أطلق سكان قرية دار الجبل، بمديرية المشنة، جنوب محافظة إب بوسط اليمن، مبادرة مجتمعية لشق طريق للقرية، بهدف التخفيف من معاناة سكانها الذين يستعملون طرقات لا تكفي مساحتها للدراجة النارية، متمنين الوصول إلى أعلاها راجلين دون أن تتقطع أنفاسهم.
ويقول مؤسس المبادرة عمران هلال (33 عامًا): “إن الأهالي يعيشون هنا حياةً تعيسة للغاية، ننقل المرضى على نعش الأموات أو على الأخشاب المسطّحة نزولاً من الجبل، وإذا أتى المخاض امرأة وتعسرت ولادتها، تنتظر إلى الليل اضطرارا، لتُنقل على النعش أو في البطانيات إلى أقرب مركز صحي”.
هذه الأسباب، دفعت السكان لإطلاق مبادرة شق الطريق بأيديهم، بعد أن ضاقت بهم السبل، ويئسو من تدخل السلطات. بحسب هلال.
قصة المبادرة
لاحظ “عمران” نظرات الرعب في عيون أطفاله وأطفال القرية، حينما حملوا جارهم المريض لإسعافه على النعش، بعد جنازة موتٍ بأيام قلائل، استغرب الأطفال بكاء الناس خلف الجنازة السابقة، والهدوء في الجنازة الثانية، فسألوا آباءهم عن الفرق.
ويذكر محمد علي، سبعيني من سكان القرية، أنه حينما كُسرت قدمه، وبسبب النقل غير الآمن للمركز الصحي الأقرب، على بعد 3 كيلومتر، تضاعفت حالته، ومضت السنون وهو يمشي اليوم بقدم غير مستوية.
وتحدثت سعاد (28 عامًا) عن مخاضها العسير أثناء ولادتها، وكيف أجبرتها غيرة رجال العائلة على الانتظار طوال النهار في حالة صحية متدهورة، لتُنقل للمركز الصحي ليلًا إلى المركز الصحي.
جميعهم يؤكد أن الواقع المرّ دفعهم للبدء بحشد الناس من أجل “مبادرة شق طريق دار الجبل، عزلة الحوج العدني”، أسوة بمبادرات مجتمعية سابقة في قرى محافظة إب هي ما ألهمتهم وحفزتهم.
وأشاروا إلى، مبادرة أصدقاء ناصر المجيدي في مديرية العُدين، ومبادرات طريق ذي شراق، وعميد الداخل في مديرية السياني، بالإضافة إلى عشرات المبادرات في المحافظة، خلال السنوات الماضية.
آلية العمل
يشرح مؤسس المبادرة هلال: “تتكون اللجنة المجتمعية من رئيس، ومسؤول مالي، ومسؤول رقابة، ومسؤول عمال، وقسّمنا المشروع إلى أربع مراحل، نحن بصدد ختام المرحلة الأولى التي تشق الطرقات وتسويها وتبني الجدران الحامية للطريق والبيوت في القرية”.
وعن المرحلة الثانية، قال إنها ستتضمّن شق طريق من الجبل إلى ملتقاها مع القرى المجاورة، وتمتدّ نحو ٨٠٠ متر، ويمكن شقّها بمعدات الشق الآلية، ثم المرحلة الثالثة وهي رص الطريق والعقبات الصعبة وبناء الجسور والعبارات الخاصة بمجاري المياه، ثم المرحلة الرابعة بتوصيل الطريق إلى أعالي الجبل حيث بقية السكان.
ووجهت المبادرة طلبا رسميا للمسؤولين بالمديرية بزيارة المنطقة وتقييم احتياجاتها، والاستجابة لها، غير أن ذلك قوبل بإدراج المنطقة ضمن مناطق التخطيط الجديدة، ولكن ضمن المشاريع بعيدة الأمد، بحسب السكان هناك.
وتفيد أم نائف، من سكان المنطقة، بأن النساء يقفن إلى جانب الرجال في سبيل المصلحة العامة، ورغم شظف العيش، يسهمن بتوفير الزاد للعمال بالتداول، موضحة بأن المرأة أشد تضررًا من الرجل في حالات الطوارئ، وحكت بعض الحوادث التي قهرت النساء بسبب عدم توفر الطرقات كحالات الولادة والمرض والحرمان من التعليم.
يفيد المسؤول المالي في المبادرة نايف البربري (28 عامًا) من سكان دار الجبل: “نعتمد في المصروفات اليومية على تعاون الأهالي بواقع ٢٠ ألف ريال على كل مستفيد بصورة مباشرة”.
وأضاف في حديث لمنصة ريف اليمن: “سلم منهم قرابة ٩ أشخاص فقط، بقية السكان في حالة فقر مدقع، فيعملون معنا ثلاثة أيام أسبوعيا بكل جهد ونية صادقة رغم حالتهم المادية الصعبة”.
ويوضح: “أُنفقت أكثر من ٤٨٠ ألف ريال يمني (الدولار 530 ريال) كمصاريف يومية في مدة العمل الماضية، منها قرابة ٥٠ لتر بنزين، ومتطلبات عمل أخرى، وتوفر المبادرة أكياسا من القمح أسبوعيا للعمال المتطوعين لإعالة أسرهم”.
وكشف البربري “أن الديون المستحقة على المشروع لصالح العمال بالمشروع، بلغت أكثر من ٥٠٠ ألف ريال يمني خلال الثلاثة الأسابيع الأولى من العمل”.
دعوة للدعم
“نحتاج الآن إلى لفتة حقيقية من جهة الدولة وفاعلي الخير لإكمال المرحلة الأولى، فما زلنا بحاجة لبناء أكثر من ١٩٨ مترًا من الجدران الساندة للمرحلة الأولى فقط، وهي تكلف قرابة 3 ألف حجر تقريبا”، وفق المسؤول المالي للمبادرة.
ويضيف “يبلغ تكلفة تكسيرها ونقلها وبنائها مليوني ريال على الأقل، بالإضافة إلى أسمنت ورملة للبناء لا تقل عن ٦٠٠ ألف ريال للحفاظ على مسار الطريق من التهدم بفعل الأمطار والخطورة الجبلية وحفاظا على البيوت”.
حسين علي حمود، ثلاثيني متطوع في المبادرة، يقول إنه يضطر لاستئجار منزل باهظ الثمن لقربها من الطريق العام، لأن وظيفته في المدينة ووالدته تحتاج المتابعة الصحية المتكرّرة، والمسافة بينه وبين بيته الذي يملكه لا تزيد عن كيلو متر واحد إذا ما شقت الطريق وتعبدت.يعمل حالياً متطوعا ضمن المبادرة، ويحاول إقناع الأهالي بأهمية المصلحة العامة.
عدد المستفيدين من المرحلة الأولى نحو 500 نسمة من سكان المنطقة. ويشير حمود “أن تجاهل الدولة جعل بعض مُلاك الأراضي يبيعون منافذ الطريق، ويحاصرون فتحاتها المؤدية إلى المنطقة”.
ودعا القائمون على المبادرة الأهالي -على الأقل- إلى ترك الأودية للزراعة والبناء في أعالي الجبال، وطالبوا السلطات بالوفاء بالتزامها في توصيل الخدمات إليهم، من أجل شق الطريق باستخدام المعاول ومكائن التكسير.
وبالاعتماد على مساهمات الأهالي وعملهم، مع التأكيد بأن المنطقة سياحية بامتياز، وسترفد الاقتصاد الوطني بالملايين، إذا ما اهتمت الدولة بها، وعبدت الطرقات، وبنت المتنزهات فيها.
جهود مجتمعة
وشقت المبادرة حتى زمن نشر التقرير -بحسب القائمين عليها- قرابة ٦٠٠ متر، في الصخور والجبال الوعرة لحماية المنازل، وشرعت في تكسير الأحجار لبناء الجدران الساندة، وتوسعة الطريق والطريق لتكون الطريق بعرض ٤ متر تقريبا.
وقال رئيس المبادرة عمران هلال “حتى الآن لم نحصل على دعم من أي فاعل خير، أو من السلطة المحلية ولو بالإشراف والمعدات، على الرغم من كثرة الوعود، ونعتمد على التبرعات الذاتية من أبناء المنطقة”.
من جانبه، أشار مساعد مدير عام مديرية المشنة جميل الصُهباني، أن المديرية تلقت دعوة من الأهالي للزيارة والدعم، وقال: “نعمل على تنفيذ المشروع ودعمه بشكل أفضل، لكن السلطة المحلية تعاني انعدام الصلاحيات لتنفيذ المشاريع المحلية، والتعامل المركزي في تنفيذ المشاريع وتحديد الاحتياجات”.
وأكد لمنصة ريف اليمن أنه “تم إقرار مشروع شق الطريق ضمن خطة 2024-2026 وإعطائه الأولوية في التنفيذ، وهذا ما يستطيعون تقديمه” لافتا “أن المبادرة تستحقّ الدعم والإسناد، وإنجازاتها كبيرة مقارنةً بإمكانياتها”.
وقال الصهباني: “لو كان لدينا الاعتمادات، لقمنا بهذا المشروع المهم والحيوي فورًا، وفقًا لقانون السلطة المحلية، والموازنة العامة للمديرية”.