مأرب هي حاضنة أهم حضارات الشرق القديم، لذا تعد السياحة الريفية فيها من أهم العوامل الاقتصادية التي ممكن أن تخلق طفرة على مستوى اليمن، حيث تتنوع فيها مناطق الجذب السياحي، لكنها بحاجة إلى تنمية شاملة.
تقع محافظة مأرب، شرقي العاصمة صنعا (172 كم)، وتتنوع تضاريسها بين الجبال، الوديان، السهول، والصحاري، وتمتد حدودها الشمالية حتى صحراء الربع الخالي، وإلى جانب المعالم التأريخية العريقة التي تحتضنها مأرب كمهد للحضارة السبئية، تبرز أيضا السياحة الصحراوية كجزء مهم يمكن أن يكون عامل حافز.
رغم أن السياحة في اليمن شبة متوقفة حالياً ومنها مأرب التي تشهد ظروف استثنائية منذ عقد من الزمن بسبب الحرب، لكننا نورد في هذا المقال أهم الأفكار السياحية والمناطق التأريخية التي يمكن أن تكون عامل مهم يحتاج إلى اهتمام في أي مسار تنمية قادم في البلاد.
نورد هنا لمحة عن السياحة الصحراوية، وتعريف في المواقع الأثرية والمعالم التأريخية العريقة في مأرب، والتي ممكن أن تكون إحدى وجهات السياحة.
مواضيع مقترحة
- المحويت.. كنز اليمن المدفون كما لم تعرفها من قبل
- السياحة الريفية في صنعاء: رحلة عبر التاريخ والطبيعة
السياحة الصحراوية
تعد السياحة الصحراوية من التجارب الفريدة التي تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم، وبدأت في اليمن بعد تحقيق الوحدة اليمنية في عام 1990، التي أدت إلى توسيع حركة البرامج السياحية في البلاد. من بين أبرز التحولات التي ظهرت في هذا السياق كان بروز “السياحة الصحراوية” كنمط جديد من السياحة في اليمن.
هذا النمط أخذ شكل برامج سياحية مثل “برنامج أسعد الكامل” و”برنامج رملة السبعتين”، اللذين يختصران المسافة بين مأرب، شبوة القديمة، وحضرموت. وقد اكتسبت هذه البرامج شهرة عالمية كبيرة، وأصبحت جزءًا هامًا من البرامج السياحية الدولية المنظمة.
هذا النوع من السياحة كان يشترط وجود دليل سياحي محلي، غالبًا من أبناء مأرب، الذين كانوا يعملون من خلال وكالات السياحة عبر الصحراء، هؤلاء كانوا معروفين باسم “مجاهيل الصحراء”، بفضل معرفتهم الفطرية والمهارة التي اكتسبوها عبر الأجيال في تجاوز الكثبان الرملية العالية وخوض مغامرات مثيرة للسياح في قلب الصحراء.
تتضمن برامج السياحة الصحراوية التوقف عند مضارب البدو الرحل، الذين يعيشون في الصحراء حياة الرعي والترحال. ويتمكن السياح من خلال هذه الزيارات من التعرف على ثقافة الصحراء ونمط الحياة البدوية، حيث يتعلمون كيفية تعامل البدو مع ظروف الصحراء القاسية.
أكثر ما يلفت انتباه السياح ويثير إعجابهم هو الحفاوة والترحاب والشهامة التي يستقبلون بها، إلى جانب كرم الضيافة الذي يميز أهل الصحراء. من بين المضارب البدوية الشهيرة التي تستقبل السياح، هناك رباط آل نوران غرب صافر ورباط الصيعر قرب شبوة القديمة.
المواقع التاريخية والأثرية في مأرب
تعتبر محافظة مأرب موطنًا للعديد من المواقع التاريخية والأثرية التي تعكس عظمة الحضارة السبئية، وهنا نورد أهم تلك المعالم السياحة والتي معظمها، نستطيع تصنيفه ضمن السياحة الريفية.
-
براقش
تبرز مدينة براقش (يثل)، الواقعة في مديرية مجزر بالمنطقة شبه الصحراوية على طريق مفرق حزم الجوف، المتفرع من الخط الرئيسي بين صنعاء ومأرب، وتبعد حوالي 47 كم عن مركز محافظة مأرب و125 كم عن صنعاء.
المدينة تقوم فوق تل مرتفع كقلعة مهيبة، محاطة بسور حجري يصل ارتفاعه إلى 8 أمتار، ولا يزال معظمها في حالة جيدة، مما يجعلها من أفضل أسوار المدن اليمنية القديمة. يضم السور 57 برجًا، وللمدينة بوابتان، واحدة في الجهة الشرقية والأخرى في الجهة الغربية.
تعتبر براقش العاصمة الدينية للدولة المعينية، لكنها ضمن التقسيم الإداري لمحافظة مأرب. فعندما تنطلق البرامج السياحية من صنعاء لزيارة مأرب، تبدأ غالبًا بزيارة مدينة براقش الأثرية. جدد السبئيون بناء سور مدينة براقش بعد استيلائهم عليها عام 450 ق.م، وخلال الحملة الرومانية، حاول قائدها أليوس جالوس في عام 24 ق.م احتلال براقش، لكنه فشل خارج سورها المنيع.
تشمل مكونات المدينة بقايا آثار معبد في الجزء الجنوبي، يمثل النمط المعماري السائد عند المعينيين، وله أعمدة رأسية وأفقية تبقى منها 16 عمودًا، ويعتقد المختصون أنه كان معبدًا للإلهة عثتر. كما يوجد بقايا آثار معبد آخر وسط المدينة، لا تزال فيه بقايا 4 أعمدة، وهناك عدد من النقوش المسندية الحجرية في بعض أجزاء السور. وبالقرب من مدينة براقش، توجد بقايا مواقع أثرية مثل الأحقاف ودرب الصبي المؤدي إلى معبد نكرح في الجهة الغربية للمدينة، والمواقع الأثرية في خربة اللسان في الجهة الشرقية للمدينة.
هذه المواقع وغيرها من الآثار في محافظة مأرب تعكس العمق التاريخي والحضاري لهذه المنطقة، وتبرز أهمية مأرب كمركز رئيسي للحضارة السبئية القديمة، وتجعلها وجهة سياحية هامة للراغبين في استكشاف تاريخ اليمن الغني.
-
مدينة مأرب القديمة
تُعد مدينة مأرب القديمة من أبرز المدن اليمنية التاريخية وأشهرها، إذ كانت عاصمة حضارة سبأ لعدة قرون. تقع مأرب في السهل السبئي على مشارف صحراء مفازة صيهد وكانت تتحكم في طريق التجارة الهام المعروف تاريخيًا بطريق اللبان، حيث كانت تشكل نقطة التقاء للقوافل القادمة من ميناء قنا وعبر وادي حضرموت.
عاصرت مأرب نشوء وازدهار حضارة سبأ، وظلت مدينة مهمة حتى بعد انتقال العاصمة إلى ظفار وذي ريدان. تشير النقوش المسندية المعروفة إلى أن سور المدينة وقصورها، بما في ذلك قصر “سلحين”، شُيدت بداية الألف الأول قبل الميلاد، وربما قبل ذلك بكثير.
وكان الملك الذي لا يسيطر على مأرب وقصرها يُعتبر ملكًا هامشيًا حتى وإن لقب نفسه بملك سبأ. تعد مأرب القديمة أضخم مدينة أثرية في جنوب الجزيرة العربية، وتعتبر مخزنًا أثريًا يضم تاريخ اليمن وتراثه، ولا تزال خرائب المدينة واضحة على التل المرتفع 25 مترًا عن مستوى سطح الأرض، والذي يحمل مباني ترابية مهجورة تم استحداثها لاحقًا.
-
معبد أوام (محرم بلقيس)
يُعرف معبد أوام، أو كما يُسمى “محرم بلقيس”، بأنه أكبر وأهم المعابد السبئية، ويقع على بعد 4 كيلومترات جنوب شرق عرش بلقيس. وأُجريت عملية تنقيب أثرية جزئية عند مدخل المعبد بواسطة بعثة المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان في عام 1952م، ولكن الموقع لا يزال بحاجة إلى تنقيبات أثرية متكاملة ودراسات علمية معمقة لكشف أسرار هذا المعبد ومكانته الطقوسية الدينية في الحضارة السبئية.
تُشير النقوش المسندية إلى أن معبد أوام كان محج سنويًا لكل القبائل الخاضعة لسيطرة سبأ وغيرها، حيث كان يُجسد الخضوع، ووحدة الآلهة، ورمزها الديني، والروحي، ويتميز المعبد بشكله شبه البيضاوي، حيث يبلغ طوله 94 مترًا وعرضه 82 مترًا، مع سور حجري يبلغ سمكه 4 أمتار وارتفاعه 9 أمتار. يتميز الجزء العلوي من السور بزخارف فنية تُعد نموذجًا للفن السبئي.
أمام المدخل الرئيسي للمعبد، يوجد بهو بأعمدة، كما تنتصب ثمانية أعمدة كبيرة في صف واحد على مسافة 10 أمتار من المدخل في الجهة الشرقية. يعود تاريخ معبد أوام إلى بداية الألف الأول قبل الميلاد، وهو يُمثل مكانًا مركزيًا للطقوس الدينية الكبرى في سبأ.
-
عرش بلقيس (معبد بران)
يُعرف معبد بران، المشهور شعبياً باسم “عرش بلقيس”، بكونه بيت الإلهة المقة (إله القمر) وفقًا للنقوش المسندية، حيث ورد اسمه في تلك النقوش إلى جانب آلهة أخرى مثل ذات حميم (إلهة الشمس) وعثتر (إلهة الزهرة). كشفت أعمال التنقيب التي أجرتها البعثة الأثرية الألمانية عن أن المعبد مر بمرحلتين واضحتين. امتدت المرحلة الأولى من بداية الألف الثانية قبل الميلاد حتى بداية الألف الأول قبل الميلاد، بينما بدأت المرحلة الثانية حوالي 850 قبل الميلاد واستمرت حتى نهاية الدولة السبئية.
يتميز بناء المعبد بتصميمه المربع، مع بوابة رئيسية في الجهة الشمالية تفتح على ساحة مكشوفة أمام قدس الأقداس. في وسط الساحة، يوجد بئر مقدس ملحق بحوض حجري مستطيل الشكل، حيث يتدفق الماء إلى الحوض عبر رأس الثور المقدس المنحوت من الحجر. تربط 12 درجة بين الساحة المكشوفة وقدس الأقداس، وتحاط الساحة بجدران من الجهات الجنوبية والغربية والشمالية، مع وجود صف من الكراسي المنحوتة من المرمر ثابتة في الجهة الغربية. يحيط بالساحة المقدسة سور من اللبن تعلوه خمسة أبراج: ثلاثة في الجهة الغربية، وبرج في الجهة الجنوبية، وبرج في الجهة الشمالية.
هذه المواقع الأثرية الهامة تعكس الغنى الحضاري والتاريخي لمأرب القديمة، وتبرز مكانتها كواحدة من أبرز مراكز الحضارة السبئية. من خلال التنقيب المستمر والدراسات العلمية، يمكن الوصول إلى فهم أعمق لتاريخ مأرب ودورها المحوري في تاريخ اليمن القديم.
-
سد مأرب العظيم
يقع سد مأرب العظيم في وادي ذنة (وادي سبأ) بين جبلي البلق الشمالي والجنوبي، بالقرب من سد مأرب الجديد. يعد هذا السد من أبرز الرموز التاريخية للحضارة السبئية، إذ عاصر نشوء وتطور تلك الحضارة وشهد ذروة ازدهارها. كان انهيار السد الأخير إشارة إلى أفول هذه الحضارة. يمثل سد مأرب القديم أعلى تقنيات حجز المياه وتصريفها في نظام ري متطور لم يعرفه العالم القديم من قبل.
اشتهر السد كأهم منشأة ارتبطت بحضارة سبأ، وكان بمثابة معجزة هندسية أبدعها الإنسان اليمني القديم، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن التنقيب الأثري العلمي المتكامل للكشف عن صورته العلمية الكاملة، المرتبطة بتطور وتوسيع الأراضي الزراعية وإدارتها.
تشير النقوش المسندية المتوفرة إلى أن بناء السد يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، لكن هذه النقوش غير كافية لتحديد بداية بناء السد بدقة. المؤشرات العلمية السطحية تدل على أن السد استمر في أداء وظائفه على مدى عصور تاريخية طويلة، وشهد تعاقب العديد من الملوك على إدارته، مما يتطلب ترميمًا متكررًا له، حيث كان كل ملك يضع نقشًا باسمه على جدار السد يوثق إنجازاته.
تشير بقايا سد مأرب العظيم إلى أن السيول المتدفقة من المرتفعات الجبلية الكبيرة المتجهة إلى مداخل وادي سبأ كانت تتجمع وتحجز بالسد. تشير الترسبات الباقية بالقرب من المصرف الجنوبي إلى أن ارتفاع السد القديم كان يبلغ 35 مترًا، وطوله 720 مترًا، بينما كان سمكه عند القاعدة 60 مترًا. كانت أساسات السد مبنية من الأحجار الضخمة، وفوقها جدار ترابي مملط بالحجارة والحصى من الجانبين، وكان سطح الجدار الخارجي مغطى بأحجار بركانية. لا يزال جزء صغير من جسم السد القديم قائمًا بالقرب من المصرف الشمالي، حيث كان يقع الصدفان (المصرفان) اللذان يخرج منهما الماء إلى شبكات القنوات.
وما زالت بعض أجزاء جدران الصدفين قائمة، كما وصفها الهمداني قبل أكثر من ألف عام. تمثل عبقرية نظام الري القديم في سد مأرب قدرته على تجميع المياه من مساقط مرتفعات عديدة وحجزها لرفع منسوب المياه بهدف ري مساحات كبيرة من أرض الجنتين المذكورة في القرآن الكريم، وذلك وفق نظام هندسي دقيق متصل بالصدفين الشمالي والجنوبي.
وأشارت الدراسات العلمية وأعمال التنقيب الأثري الجزئية التي قامت بها البعثة الأثرية الألمانية في عامي 1988 و1989م إلى أن ما توصل إليه اليمنيون القدماء من إبداع هندسي في بناء سد مأرب العظيم كان نتيجة سلسلة من التجارب السابقة التي تعود إلى بداية الألف الثانية قبل الميلاد، في محاولة لاكتشاف أقدم السدود في مناطق مثل أعروش خولان الطيال والسدود القديمة شرق سد مأرب.
-
السد التحويلي “المنشأة أ”
قامت البعثة الأثرية الالمانية بأعمال التنقيب الأثري في موقع السد التحويلي، وأشارت نتائجها إلى أن بناء هذا السد يرجع إلى بداية الألف الثانية قبل الميلاد. يقع السد شرق سد مأرب في وسط وادي ذنة، وكان أحد المحاولات التي سبقت بناء السد العظيم.
بُني السد بالحجارة الضخمة، حيث يصل طول الحجر الواحد إلى مترين، وتم ربط الأحجار بمادة الرصاص لمقاومة صدمات السيول. ومع ذلك، لم تنجح هذه المحاولة بسبب تراكم الطمي والرسوبيات. كان طول السد يبلغ 55 مترًا وعرضه 30 مترًا.
-
سد الجفينة
سد الجفينة هو سد قديم مرتبط بمنظومة سد مأرب العظيم، ويعود تاريخه إلى منتصف الألف الثانية قبل الميلاد. يُعتبر سدًا تحويليًا لما يفيض من مياه السد العظيم، وشُيد بهدف ري مساحة الأراضي الزائدة للجنة اليسرى.
يتصل بالسد أربع قنوات لتوزيع المياه مبنية بأحجار مهندمة، ويرتبط بها عدد من الجدران السائدة التي يصل ارتفاع بعضها إلى 10 أمتار، وطول بعضها إلى 300 متر. تعرض السد لتصدعات وأعيد بناؤه وترميمه في فترات زمنية لاحقة.
-
البئر السبئية
تقع البئر السبئية في الجهة اليمنى من الطريق المؤدي إلى السد، على مسافة 6 كيلومترات غرب مدينة مأرب القديمة. تقع البئر فوق تل ترابي يرتفع عن الحقول المجاورة، وأعلى التل يوجد باب البئر السبئية الذي يبلغ عمقها 35 مترًا.
تتميز البئر بشكلها المربع، حيث أن كل ضلع من أضلاع البئر مكون من حجر واحد فقط، وهو أسلوب غير مألوف بين أنماط الآبار القديمة المعروفة. لم تُعرف قيمة البئر الأثرية إلا بعد نهاية التنقيب في معبد بران “عرش بلقيس” والكشف عن البئر المقدسة في المعبد، حيث يتطابق نمط بنائها الفريد مع نمط بناء البئر السبئية.
هذه المعالم الأثرية المتنوعة تعكس مدى تطور الحضارة السبئية وعبقرية الإنسان اليمني القديم في هندسة المياه والري، وهي بحاجة إلى مزيد من الدراسات العلمية للكشف عن مزيد من الأسرار والتفاصيل التاريخية التي تثري الفهم الحالي لتلك الحضارة العريقة.
-
الأعمدة الحجرية الضخمة وألواح الرخام
عندما يقف كل زائر لمحافظة مأرب أمام أعمدة معبد برّان أو معبد أوام، يتبادر إلى ذهنه عدد من التساؤلات البديهية حول كيفية استخراج تلك الكتل الحجرية الضخمة، ومن أين تم قلعها، وكيف تم نقلها ورفعها في مواضعها. كما يطرح الزوار تساؤلات حول كيفية بناء ألواح الرخام بدقة هندسية متناهية تعكس تطور الفنون المعمارية للحضارة السبئية.
هذه التساؤلات المشروعة تتطلب إجابات علمية مقنعة تقدم للزوار بوسائل متعددة، بما يساهم في تنمية الوعي الاجتماعي التاريخي والأثري، وحفاظًا على منجزات الحضارة السبئية التي تعد عنوان الهوية الوطنية.
وفي هذا الصدد، توجد مقالع للأحجار الضخمة على سفح أحد الجبال المتفرعة من سلسلة جبل هيلان المحاذي للطريق الرئيسي صنعاء – مأرب، على بعد 50 كيلومترًا من مركز محافظة مأرب. تمت مطابقة مقاسات كتل الأعمدة الصخرية الضخمة المنتصبة في المعبدين مع أماكن استخراجها في تلك المقالع، وكانت النتائج متقاربة.
أما مقالع ألواح الرخام، فتوجد في موقع الكنائس والجدران بالقرب من الطريق الرئيسي مأرب – العبر بعد منطقة الرويك، كان موقع الكنائس والجدران أحد محطات القوافل التجارية القديمة على طريق اللبان التاريخية. وتوجد مقالع الرخام أيضًا في صحراء رملة السبعتين بالقرب من منطقة الرويك، ولا تزال تعمل وتصدر منتجاتها الخام إلى الخارج.
-
بانوراما وادي سبأ
بعد تجاوز بقايا آثار المصرف الشمالي للسد القديم، توجد طريق على الجانب الأيمن للمصرف تبدأ منها الصعود إلى جبل البلق الشمالي حتى الوصول إلى حافة مرتفعة تشاهد منها لوحة بانورامية شاملة لمنجزات العصور السبئية القديمة.
يمكن رؤية بقايا آثار مصرفي سد مأرب القديم ومجرى وادي ذنة وبقايا أطلال القنوات القديمة، بالإضافة إلى منجزات العصر الحديث مثل حاجز السد الجديد ومصرفه، وامتداد بحيرة السد ومسطحها المائي الواسع والقنوات الجديدة المحاطة بمزارع خضراء.
-
سد مأرب الجديد
يعد سد مأرب الجديد أكبر منشأة مائية في الجمهورية اليمنية، ويكتسب أهمية اقتصادية ومعنوية وسياحية لدى الزائر لمحافظة مأرب، إذ يحاكي الماضي والحاضر. يحرص الزوار على مشاهدة بحيرة السد الواقع في وادي ذنة بين جبلي البلق الشمالي والجنوبي، على بعد 2 كيلومتر من بقايا آثار مصرفي سد مأرب القديم. نفذت بناء السد الجديد شركة الشروق التركية بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة، مستفيدة من التقنيات الهندسية للسد القديم. تم افتتاح السد الجديد نهاية عام 1986.
بني السد على شكل هرمي عريض عند القاعدة وضيق في القمة. يبلغ عمق قاعدة السد الخرسانية 60 مترًا، وطول جسم حاجز السد الذي يربط بين جبلي البلق 763 مترًا، وعرضه عند مستوى سطح الوادي 337 مترًا، وعند مخرج بوابة تصريف المياه 195 مترًا. يضيق العرض تدريجيًا كلما ارتفع جسم حاجز السد حتى يصل عند القمة إلى 8 أمتار فقط. يمكن الوصول إلى القمة بالسيارة عبر طريق أسفلتي تم شقه في جسم السد.
تبلغ مساحة بحيرة السد 30 كيلومترًا مربعًا، حيث تتجمع فيها مياه الأمطار من مرتفعات شرق صنعاء وجبال مناطق خولان الطيال وبني جبر وحريب القراميش وصرواح. أنشئت حواجز لمنع الرسوبيات التي تجرفها السيول قبل وصولها إلى بحيرة السد، التي تبلغ سعتها الإجمالية 400 مليون متر مكعب من المياه. في عام 2020، تجاوزت مياه السيول السعة الإجمالية لبحيرة السد لأول مرة منذ إنشائه، وتم تصريف المياه الزائدة بواسطة بوابة مفيض السد المحاذية لمديرية الجوبة ومنها إلى صحراء النقعة.
يتبع السد قنوات ري رئيسية وفرعية تجري فيها المياه المنطلقة من بوابة التصريف للسد، التي يتم التحكم بأندفاع مياهها آليًا بطاقة تصل إلى 35 متر مكعب في الدقيقة. تندفع المياه إلى مجرى وادي سبأ، ثم السد التحويلي، ومنه إلى القنوات لتروي 35 ألف هكتار من الأراضي الزراعية كمرحلة أولى. ساعدت مياه بحيرة السد على تغذية المياه الجوفية ورفع منسوبها في المنطقة. ورغم أن السد الجديد يعتبر مقصدًا رئيسيًا ومتنفسًا لسكان محافظة مأرب وزوارها، إلا أنه لا تتوفر فيه أبسط الخدمات الضرورية.
-
مديرية الوادي
يرجع اسم مديرية الوادي إلى وادي عبيدة، المتفرع من وادي سبأ التاريخي. على جانبي هذا الوادي، تسكن عشائر قبيلة عبيدة، إحدى المكونات القبلية لمحافظة مأرب. قبل نشوء وتطور مدينة مأرب الجديدة، كانت مديرية الوادي تمثل النطاق الجغرافي الأساسي والمركز الاقتصادي المتمثل بسوقها الأسبوعي الكبير الذي يُقام كل يوم خميس في وادي عبيدة بمنطقة حصون آل جلال.
بعد بناء القصر الجمهوري والمراكز الإدارية للدولة، وتوسع مدينة مأرب الجديدة ونمو الكثافة السكانية وتداخل السكان من محافظات الجمهورية، صارت مديرية المدينة تتداخل جغرافيًا مع مديرية الوادي، وانتقل المركز الاقتصادي إلى المؤسسات التجارية الحديثة في مدينة مأرب، مما أدى إلى تراجع أهمية سوق الحصون.
بينما يشاهد السائح والزائر لمدينة مأرب الآثار المادية المتمثلة بالمواقع التاريخية والأثرية الحضارية السبئية، إلا أنه قد لا يشاهد الآثار اللامادية المتمثلة في العادات والتقاليد والأعراف والأزياء التقليدية القديمة وإيقاع الحياة اليومية للسكان الأصليين في أرض سبأ.
وتتجسد هذه العادات على ضفتي وادي عبيدة وحصون آل جلال وآل شبوان ومنطقة الأشراف وبيت الأمير، وآل منيف، وآل حتيك، وغيرها. لا يزال سكان هذه المناطق متمسكون بعناصر ثقافتهم الأصلية المتمثلة في الشهامة، والنخوة، وإكرام الضيف، واحترامه. ورغم توسع المدينة تجاه مناطقهم، إلا أنهم يعتزون بقيمهم الأصيلة. يمكن لكل زائر التعرف على مناطقهم وتراثهم والاستمتاع بمشاهدة مزارعهم وحيواناتهم ونمط حياتهم.
كما يمكن التعرف على تفاصيل الحياة الصحراوية ونشاط الرعي والترحال من خلال زيارة رباط آل نوران المنحدرين من آل جلال قبيلة عبيدة، والذين يسكنون صحراء رملة السبعتين. توجد طريق مختصرة للزوار المحليين تصل إلى الرباط عبر الطريق المسفلت مأرب – صافر، ثم الرويك، ومن ثم الانعطاف يمينًا عبر طريق صحراوي تتخلله معالم طبيعية لا تزحف إليها كثبان الرمال.
تؤدي الطريق إلى رباط آل نوران، الذي سمي تيمناً باسم أكبر امرأة مسنة لديهم، والتي أسست مكان الرباط وعملت بشجاعة وصبر على تربية أولادها وحيواناتها. لا يزال سكان الرباط يواصلون نمط حياتهم الصحراوية، وأهم سماتها الشجاعة، والصبر والزهد والورع.
كان أفراد الرباط يعتزون باستقبال مجاميع السياح الأجانب، وهم الآن بنفس القدر يعتزون باستقبال الزوار المحليين من كل المحافظات. لديهم مقومات بسيطة لاستقبال ضيوفهم، مثل برميل ماء، ودورة مياه، وخيام صغيرة للمبيت.
يمكن للزوار قضاء ليلة سمر على ضوء القمر في الصحراء، حيث يتسامر أفراد الرباط مع ضيوفهم، ويرتلون الشعر بفصاحة حسب الحروف الأبجدية ويروون الحكايات والحكم والأمثال التي تعد ناموس حياتهم. يمكن للزوار تناول رشفة ماء بارد من كوز مصنوع من جلد الماعز، أو تناول كوب من لبن النياق مع وجبة الصبوح “المعصوبة” التي تتوسطها زيت السمسم.
-
صرواح
تقع إلى الغرب من مركز مدينة مارب الجديدة، على بعد 35 كم، وإلى الشرق من صنعاء بمسافة 120 كم. يمكن الوصول إليها عبر طريق أسفلتي. يشير بعض المؤرخين، مثل الهمداني، إلى أنها كانت العاصمة الأولى للدولة السبئية ومقرًا شتويًا لملوك سبأ.
على الرغم من ذلك، لم ترد إشارات مؤكدة في النقوش المسندية المعروفة حتى الآن، باستثناء نقش الملك ذمار علي الذي يشير إلى “ملكه في صرواح”. وتضم صرواح مواقع أثرية مهمة تنتظر التنقيب الشامل، وقد أجرت بعثة أثرية ألمانية مسحًا سطحيًا في صرواح خلال عامي 1993-1994م، لكنه غير كافٍ.
معبد الإلهة القمر (سيد الوعول) يعد أحد أهم المواقع الأثرية في صرواح، ويقع فوق تل طبيعي بارتفاع 10 أمتار عن قاع الوادي. لا يزال الجزء الشرقي من المعبد قائمًا بشكل نصف دائري بارتفاع 7 أمتار، مبنيًا بالحجر المصقول.
يحتوي المعبد على مائدة حجرية مستطيلة الشكل ومقاعد حجرية، وبجواره نقش النصر المشهور للملك السبئي “كرب إيل وتار” الذي يحكي انتصاراته في القرن السابع قبل الميلاد. جدران المعبد مزخرفة بنحت صخري يمثل رؤوس وعول، ولا تزال بعضها قائمة حتى اليوم.
البئر السبئية المقدسة: تقع على بعد 30 مترًا من معبد الإلهة القمر باتجاه الشمال، ولا تزال تعمل حتى اليوم. بجوارها برج بارتفاع 10 أمتار، يمثلان نموذجًا جيدًا للفن المعماري السبئي في صرواح.
-
رغوان
تقع إلى الشمال الغربي من مركز مدينة مارب، على بعد 60 كم. من أهم المواقع الأثرية فيها “خربة سعود” (كتال القديمة)، والتي كانت محطة تجارية هامة على الطريق التجاري القديم المعروف بطريق اللبان.
الموقع مشيد على تل مرتفع من سطح وادي رغوان، على شكل مربع بطول جوانبه 270 مترًا، ويحيط به سور دفاعي مع أبراج ارتفاعها 4 أمتار، وله بوابتان شمالية وجنوبية. كما تضم المنطقة بقايا أعمدة معبد وغيرها من المواقع الأثرية التي تحتاج إلى تنقيب لتكشف عن تاريخها.
-
الجُوبة
من أهم المواقع الأثرية فيها “يلا” الذي يقع شمال جبل مراد، ويبدو من بقايا الخرائب أنه كان موقعًا كبيرًا محاطًا بسور حجري طوله 230 مترًا وعرضه 170 مترًا.
-
حريب بيحان
تقع إلى الجنوب من مركز مدينة مارب. في الطريق إليها، بعد مسافة 30 كم، توجد بقايا آثار موقع “حفري”، الذي كان محطة تجارية قديمة. إلى الجنوب من “حفري”، يقع موقع “حنو الزرير” على الضفة الجنوبية لوادي شقير، الذي كان محطة تجارية على طريق القوافل القادمة من المدن القتبانية. يعد وادي شقير بمساحاته الشجرية المظللة المتنفس الرئيسي لسكان مدينة حريب.
نصائح وتوصيات للسياحة في مأرب:
- تجنب المشي في الظلام: قد تشكل الحيوانات البرية في بعض المناطق خطراً، لذا يُنصح بعدم التجول ليلاً لتجنب أي حوادث.
- تجنب السباحة في السدود والحواجز المائية: السباحة في هذه المواقع قد تكون خطرة. يجب منع الأطفال من الاقتراب من حواف السدود والمجاري المائية، والحذر من ممرات السيول.
- التخطيط المسبق للرحلة: تأكد من توفر جميع المتطلبات اللازمة للرحلة، خاصة في المناطق النائية التي قد تفتقر إلى الخدمات الأساسية.
- التمتع بالطبيعة دون الإضرار بها: احرص على حماية البيئة، ولا تترك مخلفاتك خلفك.
- اختيار الوقت المناسب للزيارة: يُفضل زيارة مأرب خلال فصلي الربيع أو الخريف، حيث يكون الطقس معتدلًا ومناسبًا لاستكشاف المنطقة.
- ارتداء ملابس مريحة: ننصح بارتداء ملابس وأحذية مريحة، خاصة إذا كنت تخطط للمشي لمسافات طويلة أو استكشاف المناطق الجبلية.
- شرب الكثير من الماء: من الضروري شرب الكثير من الماء، خاصة خلال أشهر الصيف الحارة.
- احترام العادات والتقاليد المحلية: تعامل مع السكان المحليين بلطف واحترام، واحرص على مراعاة تقاليدهم وعاداتهم.
التوصيات لتشجيع السياحة الريفية في مأرب:
- تحسين البنية التحتية: يجب على الحكومة اليمنية الاستثمار في تحسين البنية التحتية للمواقع السياحية في مأرب، بما في ذلك الطرق، وتوفير شبكات المياه والكهرباء، ووسائل النقل العام.
- تعزيز التسويق: ينبغي للحكومة الترويج لمواقع مأرب السياحية بفعالية، من خلال الحملات الإعلانية والمشاركة في المعارض السياحية الدولية، وإنشاء موقع إلكتروني يبرز مميزات السياحة الريفية في مأرب.
- نشر الوعي: يجب على الحكومة تعزيز الوعي بأهمية السياحة الريفية وفوائدها الاقتصادية والاجتماعية، عبر البرامج التعليمية وحملات التوعية.
- تحسين الأمن: ضمان سلامة الزوار من خلال تعزيز الأمن في المناطق الريفية والسياحية في مأرب.
- حماية البيئة: يجب اتخاذ خطوات لحماية البيئة في المواقع السياحية، من خلال سن قوانين بيئية وتنفيذ برامج توعية للحفاظ على الطبيعة.
- دعم المبادرات المحلية: دعم المشاريع المحلية التي تسهم في تطوير السياحة الريفية، مثل إنشاء فنادق صغيرة ومطاعم محلية، وتوفير فرص عمل للسكان المحليين.
- تطوير المنتجات السياحية: العمل على تطوير منتجات سياحية جديدة تلبي احتياجات مختلف الزوار، مثل برامج المشي لمسافات طويلة، ورحلات ركوب الخيل، وزيارات للحرف اليدوية.
- الحفاظ على التراث الثقافي: يجب الحفاظ على التراث الثقافي لمأرب من خلال ترميم المواقع التاريخية ودعم المهرجانات والفعاليات الثقافية.
أخيرًا،
تعد محافظة مأرب كنزًا سياحيًا ينتظر الاستكشاف. تتمتع بجمال طبيعي خلاب وتاريخ غني، ما يجعلها وجهة مثالية للسياحة البيئية والثقافية. تنوع البيئة والأنشطة الاقتصادية يضفي على مأرب طابعًا فريدًا، لتصبح وجهة لا تُنسى للسياح من جميع أنحاء العالم. من آثار الحضارات القديمة إلى المعالم الطبيعية الساحرة، تقدم مأرب تجربة سياحية تجمع بين جمال الطبيعة وعظمة التاريخ.
* هذا المقال ضمن سلسلة تسلط الضوء على “السياحة الريفية” في كافة المحافظات اليمنية، نستعرض فيها أبرز المواقع السياحية في ريف اليمن، ولا نقدم حصراً شاملاً لها.
قائمة المراجع:
– لسان اليمن، الحسن بن أحمد الهمداني، مجلدات الإكليل، الجزء الثامن.
– الدكتور جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج1، ص205.
– الدكتور يوسف محمد عبد الله، طريق اللبان التجاري – أوراق من تاريخ اليمن وآثاره، صنعاء، 1985م، ص39-45.
– الدكتور يوسف محمد عبد الله، المعجم السبئي – مدونة النقوش السبئية.
– موسكاتي، الحضارات السامية القديمة، ترجمة السيد يعقوب بكر، بيروت، 1957م.
– عبد الله محمد حزام وفاروق ثابت علي، دليل المرشد السياحي للجمهورية اليمنية.
– دراسات يمنية، العدد 42، 1990م.
– مجلة الإكليل – تاريخ اليمن الفكري والحضاري، العدد 23، 1995م، ص174.
– مجلة اليمن الجديد، السنة الحادية عشرة، يوليو 1982م، ص9-20.
– مأرب – نتائج حفريات البعثة الأثرية الألمانية في معبد بران (عرش بلقيس).