ريف ذمار: مدارس بلا دورات مياه

ينص القانون على توفير البيئة الصحية في المؤسسات التعليمية

ريف ذمار: مدارس بلا دورات مياه

ينص القانون على توفير البيئة الصحية في المؤسسات التعليمية

أثناء ما كانت سمية (16 عاما)، تقترب من موعد استكمال تعليمها المدرسي، كان يراودها حلم التحاقها بالجامعة، لتصبح ذا شأن في المستقبل، غير أن هذا الحلم تم وأده من قبل أسرتها قبل استكمالها المرحلة الأساسية؛ نتيجة تعرضها لمشكلات صحية سببها غياب دورات المياه في المدرسة الحكومية التي تتلقى فيها التعليم بمديرية ضوران بمحافظة ذمار وسط اليمن.

كغيرها من صديقاتها، أُرغمت سمية على إيقاف التعليم وهي في الصف الثامن الأساسي، نتيجة قرار اتخذه والدها بعد تعرضها لمشكلات صحية بسبب حبس البول لفترات طويلة، وتلقي تحذيرات من طبيب المسالك البولية أن ذلك قد يقودها إلى الإصابة بالفشل الكلوي، وهو ما دفعه لتقديم صحتها على تعليمها.

مدارس بلا دورات مياه

تقول سمية -وهي إحدى طالبات مدرسة الوفاء، التي تعد من أهم المدارس الحكومية في المديرية- لمنصة ريف اليمن: “رغم أن المدرسة من أقدم المدراس، إلا أنها تفتقر لدورات المياه، وهي مشكلة مجتمعية كبيرة يسكت عنها الكثير خوفاً من الإحراج، وحرمنا من التعليم بسبب ذلك”.


     مواضيع ذات صلة


وتضيف بنبرات صوتها الممزوجة بالأسى: “درسنا في فصول ضيقة وصغيرة، فالمدرسة تستوعب نحو 800 طالب وطالبة، ورغم هذا العدد الكبير إلا أن المدرسة تفتقر للمقومات الصحية من دورات مياه ومياه نظيفة، عانينا كثيرا، حتى وصل الأمر إلى حرماننا من التعليم لهذه الأسباب”.

وتفتقر الكثير من المدراس الحكومية في المناطق الريفية  إلى وجود دورات المياه، كحال مدرسة الوفاء بالمديرية التي تلقت فيها سمية تعليمها، مما ينعكس سلباً على الطلاب، خصوصاً الطالبات اللواتي يدفعن ثمن الإصابة بأمراض وأضرار صحية خطيرة، والحرمان من مواصلة تعليمهنّ.

حاول والد سمية طرح ذرائع لإقناعها للتوقف عن التعليم، منها الاختلاط، إذ تقول: “أنا واحدة من بين العشرات اللواتي حُرمن من مواصلة التعليم، لقد أجبرني والدي على التوقف بحجة أن الفصول الدراسية مختلطة”. لكن السبب الحقيقي الذي اتضح لها لاحقا كان “خوفه على صحتي بسبب عدم توفر دورات مياه”.

تؤكد سمية أن مشكلة دورات المياه من أكثر المشاكل التي عانت ورفيقاتها منها أثناء التعليم، وتقول: “كنا نضطر إلى حبس البول لساعات حتى نعود إلى المنزل، لا توجد خصوصية، وكنا نشعر بالإحراج من معلمينا عند حاجتنا إلى دورات المياه، ولا نستطيع التحدث، إذ إن المدرسة لا يتوفر فيها سوى حمام واحد وهو خاص بالمعلمين”.

وتعتبر مدرسة الوفاء الريفية واحدة من أهم المدارس الحكومية في مديرية ضوران آنس بمحافظة ذمار، تأسست في أواخر التسعينات ويدرس فيها طلاب ينحدرون من سبع عزل ريفية، لكن غياب دورات المياه فيها باتت تشكل تحديًا كبيرًا للطالبات، وتؤثرا سلبا على صحة الطلاب بشكل عام.

الصحة بدلا عن التعليم

وتنص الفقرة رقم 1 من المادة (35) لسنة 1993 من اللائحة التنظيمية لوزارة التربية والتعليم على: تقديم الخدمات الصحية للتلاميذ والطلاب ‏والموظفين وبما يخدم أهداف السياسة ‏التعليمية.‏، فيما تنص الفقرة 4 من ذات المادة على “العمل على توفير البيئة الصحية السليمة في المؤسسات التعليمية بتقديم المشورة والرأي حول المواصفات الصحية للأبنية المدرسية والتفتيش عليها”.

قبل إيقافها عن التعليم تعرّضت سمية لأمراض متعددة، وشخّصها طبيب المسالك البولية على أنها ناتجة عن حبس البول لفترات طويلة، وبعد أن تماثلت للشفاء بدأت تحدّث نفسها عن العودة إلى المدرسة، لكنها تفاجأت أن قرار والدها لا رجعة عنه، وهو ما أصابها بالندم على مستقبلها الذي كانت تحلم به.

سمية التي كانت شجاعة بما يكفي لتتكلم، ليست وحدها من تعرضت لمشكلات صحية؛ إذ تتبَّع التقرير المشكلة في محاولة لرصد حالات الإصابة، وأسباب المنع من التعليم، لكن الكثير من الفتيات رفضن الحديث لأسباب مجتمعية، مع اتفاق الكثير منهن على ذات المشكلة في منعهن من إكمال تعليمهن.

ويشكو الكثير من طلاب المناطق الريفية في ذمار، من تعرضهم للإصابة بأمراض في الجهاز البولي؛ بسبب حبسهم للبول لفترات طويلة تمتد من 4-6 ساعات خلال الحصص المدرسية، بسبب غياب دورات للمياه في المدراس الحكومية.

وكان تقرير نشرته منظمة “اليونيسف” في فبراير 2023 قال إن العديد من الطلاب والمعلمين يفتقرون في المدارس للمياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي الذي يعرض صحتهم للخطر، وأشار إلى أن “نقص المرافق يؤثر على تعليم الطلاب، حيث يضطر الكثير منهم للتغيب خصوصا الفتيات؛ بسبب الأمراض المرتبطة بالمياه وعدم كفاية مرافق الصرف الصحي”.

ويرى الدكتور جابر عبد الله، طبيب من أبناء المنطقة، أن الكثير من الأضرار الصحية التي طالت العديد من الفتيات في المنطقة تعود إلى عدم توفر دورات المياه في المدراس التي تعاني من ضعف عملية التأهيل من قبل الجهات الرسمية.

وأشار عبد الله خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، إلى أن حبس البول لفترات طويلة “قد يتسبب بالكثير من الأمراض، منها التهابات المسالك البولية، وإحداث بعض الأضرار الجسيمة للمثانة وغيرها من الأمراض”، لافتا إلى أن “ارتجاع البول من المثانة إلى الكلى من الممكن أن يتسبب بفشل كلوي مع مرور الزمن لا قدر الله”.

وشدّد على أهمية بناء دورات مياه في المدارس لتجنيب الطلاب هذه المشكلات، وإعادة تأهيلها بشكل مستمر، مشيرا إلى وجوب أن يكون لكل 30 طالباً -على الأكثر- حمام واحد، أو وفق المعايير الخاصة بوزارة التربية والتعليم وفقا للقانون.

إشكالية مستمرة

ويلفت الأستاذ في علم الاجتماع أحمد حاشد، إلى أن قرار الأسرة بإيقاف الفتيات من إكمال تعليمهن لا يقتصر على عادات وتقاليد المجتمع، بل يرتبط بالمشاكل الصحية لبعض الفتيات وصعوبة الكشف عنها لحساسيتها المجتمعية.

مشكلة انعدام دورات المياه ليست حديثة، بل قديمة كما يشير شقيق سمية، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، لافتا إلى أن الطلاب الذكور يضّطرون للخروج وقطع مسافة بعيدة لقضاء الحاجة، أما بالنسبة للفتيات فمعاناتهن أكبر، والأضرار عليهن أكثر.

وأضاف في حديثه لمنصة ريف اليمن: “قررنا منع سمية من الذهاب إلى المدرسة عندما وصلت إلى مستوى جيد من القراءة والكتابة بسبب مرضها نتيجة عدم توفر دورات للمياه التي سببت لها مشاكل صحية”.

أما المعلم حفظ الله الدريب، فقال إن مشكلة دورة المياه واحدة من أصعب المشاكل المتفاقمة في المدراس اليمنية، معتبرا أنها السبب الرئيسي في معاناة الطلاب والطالبات.

وأوضح لمنصة ريف اليمن أن حلّها يمكن أن يختصر الجهود التي تقوم بها الجهات الرسمية والمنظمات التعليمية في حملات العودة للمدارس بداية كل عام دراسي.

وفي محاولة من قبل الأهالي لحل تلك المشكلة، تم إطلاق مبادرة مجتمعية نجحت ببناء حمامين، مع الإشارة إلى أن إحدى المنظمات دعمتهم بشكل بسيط، حيث اقتصر دورها على تسليم مستحقات الأيدي العاملة، لكن المشكلة ظلّت مستمرة، بسبب كثافة الطلاب في المدرسة، ما يستدعى التدخل من قبل الجهات المختصة، لإنهاء المشكلة، أو التخفيف منها على الأقل، وإتاحة الفرصة للفتيات لمواصلة تعليمهن.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: