مع حلول فصل الشتاء، تعود معاناة نازحي مخيم الرحبة بمديرية جبل حبشي في محافظة تعز إلى الواجهة، حيث يعيشون تحت خيام مهترئة لا توفر الحماية من البرد القارس أو الأمطار الغزيرة، ويواجهون ظروفًا إنسانية قاسية تفاقمت بفعل التغيرات المناخية وانخفاض الدعم الإغاثي.
وألحقت الأمطار الغزيرة التي ضربت عددًا من المحافظات اليمنية خلال الأشهر الماضية أضرارًا جسيمة بممتلكات المواطنين، شملت الأراضي الزراعية، المواشي، ونالت مخيمات النازحين نصيبًا وافرًا من هذه الكوارث، حيث أصبحت الخيام المهترئة عاجزة عن توفير أي حماية من الأمطار أو الرياح.
ظروف قاسية
يقول إسماعيل الطويري، نازح من مديرية مقبنة :”نزحت من منطقة الطوير مع أسرتي المكونة من ستة أفراد إلى منطقة بني بكاري في 2021 بسبب استمرار الصراع، وتركنا خلفنا كل ما نملك. عُدنا لاحقًا وتحديدا في 2022 إلى مخيم الرحبة لنواجه ظروفًا أقسى”.
ويضيف الطويري في حديثه لمنصة “ريف اليمن”: جاءت الأمطار مصحوبة بسيول قوية، وجرفت معها خيامنا وكل ممتلكاتنا، بما في ذلك وثائقنا الشخصية، المواشي، المواد الغذائية، والمفروشات، أصبحنا بلا مأوى نواجه ظروفًا صعبة”.
وتابع قائلًا: “نتيجة تغيرات المناخ، يشتد علينا الحر في فصل الصيف، بينما يداهمنا البرد القارس في الشتاء، ما يجعل الحياة داخل المخيم أكثر صعوبة، خاصة مع عدم توفر وسائل الحماية الكافية، نعيش مع أطفالنا في وضع مأساوي، ونفتقد للدعم وللمأوى ووسائل التدفئة. منذ سنة ونصف انقطعت علينا المساعدات بشكل كلي”.
مواضيع مقترحة
• المهمشون في اليمن: مساكن هشة بمواجهة مناخ متقلب
• مياه الصرف الصحي والنفايات.. قاتل يتفشى بالأرياف
• سكان تهامة بين جحيم النزوح وتوسع رقعة الفقر
ويعاني نازحو المخيم الذي يضم 207 أسرة، – وفقا لإحصائية حصلت عليها منصة ريف اليمن من استشاري الوحدة التنفيذية للنازحين فاضل الحمودي- ، من البرد القارس، ويعد الأطفال والنساء وكبار السن هم الأكثر تأثرًا، حيث يتعرضون لأمراض عديدة ناتجة عن انخفاض درجات الحرارة والرطوبة العالية، في ظل غياب وسائل التدفئة المناسبة.
ويشير الطويري إلى أنه قبل النزوح كانت مصادر دخلهم تعتمد على زراعة أشجار المانجو وتربية المواشي وزراعة الذرة بمختلف أنواعها. ويقول:” كنا نعتمد على هذه الأنشطة كمصدر رزق رئيسي، نحصد منها ونبيع منتجاتنا في الأسواق لتأمين احتياجات أسرنا من المتطلبات الأساسية”. لكن بعد النزوح، فقدوا تلك المصادر، وأصبحت حياتهم تعتمد على المساعدات الإنسانية.
ويواجه اليمن تحديات شديدة حتى مع تحول الاهتمام إلى حالات طوارئ عالمية أخرى. في الوقت الحالي، يحتاج 18.2 مليون شخص في البلاد، بمن فيهم 4.5 مليون نازح، إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وفقا للأمم المتحدة.
خيام متهالكة
مسؤول الوحدة التنفيذية لمخيم الرحبة عبدالعليم مشوره، يصف الأوضاع في المخيم بالكارثية، ويقول: “النازحون يعيشون تحت خيام متهالكة، لا تقيهم من الأمطار أو البرد. ومع استمرار هطول الأمطار، أصبح المخيم بيئة خصبة لانتشار الأمراض. الأطفال يعانون من التهابات تنفسية حادة وأمراض جلدية، في ظل غياب أي خدمات طبية”.
ويشير إلى أن: “الأمطار والسيول التي ضربت المخيم هذا العام كانت أشد من أي وقت مضى، مما تسبب في انهيار الخيام عدة مرات، وزاد من معاناة النازحين الذين أصبحوا معرضين لأخطار صحية جسيمة بسبب تجمع الماء في محيط المخيمات مما يعزز من انتشار الأوبئة والأمراض.”
يواصل مشوره حديثه لـ”منصة ريف اليمن” قائلاً:” برد الشتاء هذا العام ضاعف معاناة النازحين، الأسر تعاني من الإنفلونزا والخناق الشديد، والعشرات من الأطفال يصابون بأمراض عديدة دون أن يجدوا من يلبي احتياجاتهم أو يوفر الأدوية اللازمة مثل المضادات الحيوية. الوضع الصحي في المخيم متدهور للغاية، ويضع النازحين في حالة مأساوية تتزايد فيها الاحتياجات مع غياب الدعم والرعاية”.
وأكد أن التغيرات المناخية أثرت بشكل كبير على قدرة النازحين في الحصول على الموارد الأساسية، مثل الغذاء والمياه والبطانيات والملابس الشتوية. وأضاف “أصبح النازحون عاجزين عن توفير الغذاء الكافي بسبب ارتفاع الأسعار ونقص الدعم، والأوضاع الإنسانية في المخيم تتطلب استجابة عاجلة من الجهات المعنية”.
وتشكل التغيرات المناخية تحديًا عالميًا متزايدًا يهدد حياة الملايين، خاصةً بين الفئات الأكثر هشاشة مثل النازحين في المخيمات الريفية. إذ تؤدي هذه التغيرات إلى اضطرابات في أنماط الطقس، وزيادة في وتيرة وشدة الكوارث الطبيعية، وارتفاع درجات الحرارة، مما يفاقم من معاناة المجتمعات الضعيفة ويضعها في مواجهة مباشرة مع الأزمات الإنسانية.
ومنتصف سبتمبر الماضي، أطلقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) وكتلة المأوى (Shelter Cluster)، نداء مشترك، لجمع تمويل قدره 8 ملايين دولار لتقديم المساعدات لنحو 655 ألف شخص من النازحين داخلياً والعائدين من النزوح والمجتمعات المضيفة خلال فصل الشتاء القادم بين أكتوبر/تشرين الأول 2024 – وفبراير/شباط 2025.
دعوات لتدخل عاجل
ويقول فاضل الحمودي، استشاري في الوحدة التنفيذية للنازحين، إن التغيرات المناخية زادت من معاناة النازحين بشكل كبير، مشيرًا إلى أن موسم الشتاء يشكل تهديدًا مباشرًا على معيشتهم بسبب الأمطار الغزيرة الناجمة عن المنخفضات الجوية المفاجئة والبرد القارس.
وأضاف الحمودي، خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن التغير المناخي لا يقتصر على كونه قضية بيئية فحسب، بل هو أزمة إنسانية واجتماعية تتطلب استجابة عاجلة على المستويين الدولي والإقليمي لدعم الفئات الأكثر تأثرًا، مثل النازحين في المخيمات الريفية، وضمان حقهم في العيش بكرامة وأمان.
وأوضح أن انهيار المأوى الطارئ، المصنوع غالبًا من مواد ضعيفة مثل البيوت الخشبية أو الطرابيل العادية، يؤدي إلى تشريد إضافي داخل المخيمات أو انتقال النازحين إلى مناطق أكثر عرضة للمخاطر. وأشار إلى أن غياب وسائل التدفئة الكافية يؤدي إلى تدهور الأوضاع الصحية للنازحين، حيث تتسبب موجات البرد في إصابة الجهاز التنفسي بالتهابات حادة، كما تؤدي مياه الأمطار الراكدة إلى انتشار البعوض والأمراض الجلدية.
وأشار الحمودي إلى أن تقلص وصول المساعدات أو انقطاعها عن النازحين يعود في كثير من الحالات إلى وعورة الطرق التي تتفاقم بفعل الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات، مما يجعل إيصال الإمدادات الأساسية، مثل الغذاء والمياه، أمرًا بالغ الصعوبة، ما يزيد من حدة معاناة النازحين.
داعيا المنظمات الدولية والمحلية إلى تدخل عاجل وإنشاء مخيمات أكثر مقاومة للمياه والبرد، إلى جانب تطوير نظم تصريف مياه فعالة لتجنب تجمع السيول داخل المخيمات، مشددا على أهمية توزيع وسائل التدفئة والاحتياجات الأساسية، مثل البطانيات والملابس الشتوية والحقائب المخصصة لفصل الشتاء، بشكل استباقي قبل اشتداد البرودة، لضمان توفير حماية كافية للنازحين.