يواجه سكان قرية الزِّتان الجبلية غرب تعز صعوبات وتحديات جمة في مختلف مجالات حياتهم اليومية، إذ يفتقرون إلى الطرقات، والمدارس الحكومية، والخدمات الصحية، والكهرباء منذ سنوات طويلة، دون أي تدخل من قبل السلطات المحلية لإنهاء هذه المعاناة.
وتقع القرية في عُزلة الشراجة، التابعة لمديرية جبل حَبَشي، في الريف الغربي لمحافظة تعز، ويكابد سكانها، البالغ عددهم ما يقارب 1700 نسمة، صعوبات العيش والحرمان مِن الخدمات الأساسية، فهم معزولون عن تطورات الحياة وحداثتها.
قرية الزِّتَان
يعتمد سكان القرية على مهنتَي الزراعة وتربية الحيوانات، بوصفهما مهنتين رئيسيتين من أجل العيش ومواجهة متطلبات الحياة اليومية، وذلك في ظلّ غياب الخدمات والوظائف الحكومية.
ويزرع سكان القرية الذرة، ونبتة “الحَلْقة” ذات الفوائد المتعدّدة، وتتميز بجودتها، وتُباع في مختلف الأسواق الشعبية بالمحافظة، بالإضافة إلى زراعة شجرة القات المستحوذة على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
مواضيع مقترحة
- سكان ريف تعز: كفاح من أجل توفير الغذاء
- مقبنة تعز.. ثكنات الحرب تمنع إنقاذ حياة المرضى
- نساء ريف تعز.. ضحايا الاحتطاب وغياب الخدمات
سعيد غالب (65 عاما)، أحد سكان القرية، يقول لمنصة ريف اليمن: “بالرغم من صعوبة الحياة، ما زلنا نعيش فيها كما فعل آباؤنا وأجدادنا، نزرع الذرة والحبوب والحلقة وشجرة القات. اعتدنا على الحياة بكل صعوباتها وخشونتها”.
ويضيف: “القرية أكسبتنا القدرة على تحمل صعوبات الحياة الريفية والجبلية، حتى المباني التي نسكن فيها مبنية بطرق بدائية، وفي الغالب لا تحمينا من متغيرات الحياة وتغيرات الطقس”، وتابع واصفا أحوالهم: “نحن في الحقيقة نصارع من أجل البقاء، ننقل احتياجاتنا الأساسية إلى أعالي الجبال سيرًا على الأقدام، أو على ظهور الحيوانات، نعاني كثيرًا في جلب مؤونتنا واحتياجاتنا من الأسواق، بسبب انعدام الطرق التي تربط قريتنا مع بقية القرى والعزل”.
وعورة الطريق
عن وعورة طريق القرية، يحكي أنور أحمد (42 عامًا) معاناة السكان لمنصة ريف اليمن قائلًا: “نذهب من قرية الزِّتَان إلى سوقَي البيرين والنشمة في مديرية المعافر مِن أجل التسوّق، على متن السيارات القادمة مِن مناطق بني بكاري والأشروح، ونعود مع هذه السيارات إلى نقيل ذي الليمة فقط”.
“على مدى سنوات كنا نضطر لحمل مؤونتنا من نقيل ذي الليمة إلى قريتنا مشيًا على الأقدام، فالقرية ليس فيها طريق تسمح بوصول السيارات”، يقول أحمد. ويضيف: “عانينا من انعدام الطريق كثيرًا، ودفعنا ضريبة ذلك من صحتنا وجهدنا وأوقاتنا، وكل ذلك لنتمسك بالسكن في هذه القرية رغم صعوبة الحياة فيها”.
وللتغلب على المعاناة، أطلق السكان مبادرة مجتمعية عام 2020 لشق طريق الزِّتَان – عرشان ورصفها وتوسعتها، وذلك بجهود ذاتية رغم تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
يقول مسؤول المبادرة أحمد الجهمي: “بعد عامين من انطلاق المبادرة، تقدّمنا بطلب إلى السلطة المحلية بالمديرية لإصلاح الطرق ورصفها، ونزل فريق من مكتب الأشغال العامة والطرقات بالمديرية، لمعاينة الطريق واعتُمدت أولويةً في الرصف”.
ويضيف: “قامت منظمة كير العالمية في عام 2022م برصف الطريق للتخفيف من وعورة الطريق، وبنت جدرانا ساندة لتجنب حوادث سقوط السيارات”.
وتابع: “رُصفت الأجزاء الأكثر وعورة في الطريق، وانتهت معاناة أرّقت السكان، وقد كان ذلك الوضع أسهم في عزل القرية بشكل كبير جدا، فالقرية عانت كثيرًا منذ سنوات لافتقارها لطريق تربطها مع بقية القرى والمدن”.
وعلى الرغم من تعبيد الطرق الوعرة، ظلّت معاناة السكان مستمرة، فهم يفتقرون إلى المراكز الصحية، والمرضى يتجرّعون الآلام والأوجاع، في حين يفتقرون إلى المدارس الحكومية، ويحرم الأطفال مِن الحصول على التعليم.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الانمائي، أصبحت الحياة أكثر صعوبة في المجتمعات الريفية في اليمن بسبب تقيد الطرق الوعرة الوصول إلى الخدمات الحيوية والموارد والتعليم وفرص العمل والإمدادات الغذائية.
غياب الصحة والتعليم
يقول محمد مهيوب (29 عاما) وهو أحد سكان القرية: “يفتقر السكان إلى أبسط الخدمات الصحية، وغيابُ المرافق الحكومية يفاقم معاناة السكان”.
ويضيف: “إذا تعرض المريض للإصابة بمرض الكلى أو الإسهالات المائية ليلًا، فإنه يتألم حتى الصباح، ثم يُنقل إلى إحدى مستشفيات مدينة تعز في رحلة تستغرق أكثر من 5 ساعات في سفر قاسٍ”.
وتابع: “أكثر مَن يعاني هم كبار السن والنساء الحوامل، وتكابد النساء آلام الولادة من دون أي إسعافات أو تدخل طبي طارئ؛ لأن القرية تفتقر إلى الأطباء والممرضين، وليس بها حتى قابلات”.
وعن حرمان الطلاب من مواصلة تعليمهم الدراسي، يقول عادل عبد الغني، وهو مدير مدرسة ابتدائية في الزِّتَان: “في القرية مدرسة حكومية واحدة، وهي مكوّنة من فصلين دراسيين فقط. هذه المدرسة ابتدائية لتدريس الطلاب الصغار في الصفوف الثلاثة الأولى، من الصف الأول إلى الصف الثالث الابتدائي فقط”.
ويضيف عبد الغني لمنصة ريف اليمن: “مَن يرغب في مواصلة تعلميه مِن أبناء القرية يضطر إلى الدراسة في قرى بعيدة، وذلك فيه مشقة، فالطالب يقطع فيها من 2 إلى 3 كيلو مشيًا على الأقدام يوميا من دون الحصول على تحصيل علمي يلبي طموحاتهم”.
ويدعو الجهات الحكومية إلى ضرورة دعم التعليم في القرية، وتوسعة المدرسة وبناء فصول إضافية، كي يتمكّن الطلاب والطالبات من إكمال تعليمهم، والتفرّغ لمواصلة تعليمهم الجامعي، لا سيما في الوقت الذي يتزايد فيه سكان القرية يومًا بعد يوم.
ويقول الناشط المجتمعي أمين نعمان: “تُعدّ قرية الزِّتَان مِن القرى الريفية التي تعاني الحرمان التام من كلّ الخدمات التنموية، وبالرغم من أنها عاصرت كل مراحل التغيرات في البلد، لم تستفد شيئًا”.
ويؤكّد نعمان في حديثه لمنصة ريف اليمن أن النساء والأطفال هم أكثر مَن يعاني مِن آثار انعدام الخدمات التعليمية والصحية، وأن معظم الأطفال من الذكور لا يواصلون تعليمهم الإعدادي والثانوي، ناهيك عن عدم حصول الفتيات على التعليم بالأساس، وهذا أمر خطير على المجتمع، ويُسهم في تفشي الجهل في صفوف النساء، في عصر توفّر المعلومات، وهو في الحقيقة أمر مؤسف.
ويلفت النظر إلى أن انعدام الخدمات، لا سيما الصحية منها، يؤثر على النساء خصوصا الحوامل منهن، واللاتي يتعرّضن لمشاكل صحية، ومنها مشاكل الإجهاض وضعف الرعاية الطبية أثناء فترات الحمل وسوء التغذية الحاد، وبعضهن يتعرّض للنزيف الحاد الذي قد يؤدي إلى الوفاة.
وتساءل نعمان عن دور الجهات الرسمية، المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، وقال إنه لم يرَ لها أي دور للتدخل في القرى الريفية الجبلية مثل قرية الزِّتَان ، التي تعيش أوضاعا قاسية بسبب انعدام الخدمات الأساسية، ما يؤثر على طبيعة حياة الأسر ثقافيا وعلميا وصحيا.