أن يصبح تجهيز الطعام لأطفالك مأساة تفكرين بها يوميا، تفكرين كيف ومن أين ستجلبين الحطب لصناعة الوجبة التي قد تكون الأخيرة في حياتك، هذا هو حال النساء القاطنات بأرياف مدينة تعز، المدينة التي توفيت كثير من نسائها بسبب جمع الحطب.
الاحتطاب عمل تمارسه نساء الريف اليمني، ويمثل فصلا من فصول المعاناة التي يعشنها بسبب افتقار المناطق الريفية للخدمات الأساسية كالغاز والمياه وغيرها، حيث لا تزال الأعمال الشاقة حاضرة، ومعها يحضر الخطر والموت اللذان يتربصان بالنساء.
أميرة مُصلح (30 عاما) هي آخر ضحايا الاحتطاب وغياب الخدمات، فقد ذهبت في إحدى الصباحات لجلب الحطب من أجل طهي الطعام، قبل أن ترضع طفلها، لكنها لم تعد إلا جثة هامدة، إثر سقوطها من أحد الجبال الشاهقة بمنطقة مَقْبَنة بريف تعز الغربي.
تقول السيدة فاطمة (والدة الضحية) متحسّرة: “لا يزال الألم يعتصر قلبي، وما زلت أتذكر ذلك اليوم المرعب، حين أمرت فلذة كبدي بالذهاب قبل بزوغ الشمس لجلب الحطب من أجل تجهيز الطعام، باعتباره الوسيلة المتوفرة لتحضير الطعام نتيجة ارتفاع أسعار الغاز”.
وتضيف فاطمة في حديثها لمنصة ريف اليمن: “ذهبت أميرة لكنها سقطت من على الجبل، كنت أنا وطفلها بانتظار وصولها، إلا أن خبر سقوطها ووفاتها وصل قبلها، وقد وقع عليّ كالصخرة، عادت وهي جثة هامدة. يا للوجع لقد توفيت قبل أن ترضع طفلها ذا السبعة الأشهر”.
حواد للنساء متكررة
لم تكن أميرة الأولى ولن تكون الأخيرة؛ إذ يستقبل أهالي بعض المناطق الريفية بتَعِز، بين الفنية والأخرى نبأ وفاة أخت أو أم أو زوجة، نتيجة سقوطهن من مرتفعات جبلية بعد رحلة شاقة للبحث عن الحطب، وهذا ما حدث مع المواطن ناجي البُكاري الذي فقد زوجته للأسباب نفسها.
ويقول البكاري: “بمنطقتنا توجد جمعية لحماية الأشجار ومُنع الاحتطاب الجائر، ويُسمح بالاحتطاب في فترات محدودة بذلك، وعادة يكون يومين فقط”.
ويضيف لمنصة ريف اليمن، “وقعت الكارثة منتصف أكتوبر من عام 2015 حيث سُمح بالاحتطاب، وذهبت زوجتي للجبل وعادت بحزمة كبيرة، لكنها عاودت الذهاب باعتبارها فرصة محدودة للاحتطاب، ولم تكن تعلم أنها الرحلة الأخيرة من عمرها حيث سقطت من هاوية الجبل وتمزّق جسدها بعد تدحرجها، وغادرت الحياة”.
وعن دورة الجهات المعنية إزاء هذه الحوادث قال البكاري: “إنها غائبة”، مشيرا إلى أن المواطنين يكتفون بدفن الضحايا، ولا يقومون بالإبلاغ عنها لدى الجهات المختصة، مؤكّدا سقوط نحو 8 نساء خلال فترات زمنية متقطعة، وتُدفن الجثامين باعتبارها حادثة عرضية، من دون المطالبة بوضع الحلول.
المشهد المرعب نفسه كان قد ابتلع نجيبة فاروق بقرية الزتان بريف تعز الغربي لحظة صعودها إلى الجبل لجلب الأعلاف وتقطيع الأشجار الخضراء غذاءً للمواشي خلال فصل الشتاء.
تقول والدة نجيبة لريف اليمن: “اعتلت نجيبة تلة شاهقة، وقامت باقتلاع جذر شجرة، فهوت إلى آخر منعطف من الجبال، وتسبب ذلك فأصيبت برأسها وكسور بالقدميين، ولم تمكث بالعناية سوى شهرين وفارقت الحياة متأثرة بإصابتها”.
المحامي القانوني علي الصراري ذكر لمنصة ريف اليمن أن غياب الوعي في المناطق الريفية والتعامل مع الأحداث على أنها قضايا عرضية يجعلها تستمر، هذا مع غياب شبه كامل للجهات الرسمية لإرشاد المواطنين لتوخّي الحذر من المنحدرات الشاهقة.
ويضيف الصراري في حديثه مع منصة ريف اليمن قائلا: “هذه الحوادث لا أحد يلتفت إليها، ومن الصعب الوصول لها، نتيجة الجهل المجتمعي بالإبلاغ عن هذه الوقائع للجهات المختصة، الأمر الذي يجعل هذه الحوادث مجهولة عن الأنظار ولا نصير لها”.
ويتابع: “تختلف الانتهاكات وسوء الخدمات بالنسبة للمرأة الريفية بحسب كل منطقة باليمن والطرف المسيطر عليها، وكل هذه العوامل كان لها دور محوري في تقويض وصول الخدمات والمناداة بحقوق المرأة الريفية، إلى جانب توقف العمل بكل البرامج المعتمدة من الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية التي كانت متوفرة للنساء الريفيات.
المرأة الريفية وغياب الاهتمام
أما رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات المحامية هدى الصراري، فقد قالت: “إن تقصير الجهات المسؤولة في إيصال الخدمات الأساسية للمناطق الريفية، بالإضافة إلى غياب دور المجتمع والحقوقيين والحراك النسوي في تسليط الضوء على الصعوبات والتحديات التي تواجهها النساء الريفيات، أسهم في توسيع فجوة المعاناة الغائبة عن الإعلام”.
وأكّدت الصراري في حديثها مع منصة “ريف اليمن” أن توفير الخدمات الضرورية للريف أبرزها المياه والغاز سيجعل النساء يستغنين عن هذه الأعمال الشاقة والخطيرة، وبالتالي ستكون طريقا رئيسا يمهد لحل هذه المشكلة.
وشددت الصراري على أن التقصير في رصد هذه القضايا تتحملها الدولة بدرجة أساسية، لأنها مسؤولة عن إرادة ومطالب المرأة الريفية، مشيرة إلى أن انخفاض الصوت النسائي العامل بتبني قضايا المرأة الريفية أدى لانصراف توجه برنامج الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لأهداف بعيدة عن الاحتياجات الضرورية للمرأة الريفية.
ومع استمرار الغياب شبه الكامل للخدمات الضرورية بالأرياف، ولا سيما الغاز، ستبقى هذه الحوادث المؤلمة مستمرة، حيث تُجبر النساء على ممارسة هذه الأعمال الخطيرة والمرهقة، في ظل عدم اكتراث السلطات المحلية والمنظمات الحقوقية بما يحدث، بالإضافة إلى غياب التوعية، وهو الأمر الذي يُسهم في زيادة هذه الحوادث المؤسفة.