زيارة الأضرحة: يمنيون يشترون “الخُرافة” بالسمن والعسل

فكرة تقديس "الولي" في ريف اليمن.. كيف تسلب أموال الناس؟

زيارة الأضرحة: يمنيون يشترون “الخُرافة” بالسمن والعسل

فكرة تقديس "الولي" في ريف اليمن.. كيف تسلب أموال الناس؟

تنتشر في ريف اليمن كثير من الأضرحة والمزارات والتي يعتقد السكان أنها تمنحهم البركة والرزق، وظلت محل جدل ونقاش خلال العقود الماضية، ورغم تراجع زوار تلك الأضرحة إلا انها مازالت في بعض المناطق تستنزف أموالهم أحياناً في عادات وطقوس التقرب إلى ما يعرف بـ”الولي”.

“محمد فؤاد” – من سكان الحجرية في تعز – يقول “في قريتي مازال بعض الناس يعتمدن على الخرافة، فإذا مرض شخص أو سُرق شي من ممتلكاته، يذهب إلى قبة الولي ليقدم السمن والعسل وبعض الأشياء، ويطرحها داخل الضريح معتقدا أن هذا سيُشفى مريضة أو يُكشف السارق”.

على مدى قرون من الزمن يتوارث الناس في اليمن وكثير من دول العالم معتقدات بأهمية الأضرحة، ويثار الجدل الديني حولها ما بين التحريم والاعتقاد بأهميتها فيما يرفضها العلم ويعتبرها “خُرافات”، ويتوسع الاعتقاد بأن المزارات تقدم الخير والشر في المناطق الريفية نتيجة لتدني مستوى التعليم.

طقوس زيارة الأضرحة

يبرز قبر أو ضريح “الولي” في بعض الأرياف في اليمن كأحد المزارات في القرى الصغيرة، ويذهب بعض السكان إليها من أجل الحصول على البركة أو ما يعرف بـ “التبَرّك بالأضرحة”، فتُقدم لها الهدايا المختلفة، ويُطلب من صاحبها الذي مات منذ زمن طويل جلب منفعة أو دفع ضرر.

زيارة الأضرحة: يمنيون يشترون "الخُرافة" بالسمن والعسل
ضريح في ريف تعز تظهر فيه فتحه صغيرة مخصصة لوضع الهدايا التي يقدمها الزوار (ريف اليمن)

ويقول محمد فؤاد (26 عاما) وهو من سكان الحُجَرية: “إن ظاهرة الولي أو ما يسمى قبر الولي شهدت تراجعا، لكنها لا تزال مستمرة في بعض المناطق الريفية؛ إذ يعتقد البعض أن الأولياء يجلبون الرزق ويدفعون البلاء وغيرها من الأمور التي لا يقبل العقل الواعي”.

وأضاف في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “هناك يوم في السنة يُسمى “يوم الوجيه”، يقوم الناس فيه بعمل سوق جوار قبة الوجيه، وهو أحد الأولياء، وتُمارس بعض الطقوس مثل الرقصات الشعبية وغيرها”.

تتنوع الطقوس والممارسات التي يقوم بها بعض السكان تبرّكا بالأضرحة، منها إشعال الشموع والبخور، ووضع هدايا عليها، وأبرزها السمن والعسل، وبعض المأكولات، بل أحيانا توضع النقود، ظنا منهم أن صاحب القبر، أو ما يُسمى “الولي”، يمكن أن ينفعهم ويُقدّم الخدمات التي تُطلب منه.

وبعضهم يسافر من مناطق بعيدة الزيارة الأضرحة، وإقامة اهازيج وتراتيل دينية تعرف بـ “المولد” المصحوبة بالهدايا والذبائح وغيرها من العادات الخاطئة؛ إذ ما يزال البعض يعتقد ببركات قبور الأولياء وكراماتهم، كقبر أحمد بن علوان الواقع في منطقة يَفْرُس التابعة لمديرية جبل حبشي غربي المدينة.

خداع الناس واستغلالهم

وأسهم تدني التعليم السائد في أوساط سكان الأرياف في انتشار تلك المعتقدات التي لا تزال حاضرة في قرى ومناطق ريفية بنسبة متفاوتة، ويحرص من يجنون المال من ورائها على تجذيرها بين أفراد المجتمع، بوصفها وسيلة سهلة للتربّح، وذلك بخداع البسطاء وإيهامهم أنها تنفع وتضر وتعطي وتمنع.

ورأى أستاذ علم النفس بجامعة تعز الدكتور جمهور الحميدي “إن هذه الظاهرة اتخذها حرفةً أناسٌ لا يمتلكون أرضا لزراعتها أو مصادر دخل أخرى، فنصّبوا الأولياء وبنوا الأضرحة وجعلوا منها وسيلة استرزاق يستغلون بها حاجة الناس البسطاء الضعفاء”.

ويضيف لمنصة “ريف اليمن”، “الإيمان بهذه المعتقدات من الجانب النفسي والاجتماعي يعتبر ضمن محاولات اصطفاء مجموعة من الناس يُعتقد أنهم يشفون المريض ويجلبون الرزق”.

زيارة الأضرحة: يمنيون يشترون "الخُرافة" بالسمن والعسل
جامع أحمد بن علوان غربي تعز، ويعد من أبرز المزارات لاحتوائه على ضريح بن علوان (أنس الحاج)

وتابع الحميدي “أن هناك دلالات سيكولوجية تدخل ضمن مصفوفة الأفكار اللاعقلانية التي تعتبر جزءا من محاولة إيجاد من يقوم بحل مشكلات المجتمع دون بذل جهد عقلاني لحلّها، وكلّ ذلك يدخل ضمن الشعوذة والتفكير الخرافي واستغلال بسطاء الناس ماليا”.

من جانبه قال الباحث في الفكر الإسلامي عبد الحكيم المُلَيكي “هذه الظواهر جاءت نتيجة وجود طوائف دينية في المجتمع، وأفكار فُهمت عند الناس بشكل خاطئ، مما جعل الناس يمجدونها ويتبركون بها، وما زالت موجودة بشكل لافت، وتختلف من منطقة لأخرى”.

أسباب انتشار الخُرافة

يعود تقديس ما يسمون بـ”الأولياء” في اليمن إلى اعتقادات قديمة برزت في كثير من الشعوب، ولها تأريخ مرتبط بالإرث الاجتماعي والثقافي تشكل وتطور في مراحل عديدة، وأبرزها الاختلاف المذهبي والطائفي الذي تنامي في اليمن التاريخي مع نشوء أنماط من الحكم المختلفة منذ ما بعد دخول الإسلام في القرن السابع ميلادي.

وعن أسباب الخرافة، قال الباحث المليكي “أن الجهل هو سبب استمرار تلك العادات ونحتاج إلى جهد كبير لمعالجتها”، لافتا إلى أن “نشر الوعي وتوفير من يقومون بتنوير أبناء المجتمع وتعليمهم يمكن أن يُنهي هذه الظاهرة، فالنقطة الفاصلة بين تبجيل قبور الأولياء والتبرك بها أو التخلي عنها هو الوعي والعلم”.

ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتور عدنان القاضي “أن هذه الممارسات لها جذور ثقافية ودينية عميقة، وقد تكون متجذرة في تاريخ المجتمعات المحلية، ومما يجعلها راسخةً مستمرةً التقاليدُ الثقافية المتوارثة”.

وأضاف في حديث لمنصة “ريف اليمن”، “أن التجارب الشخصية التي يربطها بعض الأفراد بالبركات التي حصلت مصادفة بعد زيارة الأضرحة، والشعور بالانتماء، والعوامل النفسية، فيلجأ الناس إلى هذه المعتقدات وسيلةً للراحة النفسية”.

يشدّد القاضي أنّ الحد من هذه الظواهر يتمثل في اتخاذ عدة خطوات، أهمها التوعية والتعليم، وتشجيع الحوار بين الأجيال المختلفة حول المعتقدات والتقاليد، مما يسهم في فهمها ونقدها، وتقديم البدائل بتوفير خيارات روحانية بديلة تعزز من الإيمان الصحيح والدعم المجتمعي.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: