الضالع.. مبادرة مجتمعية تُنقذ مدرسة بقعطبة من التوقف

وفرت المبادرة رواتب للمدرسين ومستلزمات وكتب للطلاب

الضالع.. مبادرة مجتمعية تُنقذ مدرسة بقعطبة من التوقف

وفرت المبادرة رواتب للمدرسين ومستلزمات وكتب للطلاب

ساهمت مبادرة مجتمعية في قعطبة بمحافظة الضالع جنوب اليمن بعودة التعليم إلى مدرسة حكومية، ووفرت رواتب للمدرسين ومستلزمات طلابية وكتب مدرسية، وتعد إحدى قصص النجاح الإيجابية اللافتة في المجتمع.

تراجُعٌ كبيرٌ شهدته اليمن خلال السنوات الماضية في مختلف القطاعات؛ بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ أواخر العام 2014، وما تلتها من أزمات مختلفة، ويأتي التعليم على رأس تلك القطاعات المتضررة، غير أن المبادرات المجتمعية وضعت بصمة إيجابية، وساهمت في دعم قطاعات مختلفة؛ منها التعليم.

وأثّر انقطاع مرتبات المدرسين، وتدهور البنية التحتية سلباً على استمرار العملية التعليمية، الأمر الذي دفع المجتمع في مختلف المناطق إلى تبني مبادرات لإنقاذ الأجيال، تارة عبر بناء فصول دراسية، وتارة من خلال توفير مرتبات مدرسين أو التطوع للتدريس.

مبادرات إنقاذ التعليم

عزلة “الوَحَجْ” بمديرية قعطبة بمحافظة الضالع (جنوبي اليمن)، واحدة من تلك المناطق التي شهدت العديد من المبادرات المجتمعية الهادفة إلى دعم العملية التعليمية، ونجحت بنسبة كبيرة في تذليل الصعوبات التي واجهت قطاع التعليم في المديرية، وعملت على إنقاذه.

وساهمت المبادرات التي قادها الأهالي بإنقاذ مدرسة عمر بن عبد العزيز للتعليم الأساسي والثانوي من التوقف، ويقول ياسر عياش، مدير المدرسة: “إن المبادرات المجتمعية ساندت قطاع التعليم في وقت الشدة، وخففت من المعاناة التي أحدثها انقطاع المرتبات وغياب الدعم الحكومي”.


      مواضيع مقترحة


ويضيف عياش لمنصة ريف اليمن: “بعد توقف التعليم بالمدرسة التي تضم حوالي 400 طالب وطالبة، قاد الأهالي مبادرات نجحت باستئناف التعليم، والتخفيف من وطأة انقطاع المرتبات، وتدهور الوضع المعيشي لقطاع المعلمين”، لافتا إلى أن المبادرات تمثلت بتوفير مرتبات للمدرسين، وتوفير الكتاب المدرسي، ومستلزمات دراسية.

وكان للمغتربين من أهالي المنطقة الدور الأبرز؛ حيث تمكنوا من توفير مرتبات شهرية لعدد 4 من المدرسين المتعاقدين لتدريس مواد كانت شاغرة بسبب موجة الهجرة للكادر التربوي بحثاً عن بدائل أخرى لتوفير لقمة العيش، وهو ما ساعد في استمرار العملية التعليمة، وحافظ على سلامة مخرجاتها، وفقا لمدير المدرسة.

وتسببت الحرب في خروج ما يقارب 2500 مدرسة في اليمن عن الخدمة بعد أن تم تحويلها للاستخدام العسكري وإيواء النازحين، وهو ما ساهم في مضاعفة معدلات التسرب المدرسي؛ حيث بلغ معدل التسرب الابتدائي 30.5%، وهي من أعلى المعدلات في العالم العربي، وفقًا لدراسة أعدها الدكتور عادل الشرجبي.

الضالع.. مبادرة مجتمعية تُنقذ مدرسة بقعطبة من التوقف
جزء من الحقائب والمستلزمات الطلابية التي قدمت للطلاب الفقراء(ريف اليمن)

يقول موسى شعبان، وهو مدرس اللغة العربية في المدرسة، إن هذه المبادرات المجتمعية أسهمت في الحفاظ على استمرار العملية التعليمية، ووفرت استقراراً للمجتمع المحلي في ظل هذه الظروف الصعبة، مشيداً بتعاون الجميع في دعم العملية التعليمية.

دور بارز للمغتربين

ويضيف:” كان للمغتربين من أبناء العزلة الدور الأبرز والأثر البالغ في دعم العملية التعليمية؛ حيث تكفلوا بدفع مبلغ 400 ألف شهريا كمساهمة فاعلة في دفع رواتب المدرسين، مما ساعد في سد نقص الكادر التربوي، وتوفير متطلبات المدرسة، ومواصلة الأداء التعليمي في المدرسة”.

وبالتزامن، قاد أحد المغتربين من أهالي المنطقة مبادرة ذاتية، وتكفل بتقديم مستلزمات دراسية لـ 60 طالبا وطالبة من أبناء الأسر الفقيرة والمحتاجة، شملت الزي المدرسي، والحقائب والمستلزمات الطلابية، التي تمثل عبئا كبيرا على الأسر ذات الدخل المحدود.

ومثّلت تلك المبادرة بارقة أمل للطلاب من الأسر الفقيرة، ودفعتهم إلى مواصلة التعليم، ويصف التربوي شعبان تلك المبادرة بـ”الملهمة”، مؤكدا أنها ترسخ مبدأ التعاون والتراحم في المجتمع، وتؤكد على أحقية الجميع في التعلم مهما كانت الظروف المعيشية.

ويشير تقرير منظمة اليونسيف الصادر في العام 2024 إلى وجود 4.5 مليون طفل يمني خارج المدرسة، ويتابع التقرير أنه “في غضون ما بين خمس وعشر سنوات، ربما يكون الجيل القادم أميّاً، وربما لا يعرف الحساب، ولديه القليل جدا من المهارات الحياتية والتأسيس، وهذا سيكون أمرا إشكاليا أكثر وأكثر مع انتقال البلاد إلى المرحلة التالية مع جيل جديد”.

الضالع.. مبادرة مجتمعية تُنقذ مدرسة بقعطبة من التوقف
عدد من الكتب المدرسية التي تم طباعتها بالآلة التي قدمتها المبادرة المجتمعية للمدرسة (ريف اليمن)

مبادرة أخرى قادها الأهالي، ساهمت في توفير الكتاب المدرسي للطلاب من خلال توفير آلة طباعة خاصة بطباعة المنهج المدرسي بتكلفة تقدر بحوالي 800 ألف ريال يمني، حوالي (1500 دولار امريكي)، مع مساهمة فاعلة في توفير أوراق الطباعة، والحبر بشكل دوري كلما دعت الحاجة لذلك، حسب مدير المدرسة ياسر عياش.

يؤكد عياش خلال حديثه لـ”ريف اليمن” أن هذه المبادرات “مَثّلت أحد الحلول التي ساعدت في تقليل تكاليف الطباعة السنوية، وحلت أزمة المنهج الدراسي في المدرسة التي ظلت عائقا لسنوات عديدة، وشكلت مشكلة مؤرقة ما كان بالإمكان لنا تجاوزها لولا عطاء الخيرين، وتظافر جهودهم”.

موضحاً أن “هذه المبادرة ساعدت بشكل أساس في صمود المدرسة، وتعزيز دورها في البقاء والاستمرار لتقديم العملية التعليمية، والإسهام في إعداد جيل واعٍ متسلح بالعلم والمعرفة”.

نموذج للتكافل

على الرغم من النجاحات التي حققتها المبادرات المجتمعية في دعم التعليم والطرقات وغيرها، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعيق نجاحها بشكل كامل، وكما يخطط له؛ لأسباب لها علاقة بالموارد المالية أو التخطيط، كما يقول الصحفي سند راجح لمنصة ريف اليمن.

ويستعرض راجح أبرز هذه التحديات التي تتمثل بنقص الموارد المالية، وسوء التخطيط في بعض الأحيان؛ مما يؤدي إلى تعثر بعض المبادرات. كما أن استمرار هذه المبادرات يعد تحدياً كبيراً، حيث تفتقر العديد منها إلى استراتيجيات طويلة الأمد.

مبادرة مجتمعية تنقذ مدرسة بمديرية قعطبة من التوقف
صورة للطابعة التي قدمتها المبادرة المجتمعية للمدرسية في مديرية قعطبة بالضالع

ويرى راجح أن استمرار الدعم المجتمعي يعتمد بشكل كبير على توجيه الجهود نحو تطوير آليات مؤسسية تشاركية تضمن استمرارية المبادرات، وتفعيل دور المجتمع بشكل فعال في تحسين الوضع التعليمي. ويؤكد على ضرورة تأسيس مبادرات مجتمعية ذات طابع مؤسسي يتم من خلالها توظيف الإمكانات المتاحة بشكل فعّال، مع الحفاظ على الشفافية والنزاهة في إدارة الموارد.

وفيما يتعلق بتطوير المبادرات المجتمعية ونجاحها؛ يشير ياسر عياش إلى أهمية عقد اجتماعات دورية مع أولياء الأمور ومجالس الآباء لتوثيق العلاقة بين المدرسة والمجتمع، ويدعو إلى تطوير آليات عمل مؤسسي تضمن مشاركة الجميع في تحسين الوضع التعليمي في المنطقة.

وخلال السنوات الماضية، مثّلت المبادرات المجتمعية في مناطق ريفية مختلفة نموذجاً حياً للتكافل الاجتماعي، وساهمت في تعزيز الاستقرار الاجتماعي وتحسين الخدمات الأساسية، كالطرقات والتعليم، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، مما يبرز قوة الإرادة المجتمعية والتضامن بين أفراد المجتمع لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: