى مساعدات ودعم واهتمام وتنويع في فرص الدخل وتشجيع على مواصلة التعليم، بالذات مع انعكاسات الحرب وما خلقته من أزمات معيشية وغلاء في الأسعار على حياتهم اليومية.
وكان للظروف والحرب التي تعيش في ظلّها اليمن منذ تسعة أعوام، انعكاس سلبي كبير على التعليم والإسهام في رفع نسبة الأمية، فوفقا لتقارير أممية، كان قطاع التعليم هو الأكثر تضررا، فقد وصل عدد الطلاب المتسربين من المدارس نحو مليوني طالب في جميع المراحل التعليمية، فيما بلغ عدد الطلاب المتضرّرين من الحرب قرابة 4 ملايين، بإجمالي 6 ملايين طالب بين متسرب ومتضرر، معظمهم يعيشون في المناطق الريفية التي تحوي 70% من سكان البلد.
دعوة وأمل
ويدعو الناشط المجتمعي المحمودي جميع أهالي الخير والتجار والجهات المعنية إلى التعاطي الإيجابي مع مبادرة أهالي القرية في تعليم أطفالهم وتفاني الأطفال والشباب المبادرين للتدريس في المدرسة الجديدة، ودعمها بالإمكانيات اللازمة لمواصلة عملها وتحقيق غايتها المنشودة في محو الأمية ونشر المعرفة وإخراج القرية من الظلمات إلى النور.
وحول الاحتياجات اللازمة لاستمرار عمل المبادرة، يؤكد الشباب القائمون عليها لريف اليمن أن المدرسة تحتاج على المدى القريب إلى اعتمادها من قبل الجهات الحكومية، وإمدادها بالمناهج الدراسية والكادر التربوي المتخصّص في جميع المراحل الدراسية.
فيما يُعد الحل الجذري والمطلوب، وفقا للشباب، أن تتولّى السلطات والجهات المعنية من منظمات أهلية ودولية مسؤوليتها أمام سكان القرية، وتعتمد مشروع مدرسة تضمّ فصولا ومرافق دراسية متكاملة، تُنجز في أقرب وقت ممكن، لتزيح المعاناة عن كاهل طلاب القرية، وتكون قاعدة انطلاقهم نحو أحلامهم في المستقبل، من بوابة التعليم والحكمة.