إب: مبادرة طريق “نقيل شُضّيف” ملحمة مجتمعية تتحدى الصعوبات

تخدم الطريق أكثر من 100 ألف نسمة ونقطة وصل حيوية بين 4 عُزل في العُدين

إب: مبادرة طريق “نقيل شُضّيف” ملحمة مجتمعية تتحدى الصعوبات

تخدم الطريق أكثر من 100 ألف نسمة ونقطة وصل حيوية بين 4 عُزل في العُدين

منذ أشهر، يخوض أهالي منطقة الْحصَابْيَيْن والمناطق المجاورة في مديرية العدين بمحافظة إب ملحمةَ مجتمعيةَ طموحة، تهدفُ إلى شق وتوسعة ورصف طريق “نقيل شضيف” الذي يمتد لنحو اثنين كيلو، ويُعد شريان حياة لأكثر من 100 ألف نسمة موزعين على أربع عزل، ويُنفذ بتمويل ذاتي من الأهالي الذين تحدوهم آمال كبيرة بمساندة الجهات الداعمة لإنجازه.

انطلقت المبادرة في أغسطس 2024، مستهدفة تنفيذ المشروع، وفق دراسة هندسية حديثة تراعي المعايير المعتمدة للطرق الريفية، ولاقت تفاعلاً واسعًا من سكان المنطقة، وتم جمع مبالغ مالية لصالح المبادرة، بمشاركة واسعة من رجال ونساء وحتى أطفال المنطقة.

نقيل شُضّيف

ويُعد “نقيل شُضّيف” نقطة وصل حيوية وشريان حياة يربط بين عزلة الْحصَابْيَيْن والمناطق الأخرى بمنطقة العُدين، إلا أنه يمثل تحديًا كبيرًا لأهالي المنطقة، فهو طريق شديد الانحدار والوعورة.

ويقع جبل شُضّيف الذي يطل على بقايا مدينة مذجح القديمة الواقعة غربي مدينة اب بمسافة 45 كم، والوصول إليه يتم عبر الالتفاف يمينا لمسافة 5 كم، من نقطة التقاء وادي القاسمية مع الطريق الاسفلتي الرابط بين محافظتي اب – الحديدة مرورا بسوق الثلاثاء الشعبي (الرميد) الذي كان واحد من أشهر الأسواق الشعبية قديما.


       مواضيع ذات صلة


ويبدأ الصعود إلى “نقيل شُضّيف” في طريق شديد الوعورة والانحدار مروراً بطريق إجباري بمنطقة حادة وضيقة على قمة الجبل ومنحدرة من الجهتين، تحبس الأنفاس تسمى “الصراط” ثم الدخول الى منطقة الحصابيين والانتقال الى العزل المجاورة، في رحلة محفوفة بالكثير من المخاطر.

وبحسب المحامي محمد الحذيفي، تم شق الطريق لأول مرة في الثمانينيات بشكل بدائي، ليختصر معاناة الأهالي الذين كانوا يضطرون لعبور طرق أطول وأكثر صعوبة. وبسبب عدم اكتماله، ظل يُعرف بـ”طريق الموت” نتيجة للحوادث المتكررة التي أودت بحياة الكثيرين من المواطنين.

طريق الموت

ويروي محمد الهمداني (40 عاما ) وهو أحد أعضاء المبادرة لمنصة ريف اليمن كيف فقد ثلاثة من أقربائه جراء انقلاب مركبتهم عام 2009، أثناء قدومهم من غربة طويلة بالمملكة العربية السعودية، حيث تم لملمة أشلائهم المتناثرة في مشهد لا ينسى، وتحولت فرحة عودتهم من الغربة الى مأتم كبير.

إب: مبادرة طريق "نقيل شُضّيف" ملحمة مجتمعة
جانب من عملية شق طريق”نقيل شُضّيف” والذي يحتاج موازنة تقدر ب 440 الف دولار وفق دراسة هندسية (ريف اليمن)

لم يكن هذا الحادث المأساوي الوحيد، إذ سجلت الطريق العديد من الحوادث الأخرى على مر السنين، لتتحول إلى كابوس يومي للسكان، ورغم غياب إحصائيات دقيقة عن عدد الضحايا، يؤكد الأهالي أن أغلب الأسر في المنطقة تحمل في ذاكرتها قصصًا مأساوية مرتبطة بوعورة الطريق وخطورته، الأمر الذي جعل شقه وتطويره أولوية قصوى لتجنب المزيد من المآسي.

ويصف المواطن رشاد السلمي(52 عاما) الطريق بأنه بديل حيوي لسكان العزل خاصة خلال موسم الأمطار، حيث تقطع السيول المتدفقة في سائلة وادي مناح القاسمية الممتدة بطول تسعة كيلو، سبل الوصول إلى الخدمات.

ويشرح السلمي لمنصة ريف اليمن، معاناة السكان، وخاصة خلال موسم الأمطار، إذ يؤكد أن المواطنين يتجنبون المرور داخل السائلة من بعد الظهر وحتى صباح اليوم التالي خوفا من السيول المفاجئة والتي شهدت حوادث غرق في سنوات سابقة، مشيرا الى أن هذا الطريق اذا تم انجازه سيكون طريقا بديلا لسائلة مناح القاسمية.

ويشكل افتقار سكان الريف لشبكة الطرق تحديا كبيرا لتنمية المجتمعات هناك وتحسين ظروف الحياة. وحتى الوقت الحالي، لم تُعبّد إلا ٣٧٤٤ كم من الطرق الريفية وهذا لا يمثل سوى ٦.٤ في المائة من إجمالي شبكة الطرق و ٢١.٦ في المائة من إجمالي الطرق المُعبّدة بحسب دراسة نشرتها مبادرة إعادة تصور إقتصاد اليمن.

مشاركة مجتمعية واسعة

برغم شدة الصعوبات الاقتصادية، كانت روح التضامن واضحة بين أهالي المنطقة، وهو ما جسدته المسنة زعفران الحذيفي (85 عامًا)، التي زارت موقع المشروع رغم تقدمها في العمر، وتبرعت بمبلغ مليون ريال يمني (1800 دولار) من مدخراتها، بهدف المساهمة في إنجاحه.

وتستعيد المسنة الحذيفي ذكريات أليمة عن الحادث المأساوي الذي تعرض له زوجها عام 2000 على ذات الطريق، حيث أدى الحادث إلى وفاة أحد الركاب بينما نجا زوجها بأعجوبة، ورغم نجاته، بقيت مأساة الحادث محفورة في ذاكرتهم، إلى أن وافته المنية بعد عشرين عامًا.

“زعفران الحذيفي” أثناء زيارتها طريق نقيل شُضّيف وإعلانها المساهمة بمليون ريال يمني (ريف اليمن)

يقول وليد الإدريسي، أحد المواطنين، إن الصعود والهبوط عبر النقيل كان دائمًا مشوبًا بالتوتر والخوف، حيث يُسمع صوت التشهد والدعاء بين الركاب خشية حدوث كارثة. الإدريسي يؤكد أن العمل على هذا المشروع يمثل حلمًا للخلاص من معاناة الطريق المرعب.

رئيس المبادرة حميد منصور يؤكد أن “المشروع يتطلب ميزانية ضخمة تصل إلى 440 ألف دولار أمريكي وفق الدراسة الهندسية، لتغطية أعمال القطع الصخري، وبناء الجدران الساندة، ورصف الطريق بطول 1 كم.

لافتا أن أعمال التنفيذ تتم بصورة متوازية بين القطع الصخري للأحجار بواسطة المعدات الثقيلة وأعمال تجهيز احجار الرصف، حيث تم تجهيز 27 ألف حجر من 80 ألف، إضافة الى انجاز عدد من أعمال بناء الجدران الساندة”.

شريان حياة

ويجزم المحامي محمد الحذيفي، أن هذا الطريق ليس شريان حياة وإنقاذ فحسب بل سيسهل الوصول الى منطقة جديدة مناسبة للتوسع العمراني كان من الصعب الوصول إليها، ويحل جزء من مشكلة التوسع العمراني في المناطق الزراعية في المنطقة، إضافة الى انه سيختصر عذابات الناس في الوصول الى الخدمات خلال عشرة دقائق بالسيارة للطريق الإسفلتي.

ومع استمرار الأهالي بالعمل بدأت القدرات الذاتية بالنفاد، مما دفع القائمين على المشروع بإيفاد محمد الهمداني للتوجه بطلبات رسمية إلى الجهات المختصة والمنظمات المانحة، بما في ذلك الصندوق الاجتماعي للتنمية، لاستكمال المشروع، وهو لم يتم حتى لحظة كتابة التقرير.

ويصف الأهالي مشروع شق الطريق بأنه أيقونة تنموية في مديرية العدين، لما يحمله من أهمية استراتيجية في تحسين حياة السكان، وتسهيل التنقل، وربط القرى والعزل بالخدمات الأساسية، فالمشروع لا يمثل مجرد مبادرة للبنية التحتية، بل يُعد خطوة كبيرة نحو التنمية المستدامة التي طالما حلم بها أبناء المنطقة.

مناشدين المنظمات المانحة، وعلى رأسها الصندوق الاجتماعي للتنمية، إلى إدراج المشروع ضمن أولوياتها، حيث أن طريق نقيل شضيف ليس مجرد ممر يخدم عزلة بعينها، بل يمثل شريان حياة يربط أربع عزل ويخفف معاناة آلاف الأسر، خاصة خلال موسم الأمطار.

إب: مبادرة طريق "نقيل شُضّيف" ملحمة مجتمعة
جانب من طريق “نقيل شُضّيف” في منطقة الحصابيين بمديرية العُدين بمحافظة إب (ريف اليمن)
شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: