تنتشر في ريف محافظة صنعاء وبعض المناطق اليمنية، طرقا علاجية خرافية تهدد حياة الأطفال، كانت قد بدأت بالانحسار، لكنها عادت لتبرز من جديد خلال السنوات الأخيرة، كنتيجة طبيعة للجهل المتفشي، ولتدهور الأوضاع الاقتصادية التي أجبرت العديد من الأسر على اللجوء إلى وسائل غير آمنة، تجنبا للتكاليف المالية.
وتُعد النساء الريفيات من أكثر الفئات تمسكًا بهذه الطرق الموروثة لعلاج الأمراض خاصة التي تصيب الأطفال، رغم أن العقل لا يقبلها، وتفتقر إلى أي أسس علمية، وقد تؤدي في كثير من الأحيان إلى مضاعفات خطيرة تؤثر على صحتهم وتهدد حياتهم.
لا تمت للطب بصلة
وتتعدد الحالات المرضية التي تقوم النساء بعلاجها بهذه الأساليب، وبعضها يكاد تكون من نسج الخيال، كوضع طفل داخل لحد قبر بهدف الشفاء، وتقول كاتبة الأشول (30 عاما)، ” إن النساء في قريتها بريف صنعاء يستخدمن أساليب متوارثة بشكل واسع لعلاج حالات مختلفة، وهي أساليب قديمة وراسخة في المنطقة منذ سنوات طويلة.
تُطلق النساء في قرى ريف صنعاء على الطفل المصاب بفقدان الشهية بـ”المصبِّح”، ويعتمدن لعلاجه على طريقة تقليدية تُعرف بـ”الصُبّاحة”. وتوضح الأشول لمنصة ريف اليمن، أن هذه الطريقة تتمثل في ذهاب إحدى النساء إلى سبعة منازل مجاورة، حاملةً إناء فارغًا، دون أن تتحدث مع أحد في الطريق.
وتتابع”: يضع الجيران قليلًا من طعامهم في الإناء، وبعد خلطه، يُقدَّم للطفل المصاب على أنه علاج. وتعتقد الأشول مع رفيقاتها الأخريات أن هذه الطريقة مفيدة وفعّالة”. ويٌعتقد أن سبب بُعد المراكز الصحية وصعوبة الوصول إليها، والأوضاع الاقتصادية ساهم في انتشار هذه المعتقدات.
ويعلق طبيب الأطفال ناصر الفقيه أن فقدان الشهية لدى الطفل هو حالة مرضية ناتجة عن الممارسات الخاطئة من قبل الأمهات، حيث تحاول البعض منهن تغذية الطفل قبل بلوغه سنّ ستة أشهر؛ وهو ما يؤدي إلى حدوث إسهال وقيء، وينتج عن ذلك إصابة الطفل بالهزل وفقدان الشهية والتقلصات المعوية وعسر الهضم”.
وأوضح الفقيه لمنصة ريف اليمن أن الأمهات في القرى الريفية، تطلق على الطفل المصاب بتلك الحالة المرضية “مصبح”، وتستخدم طرق خاطئة تتمثل بجمع الطعام من البيوت، وتتسبب بإصابة الطفل بتسمم غذائي؛ اذ انها بذلك تجمع بكتيريا من أكثر من مكان وبالتالي فإن النتائج سوف تكون سلبية”.
واعتبر الفقيه أن ما تعرف بـطريقة “الصباحة” اعتقاد مغلوط، موضحًا” أن علاج مثل هذه الحالة هو عن طريق القيام بإجراء فحوصات طبية ليتبين سبب ضعف الطفل وهزله وفقدان الشهية”. وتابع: ” هناك أمراض تسبب الهزل وتأخر النمو، منها سوء التغذية الحاد، أمراض جينية، أمراض الكلى والقلب، بعض الحالات تكون مصابة بتشوهات خلقية في القلب، فتظهر الأعراض على الطفل ويكون شاحب الوجه ولونه أزرق”.
“لحد القبر”: خرافة أخرى
ومن الخرافات التي يعتقدها سكان القرى الريفية بصنعاء أن عودة الشخص من غسل أو دفن الميت ودخوله مباشرة على طفل قبل أن يغتسل يتسبب بأن يكون الطفل “منفّى” وهي حالة مرضية من أعراضها إصابة الطفل بنوبات بكاء مستمرة.
وتشرح السيدة مريم صلاح (37 عامًا) أن علاج هذه الحالة يتم بطرق تقليدية، مثل وضع الطفل في لحد قبر وتمزيق ملابسه وتقليبه في التراب، أو غطسه في ماء مأخوذ من بركة مسجد بعد تسخينه بوضع مفرس مجمر داخله. وتعتقد أن تلك الحالة المرضية حقيقية، وحدثت أكثر من مرة في أسرتها، مشيرةً أن الطفل الذي يصاب لا يبرأ منها إلا من خلال علاجه بطرق تقليدية”.
كذلك تعالج بعض الأسر في الأرياف الكيس الدهني الذي يظهر على جفن العين، ويُعرف علميًا بـ”الكيس الدهني”، عن طريق مسح العين بغصن ريحان ووضعه فوق أحجار في الطريق. يُعتقد أن أي شخص يعبث بهذه الأحجار سينقل المرض إليه ويتعافى المصاب. وأكد الدكتور ناصر الفقيه أن هذه الممارسات مستمدة من معتقدات خاطئة لا علاقة لها بالطب، وقد تزيد من خطر العدوى بسبب انعدام النظافة.
البرك الملوثة
ومن الممارسات الغريبة والشائعة في الأرياف أيضا، استخدام برك المساجد لعلاج هزل الأطفال أو بكائهم المستمر. إذ تتم من خلال وضع الطفل في بركة المسجد، شريطة توفر المياه منذ فترة زمنية معينة. ويؤكد الدكتور جياب صالح، طبيب الأطفال، أن البرك تعتبر بيئة خصبة لنقل طفيليات خطيرة مثل البلهارسيا، التي قد تسبب مضاعفات تصل إلى تليف الكبد أو الوفاة في الحالات المتقدمة.
وقال صالح لمنصة ريف اليمن: ” أحيانا يكتشف مرض البلهارسيا لدى الطفل مبكرا ويتم علاجه وأحيانا يتوه المرض حتى يحدث في الطفل تليف كبدي أو دوالي مري حتى يموت الطفل دون علم أحد “. في ذات الوقت يرى الدكتور ناصر الفقيه أن وضع الطفل في بركة الماء ليس لها أساس من الصحة”.
ويؤكد أن هذه الممارسات قد تصيب الطفل بالتهابات في جهازه التنفسي، والتهابات معوية، وتسبب له تشنجات بعد أن ترتفع الحمى إلى الدماغ خصوصا عندما يتم وضعه الطفل في ساعات الصباح الباكر “. ودعا الأمهات والآباء بالذهاب بالطفل إلى أقرب مركز طبي، لأن اللجوء إلى الخرافات والممارسات الخاطئة يسبب مضاعفات خطيرة للطفل قد تؤدي إلى الوفاة”.
عوامل انتشار الخرافات
يرى الدكتور جياب صالح بأن: “الفقر أهم عامل من عوامل انتشار مثل هذه الخرافات في الوقت الحالي، إذ يضطر أهالي الطفل إلى تجنب الخسارة في المراكز الطبية والمستشفيات ومحاولة مداواته عن طريق الخرافات”. من جانبه أكد الدكتور ناصر الفقيه “أن تلك الخرافات جاءت بشكل كبير من كلام العرافين أو المشعوذين وتستند على معتقدات ومفاهيم خاطئة، ولا تمد للطب بصلة ولا تستند على أي مستند طبي أو علمي”.
أما الدكتورة نهى العريقي فترجع السبب في استمرار وتداول مثل هذه الخرافات إلى الجهل المبني على الاعتقاد الخاطئ، مشيرةً أن تصديقها هو من باب الصدفة لا غير”. وتقول لمنصة ريف اليمن “لا يمكن القول أن تلك الطرق علاجية، وإنما هي خرافة لا تستند على معلومات أو حقائق علمية، ولها أثر سلبي كبير فكل ما ذكر من خرافات صلتها بالنظافة صفر، وهي مصدر للتلوث والأمراض المختلفة “.
وأشارت إلى صعوبة مواجهة الخرافات في بيئة ترفض التعليم الذي يعد الوسيلة الأمثل للتصدي لها ومواجهة انتشارها، لافتة أن الجهل بالممارسات الصحية السليمة هو السبب الرئيسي وراء انتشار هذه الخرافات التي تضر أكثر مما تنفع”، مشددة على ضرورة كسر هذه السلسلة من العادات الخاطئة لحماية الأجيال القادمة.