المرأة الريفية تكافح بمشاريع صغيرة لتأمين الغذاء

المرأة الريفية تكافح بمشاريع صغيرة لتأمين الغذاء

تعمل نجوى محسن (42 سنةً) في بيع الملابس النسائية، لتأمين لقمة العيش لأفراد عائلتها، في غرفة صغيرة داخل منزلها التي تسكن فيه مع أطفالها التسعة في ريف محافظة إب وسط اليمن، على غرار العديد من النساء اليمنيات اللواتي يعملن لتأمين الغذاء في ظل الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من ثماني سنوات.

وتسبب الحرب في اليمن بمقتل مئات الآلاف من المدنيين ونزوح الملايين، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتي بدورها انعكست سلبًا على حياة اليمنيين، بمختلف مجالات حياتهم، خاصةً شريحة ذوي الدخل المحدود من العمال والفلاحين، وصولًا إلى الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم منذ سنوات، وهو ما دفع الكثير من النساء إلى سوق العمل تحت ضغط الضرورة.

مؤخراً تمكنت الكثير من النساء في المناطق الريفية، من مقاومة ظروف الحرب القاسية، وساهمنّ بتأمين الغذاء بجانب أزواجهن من خلال العمل في التجارة والحرف اليدوية، والزراعة، وكانت لهن إسهامات كبيرة في التخفيف من معاناة الكثير من الأسر في بلد صُنفت ضمن أسوأ الأماكن للعيش في العالم.

كفاح المرأة الريفية

مطلع 2018 أي بعد عامين من توقف راتب زوجها الذي يعمل في قطاع التعليم بمحافظة إب، بدأت “نجوى” العمل على إنشاء مشروعها الاستثماري، من خلال شراء بعض الملابس النسائية وبيعها، بعد أن قامت ببيع ذهبها لأجل هذا المشروع وقال إنها “تمكنت من جذب الكثير من النساء إلى الشراء وحققت نجاحاً باهرا”.

تقول نجوى لـ”ريف اليمن”: “عقب انقطاع راتب زوجها في أواخر 2016 مصدر دخلهم الوحيد، وجدوا أنفسهم عاجزين عن توفير أبسط المقومات الأساسية للحياة، حيث أصبحت بين خيارين إما بيع الذهب الذي تملكه وتأمين الغذاء لفترة محدودة أو بيعه للاستثمار بمشروع يوفر متطلبات الحياة بشكل مستدام”.

وأضافت “نعاني من صعوبات كبيرة من بينها ارتفاع الأسعار، وارتفاع تكاليف النقل نتيجة الأزمات المتتالية في الوقود بالإضافة إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية”.

السيدة زينب مهدي (45 سنةً) أم لثمانية أطفال تمكنت من فتح محل تجاري لبيع المواد الغذائية في القرية التي تعيش فيها بمنطقة السبرة شرق محافظة إب، منذ أن توفي زوجها قبل 5 سنوات إثر تعرضه لحادث مروري أثناء عودته من العمل من مدينة عدن جنوبي اليمن.

تعمل زينب في المحل بمساندة أولادها في سبيل مواجهة متطلبات المعيشية وتوفير حاجات الأسرة، والتخفيف من الأضرار التي لحقت بهم نتيجة وفاة زوجها، وقالت لـ “ريف اليمن”: “هنالك إقبال كبير من قبل المواطنين رغم تواجد عدداً من المحلات التجارية في القرية، لكن غالبية السكان يفضلون الشراء منا تشجيعاً لكوني امرأة اتحمل مسؤولية أسرة”.

وتعاني من صعوبات ومعوقات وقالت: “لا أستطيع توفير كافة الاحتياجات المتنوعة التي يحتاج إليها المواطنين فهي ما تزال بحاجة إلى المزيد من الدعم المالي لتقوية مشروعها الاستثماري”.

تعمل منيرة قاسم (39 سنةً) وهي أم لستة أطفال، في مهنة الخياطة وصناعة البخور بهدف مساندة أفراد عائلتها، حيث ساهمت في التخفيف من معاناة أطفالها عقب توقف زوجها عن العمل نتيجة انعدام فرص العمل في الكثير المحافظات اليمنية.

تقول منيرة لـ “ريف اليمن”: “بعد تراجع الأعمال الحرة عشنا أسوأ ايام في حياتنا، وتضاعفت معاناتنا وأصبح زوجي عاجزاً عن توفير متطلبات المعيشة، في كل مرة يذهب إلى الحراج (مكان تجمع الأيادي العاملة باليومية) لكنه يعود دون الحصول على عمل، وهو ما دفعني نحو العمل لمساندة زوجي في تأمين متطلبات الحياة اليومية”.

النساء العاملات

وخلال السنوات الماضية بدأت العديد من النساء في اليمن بممارسة العمل ووفقاً لإحصاء أجرته منظمة العمل الدولية في 2013-2014، فإن نسبة النساء العاملات في اليمن وصلت إلى نحو 6% فقط ولم نتمكن من الحصول على إحصائية جديدة لتوضيح مقدار حجم الزيادة في أعداد النساء العاملات في اليمن خلال سنوات الحرب في البلاد.

وقال استاذة علم الاجتماع بجامعة تعز انتصار الصلوي بأن: “ظاهرة خروج النساء اليمنيات إلى ميادين تعود إلى عوامل عديدة ومتداخلة دفعت بالمرأة نحو أسواق العمل من بينها دوافع اجتماعية واقتصادية ونفسية وكلها بفعل التغيرات التي احدثتها الحرب في البلاد”.

وأضافت لـ “ريف اليمن” أن عمل المرأة أصبح من المسلمات بمختلف المجالات إذ أن الضرورة الاقتصادية والوضع المأساوي الذي خلفته الحروب، وفقدان الكثير من أرباب الأسر الذكور لوظائفهم أجبرت النساء على الخروج إلى ميادين العمل ومزاولة مهن وحرف ووظائف متعددة، بعضها شاقة وغير مألوف مزاولتها قبل الحرب بحكم العادات والتقاليد والأعراف في البلاد”.

وتابعت “النساء في اليمن تقدم مساهمات وأدوار حيوية جديدة أثناء الحرب غير أدوارهن التقليدية المتعارف عليها قبل الحرب، فهن أصبحن يعملن جميع الأدوار كأمهات ومعيلات لأسرهن وخاصة المرأة الريفية التي تكافح باستمرار”.

ألقت الحرب الأهلية والوضع الإنساني على كاهل النساء عبء كبير، حيث خرجن إلى العمل من أجل إعالة أسرهن وأطفالهن، وذلك لسد النفص الذي تركه غياب رب الاسرة سواء كان الاب او الزوج او الابن الذين ذهبوا إلى جبهات القتال وغابوا لفترة طويلة أو قتلوا في الحرب”، وفق حديث الصلوي.

من جانبه يرى الصحافي أبوبكر الفقيه “أن المرأة الريفية أصبحت هي العائل الرئيسي للأسرة حتى من قبل الحرب، فهي من تعمل على تربية الابقار والاغنام والاعتناء بالأراضي الزراعية، حتى قديما هناك مثل يمني شائع يقول “البيت المرة” بمعنى أنها الأساس بتوفير المعيشية”.

وأضاف في حديث لـ”ريف اليمن”، “في الوقت الذي يتم استقطاب الرجال للقتال في الجبهات بعضهم يقتل وآخرين تتسبب لهم إعاقات متفاوتة، تعمل النساء على الحفاظ على تماسك الاسرة وتوفير المعيشية ويقمن بعمل عظيم في الواقع، وبعضهن ابتكرن مشاريع صغيرة في القرى كانت حكراً على الرجال”.

دور لافت في المجتمع

في خضم المشاريع النسائية، التي ظهرت مؤخراً في العديد من المناطق الريفية النائية في اليمن، بالتزامن مع محاولة الكثير من النساء اليمنيات اقتحام أسواق العمل وامتهان أعمال في الكثير من المجالات المتنوعة التي لطالما ظلت لسنوات طويلة محتكرة على الرجال فقط في بلداٍ احتلت المرتبة الأخيرة في مؤشر الفجوة بين الجنسين.

في السياق أظهر تقرير حديث للمنتدى الاقتصادي العالمي أن الفجوة بين الجنسين في اليمن هو الأعلى في العالم، على وجه الخصوص في المشاركة الاقتصادية والتعليم والدخل على الرغم من زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل واعتماد الأسرة المستمر عليها كمقدمة للرعاية، فإن الاختلاف بين الرجال والنساء في سوق العمل في اليمن يبلغ نحو 91 في المائة، مع فجوة في الدخل تزيد عن 93 في المائة.

ويرى رجال بأن عمل المرأة اليمنية في ظل الحرب أمر في غاية الأهمية من بينهم يحيى علوان (45 سنةً) الذي قال بأن المجتمع في الريف مختلف كلياً على المدينة، وقال: “في منطقتنا هناك نساء يعملن في كثير من المشاريع الجديدة على غير العادة التي جرت بين الناس في عمل المرأة في تربية المواشي او الزراعة، والمجتمع متقبل ذلك ويراهن نساء قويات”.

وأضاف علوان في حديث لـ “ريف اليمن” “ليس عيباً أن تمارس المرأة العمل في أي مهنة وهذه المشاريع النسائية تساهم في تحسين أوضاع الكثير من الأسر في المناطق الريفية”.

وتعمل المرأة اليمنية في الريف بكفاح مضاعف في كل الظروف، وتعتبر العمود الأساسي في توفير المعيشية للأسرة، وهناك موروث ثقافي شعبي يتناقله الأجيال تؤكد على هذه الحقيقة التي أصبحت في زمن الحرب أكثر وضوحاً.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :