يتمسّك عبده حسن (39 عاما) بمهنة عصر زيت السمسم التقليدية التي ورثها عن والده منذ سنٍ مبكرة، فهو يمارسها منذ 17 عاما، وتُعد مشروع دخله الوحيد، التي تُعينه على تجاوز صعوبات العيش، في بلد يشهد صراعا منذ نحو عشر سنوات.
وتٌعد معاصر زيت السمسم من أقدم المهن الحرفية التي مارسها الأجداد القدماء منذ عقود طويلة؛ ولاتزال صامدة حتى اليوم بمختلف المناطق في اليمن، مع إدخال تقنيات جديدة، جعلتها أسهل وأكثر انتاجا.
معاصر زيت السمسم
يشرح حسن مراحل إعداد زيت السمسم لمنصة ريف اليمن قائلاً: “تبدأ أول مرحلة عصر السمسم باختيار السمسم الجيد وتنظيفه وتنقيته من الأتربة والشوائب، ثم بوضعه في آلة عصر السمسم مع إضافة كمية من الماء الساخن، وتُترك هذه الآلة لتعصر بواسطة محرك مثبت في الأعلى”.
ووفقاً لحسن الذي ينحدر من قرى بني عَبس، تُعدّ تلك الطريقة حديثة؛ إذ كان القدماء يستخدمون الجِمال لعصر السمسم في آلات مشابهة، لكن استخدام تلك الطريقة انتهى؛ لأنها مكلفة، وتحتاج إلى أماكن واسعة تكفي للجمال وحركتها، وكان إنتاجها قليلا أيضا.
قصص مقترحة
- زراعة السمسم في تهامة.. مهنة تقاوم الصعوبات
- المرأة الريفية تكافح بمشاريع صغيرة لتأمين الغذاء
- الجبن البلدي وجبة شهية ووسيلة للعيش في ريف تعز
وتتكون آلة العصر من جذع أسطواني مجوّف من الداخل، تعلوه عِصيّ مثلثة الشكل تتوغل إلى داخل الجذع لعصر السمسم، ويوضع المحرك العلوي في مكان مرتفع عن الآلة، كما توضع أكياس ثقيلة ممتلئة بالتراب على الجزء الخارجي من العِصيّ للضغط على عملية العصر لاستخلاص الزيت.
أما عن الجودة فيقول حسن: “جودة زيت السمسم من جودة السمسم نفسه. هناك أنواع عدة للسمسم، منه المحلي، ومنه الحبشي الذي يُستورد من الخارج، ويؤكد أن السمسم المحلي أكثر جودة ولذة، وأكثر ضمانة في عمليات الغش”.
ويحرص كثير من اليمنيين على شراء زيوت السمسم؛ إذ يستخدمونه في تجهيز بعض الأطعمة، ويتراوح سعره في الأسواق بـ2500 ريال للقنينة صغيرة الحجم. وتقول السيدة صفية عبد السلام (57 عاما): “نشتري زيت السمسم في المناطق الريفية بتكلفة أعلى من المدينة، ويصل سعر القنينة الصغيرة في الريف إلى 3200 ريال، عن طريق الباعة، وتزيد التكلفة بسبب النقل والمسافة”.
غذاء وفوائد صحية
تؤكد السيدة صفية، وهي إحدى نساء ريف الحُجرية بمحافظة تعز، لمنصة ريف اليمن: “لا يمكننا الاستغناء عن زيت السمسم في حياتنا الريفية، نستخدمه في الأكلات الشعبية المتنوعة: الفتة والعصيد والجاروشة وغيرها، ويستخدمه كثير من سكان الريف، في عملية طهي الطعام بدلاً عن الزيوت الأخرى”.
وتضيف: “هناك استخدامات علاجية أخرى لزيت السمسم، مثل التدليك، ولا سيما للأطفال حديثي الولادة، ويستعمل في الريف لالتهابات الحلق، ويُستنشق لمعالجة مشكلات التنفس”.
في السياق نفسه، تقول اختصاصية التغذية إرسال الشرعبي: “زيت السمسم من الزيوت الغنية بالعناصر الغذائية، وله دور مهم في صحة الإنسان؛ لأنه غني بمعدن المغنيسيوم الذي يؤدي دوراً مهماً في صحة العظام والعضلات، ويعمل على تنظيم ضغط الدم وتحسين وظائف القلب”.
وتضيف الشرعبي التي تعمل في مركز “الاستشاريون الطبي” بتعز لمنصة ريف اليمن: “زيت السمسم غني بمعدن الكالسيوم الذي له دور كبير بصحة الأسنان، ويمنع الإصابة بهشاشة العظام، ومكافح للأكسدة، فهو يحتوي على مضادات الأكسدة التي لها دور مهم في محاربة الجذور الحرة التي تقلل من الأضرار الناتجة عن الأكسدة وتحارب الشيخوخة”، وتابعت: “زيت السمسم يسهّل من عملية الهضم، ويساعد في دعم صحة الجهاز الهضمي بسبب احتوائه على كمية جيدة من الألياف الغذائية”.
وتشير الدراسات إلى أن زيت السمسم، يقي من كثير من أمراض القلب وتصلب الشرايين، ويبطئ من تراكم الدهون على جدران الشرايين، وينظم مستويات السكر في الدم، ويخفّض من مستويات ضغط الدم، ويحسّن صحة العظام، وله غير ذلك من الفوائد الصحية.
محصول السمسم
يُزرع السمسم مرتين في العام الواحد، فيبدأ الأول في الصيف وينتهي في الخريف، ويبدأ الثاني في منتصف الشتاء وينتهي في الربيع، وتنتشر زراعته بمحافظات، مثل: الحديدة، مأرب، لحج، حجة، أبين، شبوة، ريمة، البيضاء، تعز، الجوف.
وبحسب بيانات رسمية، تحتل الحديدة المرتبة الأولى في إنتاج السمسم بكمية تقدر بنحو 5.8 آلاف طن سنويا، ويزرع بمساحة تقدر بـ7000 هكتار، تليها محافظة مأرب بكمية إنتاجية تقدر بنحو 4.9 آلاف طن سنويًا من مساحتها الزراعية المقدرة بنحو 3400 هكتار، ثم تأتي محافظة أبين ثالثًا.
المزارع يحيى عبد الرب البالغ من العمر 47 عاما أحد مزارعي السمسم بمحافظة تعز قال: “إن فترة زراعة السمسم تتراوح بين 90 – 100 يوم، وهناك نوعان من السمسم: الأسود، ويفضل أن يُزرع في الشتاء؛ لأنه يتحمل البرودة، أما السمسم الأبيض، فيفضل زراعته في بقية فصول السنة”.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه زراعة بذور السمسم مثل عدم توفر الآلات الحديثة، وشحة المياه الكافية للري، وغياب دور الجهات المعنية، يؤكد عبد الرب أن زراعة السمسم مستمرة والمحاصيل تنمو بجهود ومثابرة المزارعين.
وتأتي أهمية السمسم، بحسب دكتور الاقتصاد بجامعة تعز محمد قحطان، من أنه نوع من أنواع الحبوب التي تستخرج منه أهم أنواع الزيوت النباتية، وهو زيت السمسم، ويستخدم في شتى الوجبات، كما يستخدم في الطبخ، وبالإضافة لذلك، تُصنع منه أجود أنواع الحلويات مثل حلاوة الطحينية.
ويضيف قحطان لمنصة ريف اليمن: “ينبغي أن تُعطى زراعة السمسم قدرا عاليا من الاهتمام الحكومي، وأن توسّع الأراضي الزراعية للسمسم، لما يوفره من مواد غذائية ضرورية للسكان”، ويلفت إلى أنه إذا توسعت الأراضي الزراعية الخاصة بالسمسم، فيمكن أن يغطي حاجة السوق المحلي بزيت يتفوق بجودته على جميع أنواع الزيوت الأخرى، ويمكن بذلك تحقيق فائض مادي بتعليبه وتصديره لأسواق الدول الأخرى، وبالتالي زيادة الإيراد المالي للبلاد.
الجدير بالذكر أن إنتاج اليمن في السمسم تراجع في السنوات العشر الماضية من 25.3 ألف طن إلى 22.6 ألف طن، فيما تراجعت مساحة الأراضي الزراعية المنتجة للسمسم من 23 ألف هكتار إلى 18 ألف هكتار منذ مطلع 2016م، وفقا لبيانات حكومية.