الزراعة التعاقدية.. شراكة ذكية وطوق نجاة للمزارعين

توفّر ضمانًا للمزارعين لتسويق محاصيلهم بأسعار عادلة ومحددة مسبقًا

الزراعة التعاقدية.. شراكة ذكية وطوق نجاة للمزارعين

توفّر ضمانًا للمزارعين لتسويق محاصيلهم بأسعار عادلة ومحددة مسبقًا

بعد تكبّدهم خسائر متكرّرة في كل موسم، بدأ عددٌ من المزارعين اليمنيين بالتوجّه نحو الزراعة التعاقدية، التي تُعدّ أنموذجًا حديثًا لإدارة العلاقة بين المزارعين والمشترين، وذلك بعقود مسبقة تُحدّد فيها نوعية المحاصيل، وكمّياتها ومواصفاتها وأسعارها.

وتكمن أهمية الزراعة التعاقدية في أنها تضمن تسويق المنتج الزراعي بعدالة، سواء للمزارع أم التاجر، فيضمن الأول بيع منتجه، ويضمن الطرف الثاني الحصول على منتج ذي جودة عالية ومطابق للمواصفات المتفق عليها، تلبي رغبات المستهلك.

الزراعة التعاقدية

ويقول الأمين العام للاتحاد التعاوني الزراعي محمد القحوم: “الزراعة التعاقدية توفّر ضمانًا للمزارعين لتسويق محاصيلهم بأسعار عادلة ومحددة مسبقًا، إلى جانب الدعم التقني والإرشادي من الجهات المتعاقدة”.


         مواضيع مقترحة


وأضاف لمنصة ريف اليمن أن هذا النظام يساعد في مواجهة تحديات التسويق، مثل تقلب الأسعار وصعوبة الوصول إلى الأسواق، ما ينعكس إيجابًا على استدامة الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ويوفر ضمانات اقتصادية للمزارعين، ويُسهم في تحقيق التنمية الزراعية والاقتصادية.

وبيّن القحوم أن المرحلة المقبلة ستشهد توسّعًا في الزراعة التعاقدية لتشمل محاصيل أُخرى، لافتا إلى أن هناك دراسات أُعدت حول سلسلة القيمة لهذه المحاصيل، مما يساعد في تحديد مسارات الإنتاج للسوق المحلية وصولا للتصدير.

نماذج ناجحة 

أسامة الفقيه، مزارع من محافظة عمران، روى لمنصة ريف اليمن كيف ساعدته الزراعة التعاقدية على تحسين ظروفه الاقتصادية. وقال: “قبل انضمامي إلى هذا النظام، كنتُ أزرع 150 لبنة من الثوم من دون ضمان تسويق المحصول، وكنت أواجه صعوبات كبيرة في التسويق، ولم يتجاوز سعر الكيلو 500 ريال (الدولار 520 ريالا)، ما أدى إلى خسائر متكررة”.

في عام 2022، يذكر الفقيه أنه انضم إلى جمعية البَون الشمالي التعاونية الزراعية، ووقّع عقدًا يُحدّد سعر الكيلو بـ1000 ريال، مع تقديم دعم فني وإرشادات زراعية. وحصل على القرض بالبذور والإرشادات اللازمة لتحسين الإنتاج من المرشد الخاص بالجمعية.

الزراعة التعاقدية.. شراكة ذكية وطوق نجاة للمزارعين
مزرعة ثوم في منطقة قاع البون بمحافظة عمران شمالي اليمن(الحسين اليزيدي/ريف اليمن)

وأضاف: “مع حلول موسم الحصاد، سلمت المحصول للجمعية، وحصلت على عائد مالي كبير، مكّنني من زيادة مساحة الأرض المزروعة إلى 250 لبنة وشراء معدات زراعية جديدة”، ودعا الفقيه المزارعين للتوجه نحو الزراعة التعاقدية باعتبارها الخيار الأمثل حاليا على الأقل.

وفي مديرية أسلم بمحافظة حجة، حيث يواجه المزارعون تحديات عدّة بسبب قلة الموارد وصعوبة الوصول إلى الأسواق، تمكّن الحاج يحيى الأسلمي بالزراعة التعاقدية من التوسع في زراعة الذرة الشامية.

يحكي الأسلمي تجربته لمنصة ريف اليمن قائلا: “كنتُ أزرع الذرة لسنوات، لكن المحصول غالبًا ما يتكدّس بسبب عدم وجود مشترين، فأضطر إلى بيعه بأسعار زهيدة للتجار، لكن بعد توقيع عقد مع الجمعية التعاونية، تلقيتُ دعمًا تقنيًا أسهم في تحسين الإنتاجية. مع نهاية الموسم، حصلت على عائد مالي ساعدني على التوسع في زراعة الذرة”.

وفي مديرية بني مطر بمحافظة صنعاء، تمكن أحمد الضاوي من تحسين دخله بعد انضمامه إلى نظام الزراعة التعاقدية. وأوضح قائلا: “قبل ذلك، كنتُ أضطر لبيع محصول الثوم بأسعار منخفضة لا تغطي تكاليف الإنتاج”.

وأضاف: “بعد توقيع عقد مع جمعية القطاع الغربي التعاونية الزراعية، حصلت على بذور محسّنة ودعم فني، وحُدّدت الكمية المطلوبة من الثوم والأسعار مسبقًا، وفي موسم الحصاد تمكّنت من تحقيق عائد مالي مرتفع مكنني من التوسع في الزراعة”.

وتُظهر قصص النجاح في عمران وحجة وصنعاء الإمكانات الواعدة للزراعة التعاقدية وسيلةً لتحسين دخل المزارعين وتعزيز استدامة الزراعة. ومع استمرار تبنّي هذا النظام، يمكن للمزارعين تحقيق نقلة نوعية تُسهم في تحسين ظروفهم المعيشية وتعزيز التنمية الاقتصادية على نطاق واسع.

رؤية مستقبلية

يشير المختص الاقتصادي يحيى السقاف إلى أن الزراعة التعاقدية تمثل أداة فعالة لتحسين الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، لا سيما مع تنوّع الموارد الزراعية في اليمن. وأضاف لمنصة ريف اليمن أن تعزيز هذا النظام يتطلب تكاتف الجهود بين الجهات المختصة والجمعيات التعاونية لتوسيع المساحات المزروعة وتطوير سياسات التسويق.

الزراعة التعاقدية.. شراكة ذكية وطوق نجاة للمزارعين
تكمن أهمية الزراعة التعاقدية أنها تضمن تسويق المنتج بعدالة سواء للمزارع أم للتاجر(الحسين اليزيدي/ريف اليمن)

ويرى المهندس هلال الجشاري أن تطبيق منظومة الزراعة التعاقدية يمثل خطوة جوهرية لمعالجة التحديات الموسمية التي تواجه المزارعين، بما في ذلك اختلالات العرض والطلب في السوق.

مشيرا إلى أن الإنتاج الزائد لبعض المحاصيل يؤدي إلى انخفاض حاد في الأسعار، مما يعرض المزارعين إلى خسائر مالية كبيرة. وفي المقابل، يتسبب نقص الإنتاج في بعض المحاصيل في ارتفاع أسعارها بشكل كبير، ما يثقل كاهل المستهلكين ويؤثر على قدرتهم الشرائية.

ويقترح الجشاري في مقال له أن يتزامن تطبيق الزراعة التعاقدية مع إنشاء صندوق تعويضات للمحاصيل الزراعية، ليكون آلية لدعم المزارعين وتعويضهم عن الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل الأمطار الغزيرة أو السيول.

ويكون هذا الصندوق وسيلة لضمان استقرار دخل المزارعين وحمايتهم من المخاطر الخارجة عن إرادتهم. ويلفت إلى أهمية أن تتضمّن عقود الزراعة التعاقدية بنودًا تضمن التزام الطرفين (المزارع والمشتري) بشروط العقد، التي تتضمن شروطا جزائية تُطبق على الجهة غير الملتزمة ببنود الاتفاق، سواء أكان ذلك المزارع الذي يخلّ بتوريد المحصول وفق الكميات والمواصفات المطلوبة، أم الجهة التي لا تلتزم بشراء المحصول بالسعر المتفق عليه مسبقًا.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: