تتميز الأرياف في اليمن بمقومات جذب سياحي متعددة ومن ضمنها محافظة صنعاء، مما جعلها جزءاً من البرامج السياحية الداخلية والخارجية. ولكن، كما هو الحال في العديد من الدول، فإن السياحة تُعد من الصناعات الحساسة للغاية تجاه الأحداث التي تزعزع الأمن والاستقرار.
ومنذ اندلاع الحرب، توقفت حركة السياحة المنظمة وتعرضت الأنشطة السياحية للشلل التام، بينما لا تزال تداعيات هذه الأحداث تؤثر على البرامج السياحية الخارجية. وعلى الرغم من ذلك، تستمر حركة السياحة المحلية كظاهرة انتقال عفوية مؤقتة، حيث يترك العديد من سكان المدن المزدحمة مقار إقامتهم الدائمة ويتوجهون إلى مقاصد سياحية ريفية داخل وطنهم.
تتكون كل محافظة يمنية من مركز مدينة تتبعها عدة مديريات ريفية، حيث توجد في بعضها مقومات جذب سياحي متميزة. هذه المقومات تشمل متنفسات طبيعية خلابة، شواهد تاريخية، وتراثاً ثقافياً عريقاً يلبي رغبات السائح المحلي.
كما أن الوصول إلى هذه المواقع سهل نسبيا، مما يجعلها وجهة مثالية لقضاء أوقات مريحة بعيداً عن ضجيج المدن. في هذا المقال، سنستعرض أهم المعالم السياحية في ريف صنعاء، ونصائح لمن أراد زيارتها، بالإضافة إلى توصيات للسلطات لتشجيع السياحة الريفية.
مناخة والسياحة الريفية
تقع مديرية مناخة غرب صنعاء على الطريق الأسفلتي بين صنعاء والحديدة، وتبعد حوالي 142 كيلومتراً عن العاصمة. كانت في الماضي مركز مخلاف حراز، كما ذكرت في النقوش اليمنية القديمة باسم “أرض هوزن”.
في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي، كانت مناخة مركزاً هاماً لتجميع محصول البن قبل نقله إلى ميناء الحديدة للتصدير. في الوقت الحالي، تُعتبر وجهة سياحية في الجبال الطبيعية المتنوعة، وتعد سوقًا يوميًا لسكان القرى الجبلية المحيطة بتوفر جميع الخدمات الشاملة.
- الهجرة: قرية تاريخية تطل على وادي سحيق
تقع قرية الهجرة غرب مناخة، وهي واحدة من أجمل القرى اليمنية التي حافظت على قوامها وإيقاع الحياة اليومية فيها. تتميز الهجرة بمبانيها الحجرية العالية التي يصل ارتفاع بعضها إلى ثمانية طوابق، وتطل على وديان سحيقة ومدرجات زراعية جميلة.
بالقرب من قرية الهجرة يقع حصن مسار الأثري، الذي يحرسها من الجهة الغربية، وهو الحصن الذي انطلق منه علي محمد الصليحي، مؤسس الدولة الصليحية (1047-1138م)
الحطيب: النائمة فوق الضباب
شرق حراز، تنتشر فيه العديد من القرى الجميلة، وتتميز بأنها منطقة جبلية تتكون من عدة قرى وتحيطها أسوار عالية، تشبه القِلاع. يصل ارتفاعها إلى 3200 متر فوق سطح الأرض، لكن جوَّها دافئ ومعتدل.
يسكنها بنو إسماعيل، أو ما يعرفون بـ”الإسماعيليين” وعلى جانبي الطريق المؤدية إلى جبل الحطيب، يوجد ضريح الداعية الإسماعيلي حاتم بن إبراهيم الحامدي، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر الميلادي، ويُعد من أهم المزارات لأتباع الطائفة الإسماعيلية، الذين يأتون لزيارته سنوياً من أقطار عديدة.
تتميز بوجود منشآت سياحية، عدد من الفنادق والمطاعم، بالإضافة إلى مستشفى، ويوجد فيها حدائق ومتنزهات وبوابتي حراسة، ومبانٍ أخرى عبارة عن شقق مفروشة، وموقف خاص للسيارات، وكهرباء خاصة بالقرية.
شلالات صنعاء
- بني مطر
يعتبر شلال بني مطر من أبرز الوجهات السياحية الطبيعية، الواقع غرب العاصمة صنعاء. تأتي المياه إلى هذا الشلال من أعلى جبال مديرية الحيمة، وتسير في جدول طويل على مر الطريق، ومن خلاله يمكن للزائر مشاهدة سد يعمل على الحفاظ على هذه المياه.
المنطقة ليست مهيأة بالكامل للزيارة، لكن الطبيعة هنا تفوز دائمًا، حيث اتخذ الموقع لنفسه مكانًا قيّمًا بين الأماكن السياحية، ويزداد الضغط عليه خلال مواسم الأعياد بشكل خاص.
- بيت الكبش
شلال بيت الكبش على بعد 5 كيلومترات من شلال بني مطر، عبر مدخل مديرية الحيمة الداخلية. عند هذا الشلال، يستمتع الزوار بالمشي في المسارات الطبيعية، ومشاهدة المناظر الطبيعية، والاستحمام الذي يمارس عبر المنحدرات الجبلية. بالرغم من افتقاد المنطقة بالكامل من الخدمات، إلا أنها تُعَدُّ مكاناً طبيعيا رائعا.
- العقلة
يقع شلال العقلة في مديرية بني حشيش بقرية الحيوف، على بعد 35 كيلومتراً شمال شرق العاصمة صنعاء. رغم كونه غير معروف جيداً، إلا أنه يُعَدُّ من الشلالات الجميلة التي تطل على وادٍ سحيق يضم أشجار ومزارع العنب، ما يجعله وجهة مثالية لمحبي الطبيعة.
لؤلؤة همدان: وادي خصيب يزخر بالفواكه
هي وادي اللؤلؤة الخصيب على أحد جانبيه يوجد طريق اسفلتي يربط منطقة الصباحة بحقل همدان عند تقاطع الطريق الى شبام كوكبان، وهي من المناطق الزراعية الجميلة التي يقصدها الزوار للاستمتاع بالمناظر الطبيعية وما تقدمه من ثمار الفاكهة والخضروات.
يمكن للزوار التمتع بالتجول في المزارع، والتعرف على أساليب الزراعة التقليدية التي يتبعها أهل المنطقة منذ قرون، بالإضافة إلى التفاعل مع السكان المحليين.
- حجر سعيد: ملاذ للباحثين عن الاسترخاء
إحدى الوجهات الهامة التي يقصدها الكثيرون، وخاصة العائلات والمسافرين إلى محافظة المحويت، وهي قرية تابعة لمديرية همدان. وتطل على وادٍ خصيب ومساحات زراعية خضراء، مما يجعلها ملاذًا للكثيرين الباحثين عن الاسترخاء في أحضان الطبيعة.
- حجر عُكيش: منظر بانورامي من أعلى قمة
يقع حجر عكيش في جبل النبي شعيب في صنعاء، ويتيح للزوار فرصة الاستمتاع برؤية الينابيع الجارية والمناظر الجميلة للحقول الزراعية من أعلى قمة في الجزيرة العربية.
- وادي الحليلة: مناظر خلابة وقرية تاريخية
يقع وادي الحليلة بالقرب من منطقة متنة في بني مطر، ويتميز بإطلالات سياحية جذابة تجذب الزوار من مختلف المناطق. بالإضافة إلى الوادي، توجد سنافة الحليلة في منطقة متنة، وهي مشهورة بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بها، بمناطقها الزراعية الواسعة والمناظر التاريخية الجميلة لقرية الحليلة القديمة.
- بيت ردم: متنزهات طبيعية وقرية قديمة
تقع قرية بيت ردم بالقرب من قرية شهاب الأسفل في محافظة صنعاء، وهي من القرى النائية التابعة لمديرية بني مطر. تُعتبر هذه المنطقة واحدة من المتنزهات القريبة من محافظة صنعاء.
وتتميز بمناظر سياحية جميلة خلال فصل الصيف وانتشار المساحات الزراعية الخضراء، بالإضافة إلى وجود القرية القديمة والبركة القديمة التي تعبر عن مهارة الانسان اليمني في حجز المياه.
- قرية سنع: شلالات طبيعية وجمال خلاب
تقع الى الاعلى من حصن بيت بوس التاريخي جنوب غربي صنعاء، تتميز بالعيون الجارية والأشجار المثمرة بأنواع مميزة من الفواكه.
تتميز بمنازلها العالية المبنية من الاحجار وتغطيها الاشجار المعمرة ويتوسطها شلال مياهه جارية على مدار العام، يقصدها الزوار للتمتع بجمال الطبيعة وقضاء العطل الاسبوعية وخلال مواسم الاعياد وبالرغم من اهميتها السياحية الا انها تفتقر لأبسط الخدمات.
- قرية حمل: تطور عمراني ومناظر طبيعية خلابة
تعد قرية “حَمل” واحدة من القرى الجميلة القريبة من العاصمة صنعاء، وتقع بالقرب من منطقة “أرتل” الشهيرة كواجهة للعاصمة بعمرانها المستحدث، رغم ذلك تحافظ على العُمران التاريخي، وتزرع الجوز واللوز اليمني.
تتميز القرية بالتطور العمراني والمباني الفخمة والتصاميم الحضرية الرائعة، وتُعتبر مقصدًا سياحيًا ومكانًا للاسترخاء الطبيعي. تضفي ينابيع الطبيعة جمالًا على أودية المنطقة وتُجعلها غابة خضراء مليئة بأشجار العنبرود والبرقوق والجوز واللوز.
وادي جارف: ينابيع علاجية طبيعية
يقع الى الجنوب من العاصمة صنعاء بمسافة ٤٥كم ويعد من المقاصد السياحية القديمة لسكان العاصمة وبقية المحافظات المجاورة لوجود عدد من ينابيع المياه العلاجية الحارة التي يرتادها الزوار ويستخدمونها عشوائيا.
ويزداد الزوار إلى الوادي خلال فصل الشتاء وبالذات من كبار السن الذين يعانون من امراض المفاصل والروماتيزم اثناء ايام الشتاء الباردة في مناطق المرتفعات، ويعمل مناخ الوادي الحار القريب من السهل التهامي على تسكين الام المفاصل نظرا لارتفاع الوادي ١٥٠٠م عن سطح البحر.
يوجد فيه منشاة سياحية للعلاج الطبيعي تقدم خدمات الطب العلاجي الحديث بالمياه الطبيعية الحارة وفقا لمعايير علمية وصحية ويتوفر فيها كل التجهيزات الحديثة كما يتوفر فيها خدمات المبيت على كل المستويات وخدمات الطعام والشراب ومواقف السيارات.
ويقصد الزوار المنتجع لغرض العلاج والاستجمام او ممارسة الرياضات المائية او الترفيه وقضاء اوقات جميلة ويحيط بالمنتجع مزارع المانجو المترامية الاطراف وفاكهة الباباي وجميع انواع الخضروات.
- حصن غيمان: إطلالات خلابة وسد شاحك
يقع حصن غيمان في منطقة بني بهلول إلى الجنوب الشرقي من صنعاء على بُعد 20 كم. يطل الحصن على وادي غيمان، الذي يتميز بمناظره الطبيعية الخلابة التي تجذب الزوار.
في أعلى الوادي يوجد سد شاحك، حيث يتنقل الزوار بين مسطحاته المائية بواسطة قوارب صغيرة، لكنها لا توفر شروط السلامة والخدمات، يزداد الإقبال على هذا الموقع خلال العطلة الأسبوعية ومواسم الأعياد
دار الحجر: قصر فريد على قمة صخرة
يقع دار الحجر في مديرية همدان وسط وادي ضهر الشهير، على بُعد ١٤ كيلومتراً من صنعاء. يُعد هذا القصر الفريد من نوعه محطة جذب رئيسية بفضل تصميمه المعماري المذهل وتناغمه مع الطبيعة المحيطة. بُني القصر على قمة صخرة ضخمة، مما يمنحه إطلالة بانورامية تخطف الأنفاس.
يعود بناء دار الحجر إلى القرن الثامن عشر الميلادي ويوجد فيه بئر اثرية تخترق الصخر من الاعلى الى الاسفل بالإضافة الى احدى المقابر الصخرية القديمة، واستخدمه الإمام يحيى وولده أحمد بن يحيى حميد الدين (فترة حكمهما 1918 – 1962) كمقراً صيفياً لهما، وتحول القصر لاحقًا إلى متحف مشهور يزوره الكثيرون بانتظام. يُعَدُّ هذا الموقع وجهة مفضلة للرحلات العائلية وللاحتفالات المختلفة، مثل حفلات الزواج والتخرج.
يتألف القصر من سبعة طوابق بنيت باستخدام الحجر الأسود المعروف باسم الحبش. يتميز القصر بعدة مخارج وتصاميم تبريد مميزة تستخدم الأواني الفخارية. تُعتبر نوافذ القصر المزينة بالفنون المختلفة أحد أبرز معالمه، بالإضافة إلى إمكانية رؤية جميع القاعات والغرف والدرجات والعناصر الأخرى في القصر. تحيط بالقصر أشجار العنب والسفرجل والفرسك، مما يضيف إلى جاذبيته الطبيعية.
- وادي ظهر
يُعتبر وادي ضهر واحدًا من المواقع الأكثر جذبًا للسياحة والتنزه في الماضي والحاضر، حيث يبعد حوالي 14 كيلومترًا عن صنعاء. يضم الوادي العديد من المعالم الأثرية البارزة مثل دار الحجر وحصن دورم وقرية القابل التي تشتهر بمسجدها التاريخي وغيرها، لكن الأكثر شهرة وزيارة بالتأكيد هو دار الحجر.
يوفر وادي ضهر العديد من وسائل الترفيه والتسلية، مثل الجلسات على قمة الجبل التي توفر إطلالات رائعة، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأنشطة. يهتم الزوار بالتقاط صور تذكارية للوادي والمزارع الموجودة فيه، وزيارة جميع أقسام دار الحجر الأثري، وصعود إلى السطح لمشاهدة المناظر الخلابة والتقاط الصور.
نصائح للسياحة في ريف صنعاء
بعد الاطلاع على أهم المعالم السياحية في ريف محافظة صنعاء، نوصي باتباع النصائح التالية:
- تجنب السباحة في السدود والحواجز المائية: لا تجازف بالسباحة في هذه الأماكن وامنع أطفالك من الاقتراب من حوافها. كما يجب الحرص على عدم التواجد في ممرات السيول.
- التخطيط المسبق للرحلة: تأكد من توفر جميع المتطلبات اللازمة، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية.
- التمتع بالطبيعة دون الإضرار بها: امتنع عن إلحاق الضرر بالبيئة ولا تترك المخلفات خلفك.
- اختيار الوقت المناسب للزيارة: يُفضل زيارة ريف صنعاء في فصل الربيع أو الخريف، حيث يكون الطقس معتدلًا ومشمسًا.
- ارتداء ملابس مريحة: ننصح بارتداء ملابس مريحة وأحذية مناسبة للمشي لمسافات طويلة.
- شرب الكثير من الماء: من المهم شرب الكثير من الماء، خاصة في فصل الصيف.
- احترام العادات والتقاليد المحلية: تعامل بلطف واحترام مع السكان المحليين وكن حريصًا على احترام عاداتهم وتقاليدهم.
التوصيات لتشجيع السياحة الريفية
تحتاج السياحة في اليمن لعملية إنعاش كامل، ورغم أن البلاد تعيش حالة حرب لكن لن تستمر إلى الأبد، وستحتاج اليمن إلى التنمية في جميع المجالات لذا نضع هذه التوصيات المهمة، التي مفترض أنها مسؤولية الحكومة اليمنية، في تشجيع السياحة الريفية التي تحتاج إلى: –
• تحسين البنية التحتية: يجب على الحكومة اليمنية الاستثمار في تحسين البنية التحتية في المواقع السياحية، مثل بناء الطرق الممهدة، وتوفير شبكات المياه والكهرباء، ووسائل النقل العام.
• تعزيز التسويق: يجب على الحكومة الترويج للمواقع السياحية في الريف بشكل فعال، من خلال الحملات الإعلانية، والمشاركة في المعارض السياحية الدولية، وإنشاء موقع إلكتروني خاص بالسياحة الريفية.
• نشر الوعي: يجب على الحكومة نشر الوعي بأهمية السياحة الريفية، وفوائدها الاقتصادية والاجتماعية، من خلال البرامج التعليمية، وحملات التوعية العامة.
• تحسين الأمن: يجب على الحكومة اتخاذ خطوات لتحسين الأمن في الريف، لضمان سلامة الزوار.
• حماية البيئة: يجب على الحكومة اليمنية اتخاذ خطوات لحماية البيئة في المواقع السياحية، من خلال سنّ القوانين واللوائح، وتنفيذ برامج التوعية البيئية.
• دعم المبادرات المحلية: يجب على الحكومة دعم المبادرات المحلية التي تهدف إلى تطوير السياحة الريفية، مثل مشاريع بناء الفنادق والمطاعم، وتوفير فرص العمل للسكان المحليين.
• تطوير المنتجات السياحية: يجب على الحكومة اليمنية تطوير منتجات سياحية جديدة تجذب مختلف فئات الزوار، مثل برامج المشي لمسافات طويلة، ورحلات ركوب الخيل، وزيارات الحرف اليدوية.
• الحفاظ على التراث الثقافي: يجب على الحكومة الحفاظ على التراث الثقافي للريف، من خلال ترميم المواقع التاريخية، ودعم المهرجانات والفعاليات الثقافية.
في الختام، يُعد الريف اليمني كنزًا سياحيًا مخفيًا يجب اكتشافه، وتقديم تجربة فريدة للسياح المحليين والدوليين الذين يبحثون عن السلام والطبيعة بعيدًا عن صخب الحياة في المدن. ومع تحسن الأوضاع الأمنية، قد تعود هذه المناطق لتشكل جزءًا من الخارطة السياحية العالمية.
صورة الغلاف: قرية الهَجَرة في منطقة حَرَاز جنوب غربي صنعاء. تصوير: يحيى الحمادي/ أغسطس 2023
* هذا المقال ضمن سلسلة تسلط الضوء على “السياحة الريفية” في كافة المحافظات اليمنية، نستعرض فيها أبرز المواقع السياحية في ريف اليمن، ولا نقدم حصراً شاملاً لها.