يحمي 200 قطعة.. مواطن يحوّل منزله بحضرموت متحفاً للحفاظ على التراث

يحوى المتحف قطعا يعود تاريخها لأكثر من 400 عام

يحمي 200 قطعة.. مواطن يحوّل منزله بحضرموت متحفاً للحفاظ على التراث

يحوى المتحف قطعا يعود تاريخها لأكثر من 400 عام

تعد الآثار والمعالم التاريخية جزءًا جوهريًا من الهوية الوطنية، والتاريخ العريق الذي تفخر به البلدان، واليمن الغني بتراثه الثقافي والمواقع الأثرية المتنوعة، يواجه تحديات كبيرة بسبب الإهمال الرسمي وتهريب القطع الأثرية.

شغف ومبادرة فريدة

وفي ظل هذا الواقع، برز الشاب عوض عبد الله باشكيل من محافظة حضرموت – غيل باوزير، كمثال حي على المبادرات الفردية التي تسعى للحفاظ على هذا الموروث، إذ بدأ باشكيل، وهو معلم بناء، ويبلغ من العمر 30 عامًا، رحلته مع جمع الآثار منذ أن كان في الثامنة عشرة من عمره.

تحدث باشكيل مع منصة “ريف اليمن”، عن بداية شغفه، قائلاً: “في عام 2003، طلب منا معلم التاريخ جمع مقتنيات قديمة لعرضها في متحف مدرسي مؤقت. عندها جمعت قطعًا أثرية من منازلنا ومن الجيران، ومنذ ذلك الحين ترسخ في داخلي حب الحفاظ على الآثار، حتى أنشأت متحفًا خاصًا في منزلي يحتوي الآن على أكثر من 200 قطعة أثرية.”


مواضيع مقترحة

جوامع لحج الأثرية: تصدعات وسطو وإهمال متعاقب
إحياء التراث الشعبي.. العودة للجذور اليمنية
الحضارة السبئية المطمورة تحت الرمال


يضم المتحف المنزلي قطعًا نادرة، مثل تابوت عمره 340 عامًا بحسب التاريخ المنحوت عليه، وخنجر ودرع خشبي مرصع يعود تاريخهما إلى أكثر من 400 عام، وسيف يحمل نقوشًا تعود إلى 250 عامًا. كما يحتوي على العديد من الأدوات الحربية والمقتنيات التراثية التي تعكس مراحل تاريخية متنوعة.

رغم دخله المحدود كمعلم بناء، يستمر باشكيل في شراء القطع الأثرية بجهود ذاتية، معتمدًا على دعم عائلته وأصدقائه. وأوضح باشكيل: “حاولت مرارًا دعوة السلطات المحلية لزيارة المتحف، لكن دون استجابة. معظم المقتنيات اشتريتها بمالي الخاص، ورغم اهتمام الزوار ومحبي الآثار، لم تحظَ المبادرة بأي دعم رسمي.”

يضم المتحف المنزلي قطعًا نادرة، وتابوت عمره 340 عامًا وخنجرا ودرعا خشبي مرصع يعود تاريخهما لأكثر من 400 عام(ريف اليمن)


تطلعات لمتحف وطني

وفي ظل تزايد ظاهرة تهريب الآثار اليمنية وبيعها في المزادات العالمية، تتضاعف الحاجة إلى جهود رسمية لدعم مثل هذه المبادرات الفردية، ويحلم باشكيل بإنشاء متحف كبير يحتضن هذه الكنوز التاريخية، ويصبح مقصدًا للزوار والمهتمين بالتراث، لكنه يواجه عقبات مادية وإدارية.

مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بساحل حضرموت رياض باكرموم،  قال إن: “الآثار ليست مجرد مقتنيات جامدة، بل هي هوية الشعوب وذاكرتها الجماعية، والحفاظ عليها واجب أخلاقي على الجميع، فهي ملك للأجيال الحالية والقادمة.”

وأوضح باكرموم خلال حديثه لمنصة ريف اليمن أن قطاع الآثار والمقتنيات الأثرية يعاني من إهمال كبير في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد من عدم استقرار وحروب، مشيرًا إلى أن هذا القطاع يعد من الأكثر تضررًا، كونه الهدف الأول في حالات النزاع.

وأكد أن الاهتمام بهذا المجال يتطلب مزيدًا من الرعاية، بما يشمل حماية المواقع الأثرية، تهيئتها للزوار، افتتاح المتاحف، واستقبال المهتمين، وذلك للحفاظ على التراث الثقافي وضمان استمراريته للأجيال القادمة.

وتعاني اليمن من مشكلة تهريب الآثار منذ عقود، حيث تُعد ثروتها الأثرية واحدة من أغنى الموروثات الثقافية في العالم العربي، وتشمل آثارًا تمتد لآلاف السنين منذ عصور ما قبل الإسلام وحتى الفترات الإسلامية المتعاقبة، وبسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة والحروب المتتالية، ازدادت عمليات تهريب الآثار بشكل كبير، وأصبحت هذه القطع الثمينة تظهر في المزادات العالمية والأسواق السوداء.

قطع ومقتنيات أثرية متنوعة داخل متحف باشكيل المنزلي بمحافظة حضرموت(ريف اليمن)

تحديات وحلول مقترحة

ووفقًا لتقرير صادر عن مركز الهدهد لدراسات الآثار، تم بين عامي 1991 و2022، تهريب 4265 قطعة أثرية يمنية إلى الخارج، من بين هذه القطع، هُرّبت 2610 قطعة خلال الفترة من مارس 2015 إلى أغسطس 2022، وهي فترة تصاعد النزاعات والحروب في اليمن.

وللحد من تهريب الآثار يقترح خبراء عدد من الإجراءات منها تعزيز الجهود الدولية لاستعادة الآثار المهربة، وتطبيق قوانين صارمة لحماية المواقع الأثرية.، فضلا عن توعية المجتمع المحلي بأهمية التراث الثقافي كمصدر فخر وهوية وطنية، وتوفير دعم مالي وتقني لحماية المتاحف والمواقع الأثرية.

وتشكل مبادرة باشكيل نموذجًا يُحتذى به في الجهود الفردية لحماية التراث والحفاظ عليه، إذ تسلط الضوء على إمكانية تأثير الأفراد في صون الهوية الثقافية والتاريخية، وفي الوقت ذاته، تُبرز الحاجة الملحّة لتضافر الجهود الرسمية والشعبية لمواجهة التحديات المتزايدة، التي تهدد الموروث الثقافي اليمني، بما يضمن استدامة هذا الإرث للأجيال القادمة.

ومن الأسباب التي ساهمت في انتعاش تجارة وتهريب الآثار، النزاع المستمر في البلاد الذي أدى إلى ضعف الرقابة على المواقع الأثرية، وإهمال الجهات الرسمية وغياب خطط حماية واضحة للمواقع والمتاحف، بالإضافة للجشع والاتجار غير المشروع لتحقيق أرباح هائلة في الأسواق الدولية.

تشكل مبادرة باشكيل نموذجًا يُحتذى به في الجهود الفردية لحماية التراث والحفاظ عليه(ريف اليمن)
شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: