يتخوف المواطن علي عبد الحفيظ (26 عاما) من عودة انتشار وباء الكوليرا، ويخشى أن يُصاب به هو أو أحد أفراد عائلته، وذلك مع استمرار إغلاق المركز الصحي الوحيد في منطقته الواقعة في ريف محافظة تعز، وتحويله إلى ثكنة عسكرية.
وكان عبد الحفيظ ومعه آلاف من سكان عُزلة اليمن مديرية مَقبنة، يعتمدون على مركز الكويحة الصحي الوحيد في منطقتهم، وبعد أن حُوّل إلى ثكنة عسكرية، زاد الأمر تعقيداً، وباتوا يفتقدون أبسط الخدمات، ويجبرون على قطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مركز صحي.
يقول عبد الحفيظ لمنصة ريف اليمن: “كنا نقطع مسافات قليلة للحصول على الخدمات الصحية، أما الآن ونتيجة لاستمرار إغلاق المركز، فالمواطنون مجبرون على السفر لمسافة 10 كيلومتر عبر طرق وعرة، للوصول إلى مركز الأشروح الطبي الذي يُعد أقرب مركز للمنطقة.
سكان مقبنة تعز
ويتذكر عبد الحفيظ معاناته مع إصابة شقيقه، فيقول: “أُصيب شقيقي بحمى فيروسية، ولأن المركز بعيد لم نتمكن من إسعافه، ومكث في المنزل قرابة أربعة أيام من دون حصول على علاج، وعندما ساءت حالته، اضطررنا إلى الذهاب به إلى مركز مناقل الطبي في عزلة بني بكاري لتلقي العلاج”.
ويضيف: “عاش شقيقي مع الألم طوال أربعة أيام، ولم يكن عدم إسعافه تهاونا، بل لانعدام الإمكانيات المالية، وحينما تمكّنتُ من اقتراض المبلغ المطلوب، ذهبنا به للعلاج”، ويذكر أن حياته المادية صعبة، وأنه يعتمد على رعي الأغنام لتوفير القوت اليومي لأسرته.
وبحسب منظمة اليونيسيف، يقف النظام الصحي في اليمن على شفير الانهيار بسبب النقص الحاد في الأدوية والمعدات والموظفين، وإذا لم يُوفر الدعم اللازم، فسيصبح الأمر كارثياً.
ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية، فإن 46٪ من إجمالي المرافق الصحية في اليمن، تعمل جزئيًّا، أو قد تكون خارجة عن الخدمة بشكل كلي.
قال مدير مكتب الصحة بمديرية مقبنة الدكتور توفيق الخليدي: “إن الحرب تسببت بإغلاق كثير من المراكز والوحدات الصحية في الأرياف، ما جعل حياة كثير من المواطنين أكثر تعقيدًا”.
وأضاف لمنصة ريف اليمن “أن المرافق الصحية، التي لا تزال تعمل، لا تقدم الخدمات الطبية للمواطنين بالمستوى المطلوب، وتعاني من نقص كبير في الكادر والمستلزمات”.
غياب دعم المراكز الصحية
إلى ذلك أرجع، نائب مدير مركز الأشروح الطبي، الدكتور جهاد التاج، سبب تراجع مستوى المراكز الصحية في تقديم الخدمات الطبية للمواطنين لغياب الدعم من قبل المنظمات والجهات الحكومية.
ويضيف لمنصة ريف اليمن: “المنظمات المتخصصة في المجال الصحي تستهدف المرافق الصحية في المدن بشكل متكرر، أما المراكز في المناطق الريفية، فلها النصيب الأقل من الدعم لوقت محدود”.
تماما مثل عبد الحفيظ ، مرّ المواطن محمود القاحلي (44 عاما) بمعاناة كبيرة، حينما أُصيب نجله بمرض الكوليرا قبل عامين، فقد مكث ليومين من دون علاج، بسبب بُعد المركز الصحي، وانعدام المال المطلوب لإسعافه.
يقول القاحلي لمنصة ريف اليمن: “بعد حصولي على المال، أسفعناه إلى مركز الأشروح لتلقي العلاج، لكن حالته تدهورت بسبب تضاعف المرض نتيجة الإسهال الحاد، وعلى الرغم من افتقار مركز الأشروح للعلاجات والأدوات، لم يكن هناك من خيار أمامنا”.
الطبيب ماهر الكويحي – أحد العاملين في المركز الصحي – قال: “إن الحياة الصحية لسكان المنطقة ازدادت تدهورًا بعد إغلاق المركز الطبي الذي كان ملاذا للمواطنين للحصول على الخدمات الصحية”، ويلفت النظر إلى أنه قد تحوّل لثكنة عسكرية، وأن ممتلكاته الطبية نُهبت.
ويضيف لمنصة ريف اليمن “سكان المنطقة، خاصةً النساء والأطفال، يعانون ويلات المرض، ومعظم المواطنين لا يملكون المال للذهاب إلى المراكز الأخرى بسبب بعدها عن المنطقة”.
أطفال بدون لقاحات
ولا يحصل الأطفال على التطعيم ضد شلل الأطفال والحصبة والحميات، بحسب ما أفاد الطبيب الكويجي محذرا من أن حرمانهم من ذلك قد يتسبب بكارثة مستقبلية وانتشار الأمراض بما يسبب في ارتفاع نسبة الوفيات.
ويقول مصطفى غليس (أحد سكان المنطقة): “إن إغلاق المركز تسبب بحرمان الأطفال من اللقاحات، وعدد من الأطفال أصيبوا بالشلل والحصبة بسبب حرمانهم من اللقاحات”،
وناشد السكانُ – عبر منصة ريف اليمن – مكتبَ الصحة بالمحافظة والمنظمات بالنظر إلى حالتهم الصحية، والعمل على الحفاظ على حياة أطفالهم، وإعادة تفعيل المركز أو إنشاء مركز بديل للتخفيف من معاناة السكان.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لم يُحصّن نحو ثلث الأطفال اليمنيين بشكل كامل ضد الأمراض الفتاكة الرئيسية التي يمكن الوقاية منها باللقاحات كالحصبة والحصبة الألمانية، وهذا أدى بالمجمل إلى حقيقة أن اليمن يعاني من أحد أعلى معدلات وفيات الأطفال في العالم.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من ثُلثَي سكان اليمن (21.6 مليون شخص) بحاجة ماسة إلى مساعدات وأصبح قرابة 17.8 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات صحية، ونصفهم أطفال، بحسب الصحة العالمية.