أثارَ قرار وزارة الزراعة والثروة السمكية في الحكومة اليمنية، بمنع إنشاء مصانع خاصة لطحن أسماك السردين، وتوقيف المصانع الموجودة في محافظتي حضرموت والمهرة، استياء مئات الصيادين الذين تظاهروا للمطالبة بإلغائه وعدم التضييق عليهم في مصادر عيشهم.
وبرّرت الوزارة قرارها بأن مصانع الطحن تشكّل خطرا على مخزون الثروة السمكية، وهو ما نفاه مُلّاك تلك المصانع مؤكّدين أن القرار يفتقر إلى أي مبررات حقيقية وعلمية، وأن الادعاء بأن مصانع الطحن تشكل هدرا للثروة السمكية باطل غير صحيح.
وأحدث القرار جدلا واسعا في المحافظتين، وانقسمت الآراء حوله إلى مؤيد ومعارض، ورأى المؤيدون أنّ القرار سينظم ويحفظ المخزون السمكي ويمنع جرفه، فيما يرى المعارضون أنّ القرار لم يكن مدروسا، وحَرمَ المئات من الأيادي العاملة المحلية من فرصة المعيشة على سمك السردين الذي يوجد في مواسم محدّدة، وتعتاش عليه كثير من الأسر.
مواضيع مقترحة
الوَزِف.. السمك المجفف المُفضل بمائدة سكان تعز
الثروة الحيوانية.. ركيزة اقتصادية مهملة في اليمن
قصة ملهمة.. أول مشروع زراعي بكادر نسائي في سقطرى
أضرار الصياديين وتبرير الحكومة
يشكو الصياديين أن قرار الحكومة أضر بمصدر معيشتهم اليومية ولم يقدم لهم أي حلول تعوض خسارتهم في موسم السردين الذي يستمر شهر سنوياً، غير أن الحكومة ترى أن قرارها كان بناء على توصيات لجان فنية بخصوص المصانع المخالفة، وإنعكس على الانتاج السمكي.
يقول المهندس نادر عبد الرحيم باوزير مستشار وزير الزراعة والري والثروة السمكية: “إن قرار إيقاف مصانع الطحن للأسماك سبقته إجراءات عدة، منها مخاطبة الجهات المعنية، وتشكيل لجنة فنية شاركت فيها عدّة دوائر وكوادر فنية، ونزلت إلى المصانع في محافظتي المهرة وحضرموت، ورفعت توصيات صدرَ بناءً عليها قرار إيقاف سبعة مصانع؛ لأنّ عملها مخالف للتراخيص”.
وأضاف باوزير لمنصة ريف اليمن: “إيقاف المصانع عكسَ نتائج طيبة على الإنتاج السمكي بشكل كبير، وتوفّرت كميات كبيرة جدّا مِن أسماك السردين، بل ظهرت عدد من المبادرات الاجتماعية التي كانت قد اختفت منذ سنوات، فقد وُزّع سمك السردين على أصحاب الدخل المحدود مجانا، وأسهم في التخفيف عنهم ومراعاة لظروفهم الصعبة”.
في المقابل، قال الصياد أحمد باحمروس: “إن القرار لم يراعِ الظروف الاقتصادية للصيادين الذين لا يُلتفت إليهم إلا عندما تأتي المواسم التي يرون أنها فرصة لهم للكسب والتخفيف من البطالة، بل يتفاجؤون بقرارات غير مدروسة تضيّق على مصادر رزقهم”.
وأضاف باحمروس لمنصة ريف اليمن: “أسماك السردين موسمية وتستمرّ تقريبا شهرا واحدا، وبعدها تهاجر، والصياد يجمع كميات كبيرة، فجزء يستفيد منها المواطنون بالبيع المباشر، وجزء يبيعونه على تلك المصانع بحسب مواصفات محددة”.
وأكّد أن كثيرا من الصيادين ومن المواطنين تضرّروا من هذا القرار، فقد كان الجميع يعمل ويكسب بالجرف والتعبئة والنقل، لكن الآن مع توقف المصانع سيتوقف العمل، ويقول متسائلا: “ما البديل الذي سيقدمه لنا مَن اتخذ هذا القرار؟ هل يستطيعون تعويض مَن خسر رزقه، أم يكتفون باتخاذ القرارات التي تضر المواطنين؟”.
وأردف: “يحضرون لإلحاق الضرر بنا، لكن عندما يتعلق الأمر بمساعدة الصيادين، فلا نراهم، وكأنّ الأمر ليس من شأنهم. هم يعرفون مدى ما نعانيه طيلة الموسم مِن غلاء المشتقات واختلاف الإنتاج من موسم إلى آخر، وهذا يتحمّل مغبّته الصياد وحده من دون مساعدة من أي جهة حكومية”.
حماية المخزون السمكي
رئيس هيئة البحوث السمكية صبري لجرب قال: “إنّ القرار من الناحية العلمية صائب؛ لأن البيئة البحرية تتعرض الآن لاستنزاف في مخزون الأسماك السطحية الصغيرة، مثل أسماك السردين والطبول والجذريات وغيرها، وهناك استنزاف على المخزون بصورة كبيرة”.
وأضاف في حديثه لمنصة ريف اليمن: “نحن، في هيئة الأبحاث، عملنا كثيرا من المسوحات الميدانية وتحاليل الأطوار والأحجام وللمصيد ولمعدلات النضوج الجنسي، ووجدنا أن هذه الأنواع ازدهرت في أماكن النضوج الجنسي، وكميات الاستغلال مفرطة لهذه الأسماك، ويؤدي شحنها للقوارب بكميات كبيرة إلى تلفها، ولا تشتريها الشركات؛ لأنّها تالفة”.
وأشار لجرب إلى أنّ جميع المؤشرات البيولوجية تؤكّد أنّ هناك عملية استغلال واصطياد جائر لهذه الأسماك تهدّد المخزون من هذا النوع، ونحن نرى أيّ قرار يُتخذ لحماية المخزون السمكي والبيئة البحرية في الوقت الحالي صائبا، ورفعنا تقارير وتوصيات بضرورة حماية البيئة البحرية، سواء أكانت الأسماك الصغيرة أم الأسماك الإقطاعية”.
قرار جائر ضد المستثمرين
مُلاك مصانع الطحن وصفوا القرار بـ”الجائر”، وأكّدوا أن استمرار العمل به سيلحق أضرارا مادية جسيمة ليس بالمصانع وحدها، بل بالصيد أيضا والاقتصاد الوطني بشكل عام، وستتضرر آلاف الأسر التي يعمل معيلوها في مصانع الطحن.
وأوضحوا أن وجود مصانع لسحق السمك يوفر منفذا إضافيا للصيادين لبيع منتجاتهم، مما يُسهم في استقرار أسعار الأسماك، ويعزّز القدرة التنافسية للمصانع في الأسواق العالمية، مؤكّدين أنّ القرار يفتقر إلى أي أسباب ومبررات حقيقية وعلمية، وأنّ الادعاء بأن المصانع تشكّل هدرا للثروة السمكية باطل وغير صحيح.
الصحفية هدباء اليزيدي بدورها قالت: “إنّ القرار أسهم كثيرا في استقرار ووجود أسماك السردين التي كادت تختفي من الأسواق بسبب الجرف بطريقة عشوائية، لا سيما أن المجتمع في حضرموت يعتمد أساسا على هذا النوع من الأسماك التي تُسمّى العيد”.
وأضافت في سياق حديثها لمنصة ريف اليمن: “قبل القرار بلغت أسعار أسماك السردين ثلاثة آلاف ريال للحبة الواحدة، وكاد ينعدم من السوق، ولكن بعد القرار، توفّر بشكل كبير، ووصل سعر الحبة إلى 500 ريال، بل وُزّع مجانا على المواطنين”.