يبدأ ياسر عبد الله (40 عامًا)، يومياته بعمل شاق يتمثل في نقل الأحجار من جبل خرز، الواقع بمديرية المضاربة بمحافظة لحج (جنوبي اليمن)، لتوفير لقمة العيش لأسرته المكونة من 12 طفلًا. ينتمي عبدالله إلى ذوي البشرة السمراء. ويعتبر العمل الشاق المصدر الرئيسي لدخل الكثيرين من هذه الفئة المجتمعية، بينما يلجأ آخرون إلى التسول لتأمين احتياجاتهم.
هذا العمل لا يحقق دخلا كافيا لياسر والعشرات من المهمشين الذين يقضون ساعات نهارا في حمل الأحجار او الأسمنت في سوق خور عميرة الساحلي، لكنه المتاح الممكن الذي يوفر لهم أدنى متطلبات العيش في ظل حرمان هذه الفئة من بعض الأعمال البسيطة بسبب النظرة الدونية.
عمل شاق وعائد ضئيل
يقول ياسر لمنصة ريف اليمن:”أنتظر كل صباح وصول الشاحنات إلى سوق المنطقة، وبعدها ننطلق إلى جبل خرز، الذي يبعد حوالي 20 كيلومترًا، لجمع الأحجار وتحميلها على الشاحنات. ويضيف لمنصة ريف اليمن: “أحصل على ثلاثة آلاف ريال فقط، وهو مبلغ لا يكفي لتأمين وجبة غداء لأطفالي، وأحيانًا أعمل في جمع التراب أو مادة “الرمْل”، لكن هذا العمل ليس منتظمًا، وأضطر للبحث عن مصادر أخرى للدخل”.
مواضيع ذات ضلة
إصلاح الأحذية.. ملاذ الفقراء ومعيشة للمهمشين
المهمشون.. مساكن هشة بمواجهة مناخ متقلب
بائعات الكراث.. مكافحات يقاومن التمييز المجتمعي
من جانبه، يعمل أحمد فتيني وهو من ذات الفئة، مع أصدقائه في تفريغ الشاحنات من مادة الإسمنت، ويصف العمل بأنه شاق ومرهق؛ إذ يحصلون على 50 ريالًا فقط مقابل نقل الكيس الواحد. ويشير فتيني إلى أن المهمشين ظلوا لفترات طويلة محرمين من كل المساعدات الإنسانية، ويتم إسقاط الغالبية من هذه الفئة كونها ضعيفة.
ويؤكد أنهم يضطرون للعمل بهذه المهن الشاقة من أجل البقاء على قيد الحياة، لافتا إلى أن الأوضاع المزرية دفعت بالكثير من أفراد هذه الفئة نحو التسول لتأمين متطلبات الحياة.
وبحسب مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، يُقدر عدد المهمشين في اليمن بثلاثة ملايين و500 ألف نسمة، ويقيم معظمهم في أحياء فقيرة في جميع المحافظات وتتصدر الحديدة النسبة الأعلى من تواجد المهمشين بنسبة 35%، وتأتي حجة بعدها بنسبة 13% وذمار 10% وعدن 8% وتعز 5% وصعدة 5% وصنعاء 4%.
وخلصت دراسة أجرتها وكالة التعاون التقني والتنمية بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية في العام 2022 في 14 محافظة يمنية إلى أن 80 % من الأسر لا تستطيع تغطية تكاليف الحصول على الرعاية الصحية، كما أن 37 % من المهمشين يفتقرون إلى ما يكفي من المال لتوفير الغذاء، و49 % من الأطفال المهمشين لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس.

للنساء نصيب
هذه المعاناة ليست حصرية على فئة الذكور، بل حتى الإناث يدفعن الثمن ولو بأشكال مختلفة، كما حصل مع “سمر ثابت”، التي ظلت تتردد على مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية في لحج لاستعادة بطاقة استلام الإعانة المالية التي فقدها والدها، وتمثل مصدر الدخل الوحيد لأسرتها.
تبلغ قيمة الإعانة 30 دولارًا وتُصرف كل أربعة أشهر. لم تستطع سمر ووالدها السبعيني -الذي كان رفيقا لها في تلك المتابعة- إنجاز معاملتها سريعا، فاضطرت للسفر بين منطقتها خور عميرة ومدينة الحوطة، التي تبعد 120 كيلومتراً، لإنجاز معاملتها، وخلال هذه الفترة، خسرت معظم مبلغ الإعانة على تكاليف النقل والمتابعة، واضطرت للاستدانة من أقاربها.
تعيش سمر مع أطفالها ووالديها وأبناء شقيقها اليتامى في منزل شعبي صغير، وتعيش في معاناة بعد أن أسقط برنامج الغذاء العالمي اسمها واسم شقيقها المتوفى من قائمة المستفيدين، وتقول لمنصة ريف اليمن: “أطفالي يجمعون العلب من القمامة، بينما تلجأ النساء للتسول في القرى، أما الرجال فيعملون في حمل الأوزان الثقيلة مقابل أجور زهيدة من أجل سد رمق العيش”.

لم تقتصر المعاناة في نضال المهشمين على لقمة العيش، فثمة معاناة مع العطش تهدد حياة هذه الفئة في هذه المنطقة؛ إذ إن هناك العشرات من المهمشين يشربون من المياه المالحة من خلال أحد الابار القريبة من بحر الخور لعدم مقدرتهم على شراء المياه.
وتبين ماطرة أحمد (60عاما) حجم المعاناة التي تواجههم لعدم وجود مياه نقية للشرب في المنطقة بعد طمر الرمال لأحد الآبار التي كانوا يشربون منها، وهو ما جعلهم يضطرون لشرب هذه المياه المالحة.
وتضيف :”هذا العام أصيب البعض من القرية بداء الكوليرا، والبعض بحصوات في الكلى بسبب هذه المياه المالحة، وكلما حاولنا التواصل مع بعض المنظمات التي تزور المنطقة لمدِّنا بمياه نقية أو حفر البئر المطمورة والدعم بألواح شمسية يتم إعطاؤنا الوعود دون تنفيذ”.
وكانت دراسة مسحية لمجتمع المهمشين في اليمن، أعدّتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وشملت 9200 أسرة (51406 أشخاص)، كشفت عن ارتفاع مستويات الفقر مع انخفاض الإلمام بالقراءة والكتابة والالتحاق بالمدارس. وتشير الدراسة إلى أن الظروف المعيشية للأسرة سيئة للغاية، وتواجه صعوبة في الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية.