الإذاعة.. حضور بالأرياف رغم طفرة تطور وسائل الإعلام

تنشط في اليمن أكثر من 60 إذاعة وتتمتع بجمهور عريض

الإذاعة.. حضور بالأرياف رغم طفرة تطور وسائل الإعلام

تنشط في اليمن أكثر من 60 إذاعة وتتمتع بجمهور عريض

في ريف محافظة مأرب شمال شرق اليمن، يعمل زكريا محمد (38 عاما) في محله لبيع الخضروات، وإلى جواره مذياع يلازمه في ساعات الصباح والمساء، يسمع منه الأخبار والأغاني والبرامج المختلفة.

يقول زكريا لمنصة ريف اليمن: “أتابع الأخبار على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى، لكن لا أستطيع الاستغناء عن المذياع، فهو ذو نكهة مختلفة، ويمنحنا المعلومة بسهولة ويسر، ويكفينا عناء البحث”.

حضور مستمر

ورغم التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم، لا يزال المذياع محافظا على حضوره في مختلف المناطق الريفية اليمنية، ويُعد الرفيق المفضل لدى السكان، وخاصة المزارعين.

وبخطوة ذكية، استغل القائمون على الإذاعات ذلك التطور، وعملوا على مواكبته والاستفادة منه في إيصال رسالة المذياع بوسائل حديثة كمواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت الوصول إلى الجمهور في المدن والأرياف، أو عبر تطبيقات خاصة.

وساعد انتشار الجوالات الذكية التي وصلت إلى سكان الأرياف ووسائل التواصل في توسعة رقعة الإذاعات، الأمر الذي دفع الإذاعات إلى تعزيز حضورها لكسب الجمهور عبر هذه النافذة.

وأظهرت دراسة لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن إقبال اليمنيين على الإذاعات تنامى لعوامل كثيرة، أهمها توقف الصحف الورقية وانعدام الكهرباء والتكلفة المالية للإنترنت، إضافة إلى سهولة وصول الإذاعة للمستمعين في كل مكان بوسائل ممكنة ورخيصة.

وأكدت الدراسة أن هذه الطفرة في الإذاعات المحلية لم تكن إلا نتيجة للاستجابة الواسعة من شريحة واسعة في المجتمع والإقبال على سماعها لظروف استثنائية قد تتغير.

الإذاعة.. حضور بالأرياف رغم طفرة تطور وسائل الإعلام
زكريا محمد أثناء استماعه للمذياع عبر تطبيق اندرويد مرتبط بهاتفه (ريف اليمن)

خلال الأعوام 2015 – 2016، تعرض المحطات الإذاعية في كثير من المدن اليمنية إلى ضربات أخرجت عددا من محطات البث الإذاعي عن الخدمة، وحرمت سكان الأرياف من الأثير الذي طالما رافقهم في الحقول والأودية.

وبحسب الدراسة نفسها، تعرضت العشرات من الإذاعات المحلية في صنعاء وعدن والحديدة والمكلا للاقتحام والنهب، ما أدى إلى توقف بعضها، واستئناف البعض الآخر بعد انتقالها إلى مكان آخر أو زوال أسباب التوقف.

ويقول محمد الأشول مدير إذاعة الأولى المحلية بمأرب: “إن كثيرا من الإذاعات تعرضت للاقتحام والنهب في صنعاء عام 2015 ولمصادرة المعدات، كما حدث مع إذاعة ناس التي كان يعمل فيها، ومثلها العشرات من الإذاعات في مختلف المحافظات”.

وتنشط في اليمن أكثر من 60 إذاعة، منها 24 في صنعاء، و13 في مدينة سيئون حضرموت، و10 في حضرموت الساحل، و3 في تعز، و4 في محافظة مأرب، أما مدينة عدن فتضمّ 6 إذاعات، وفقا لإحصائية غير رسمية.

رفيق المزراعين

برغم الظروف العاصفة التي تعرضت لها محطات الإذاعة، ما يزال المذياع يمثل أحد وسائل الإعلام الحيوية والمؤثرة في المجتمع اليمني، ومستمرا بالصدح في الوديان والحقول اليمنية، لا يفارق الجمهور في ريف اليمن.

أحمد الجبري مدير إذاعة “وطني” التي تُبث من تعز وسط اليمن قال: “إن الراديو رغم تصنيفه من ضمن أقدم وسائل الاتصال، ما زال يتمتع بجمهور عريض مهتم ومشارك ومتفاعل، سواء في المنزل أم في السيارة أم في مكان العمل في الريف أم في الحضر”.

وأضاف في حديث لمنصة ريف اليمن أن جمهور الراديو في الريف له حضور مميز وفاعل، وأن ذلك لوحظ بالمشاركة في البرامج التفاعلية اليومية والمسابقات في رمضان، والرسائل التي تصل عبر تطبيق الواتس آب، وكذلك بحلقات التقييم المباشرة التي تُعقد على الهواء نهاية كل دورة برامجية، كما تعكسها الدراسات المختلفة التي يجرونها بين الحين والآخر.

أما عبد العليم الحاج مدير البرامج في إذاعة “وطني”، فقال: “إن لدى الراديو جمهورا كبيرا في الأرياف يتابع البرامج الإذاعية، ويقترح برامج تُعنى بقضاياهم واهتماماتهم، فهم يشاركون في تقييم البرامج ويتفاعلون بشكل كبير مع الإذاعة ودوراتها المختلفة”.

وبيّن في تصريح لمنصة ريف اليمن أن هناك عودة كبيرة للمذياع ليس في الريف وحده، بل في المدن أيضا، وهناك حضور لافت جدا في البرامج التفاعلية والمباشرة، مؤكدا أن الإذاعة تأخذ بآرائهم وملاحظاتهم.

نائب مدير إذاعة “صوت المقاومة” التي تُبث من مديرية المخا غرب تعز، نبيل السامعي، قال: “إن هناك تفاعلا كبيرا من الجمهور في الجانب الترفيهي والمسابقات والبرامج الاجتماعية التي تشاطر فيها الإذاعة الناس اهتماماتهم اليومية”.

وأضاف لمنصة ريف اليمن أن هذا التفاعل في كثير من المحطات الإذاعية المحلية، موضحا أن جمهور المذياع يشمل جميع شرائح المجتمع، ولا يقتصر على شريحة محددة.

ومع تطور التكنولوجيا، فعّلت الإذاعات حضورها على نظام “الأندرويد” بتطبيق يسهل تحميله بواسطة الجوالات الذكية، ويمكّن من الاستماع إلى البث المباشر للإذاعة من أي مكان عند توفر الإنترنت.

ومع توفر أجهزة المذياع التي تُشحن يدويا أو بالطاقة الشمسية ولا تحتاج إلى بطاريات، انتشر الجهاز وأصبح متاحا في كل مكان، وبتكلفة مالية بسيطة.

وهذا ما يؤكده أحمد الجبري الذي قال إن المذياع اليوم يستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي في بث المحتوى وإيصاله إلى الجمهور وإلى الأرياف، موضحا أن الراديو أصبح متاحا على الجوال الحديث، وفي صفحات الراديو على مواقع التواصل.

تحديات

وعن استغلال الإذاعة لمواقع التواصل، قال الجبري: “نسعى إلى تسجيل حضورنا في منصات التواصل الاجتماعي، إما على صفحتنا في الفيس بوك من خلال بث مباشر لأهم البرامج التفاعلية، وإما على تطبيق الإذاعة الرقمي الذي نبث بالتزامن منه محتوى البث الإذاعي، ليتمكن المستمع من التقاط إشارتنا من أي مكان في العالم بنظام الإندرويد”.

وأشار إلى أن آخر تقييم أجرته الإذاعة عكس حجم الإقبال الكبير على المذياع، فقد وصل بث الإذاعة إلى عشرة ملايين مستمع ومستمعة من مختلف محافظات الجمهورية.

“يواجه المذياع صعوبات عدّة، منها فنية، فقد يكون سكن المستمع في مناطق الظل التي لا يصلها بثّ الإذاعة بسبب عوامل جغرافية، وأحيانا تكون مشكلات مادية تحول دون شراء الجهاز، ونلحظ هذا في المناطق النائية الأشد فقرا والأقل حظا في فرص التعليم، وهي مناطق تعيش أوضاعا صعبة تجبر على ترتيب الأولويات، وتدفع الناس على الاهتمام بلقمة العيش بدلا من الجوال أو المذياع”، يردف الجبري.

وينوه في حديثه لمنصة ريف اليمن: “هذه الفئة، من وجهة نظري، هي الأحوج للحصول على الوسائل التثقيفية والترفيهية من الوسائل الإعلامية المختلفة مثل حاجتها للقمة العيش سواء بسواء”. ومن الصعوبات أيضا –بحسب الأشول- ضعف أو غياب الكهرباء، والتدهور الاقتصادي للسكان، وتمثل مواقع التواصل الاجتماعي فرصة إذا ما استُغلت للوصول إلى الجمهور، وإلا فهي تهديد للراديو في الريف والمدن.

ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وظهور الذكاء الاصطناعي والتطورات التي قد تحدث، يبقى السؤال: هل ستظل الإذاعة محافظة على صمودها في المدن والأرياف وفي قلب الجماهير أم لا؟

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: