تشتهر محافظة تعز، الواقعة جنوب غرب اليمن، بكثير من الأكلات الشعبية والعادات الغذائية المتوارثة، ومنها “الوَزِف”، الذي يأتي على رأس قائمة تلك الوجبات التي يُفضلها أغلب السكان البالغ عددهم نحو 4 ملايين نسمة، ولا سيما القاطنون في المناطق الريفية.
الوَزِف.. السمك المجفف
والوزف صغار سمك السردين، تُصطاد في مواسم متعددة، فتُجفف لأيام مضافا لها الملح، وتُباع بالصاع (مكيال أو وحدة لقياس الحجم)، وتُعدّ من الأطعمة الشعبية المفضلة لأبناء تعز وبعض المحافظات، وهو من الأكلات الشائعة نظرا لأسعاره المقبولة وقيمته الغذائية العالية، وقد يُقدّم هدايا لمغتربي اليمن في الخارج.
يذكر المواطن صبري المقطري، أحد عُشاق هذه الوجبة، أن “الوزف” عنصر أساسي في كثير من الوجبات اليومية التي يتناولها السكان في ريف تعز، ويشير إلى ارتباطه العميق بالعادات الغذائية المحلية. ويضيف المقطري لمنصة ريف اليمن قائلا: “الوزف يُعد جزءا من الثقافية الغذائية في تعز خصوصا، وبعض المحافظات المجاورة لها كإبّ ولحج، ويعكس التنوّع الغذائي الذي يتمتع به المجتمع.
ويحضر الوزف في بعض الوجبات اليومية الرئيسية، ويلفت إلى أن الوزف يؤكل مع العصيد، ومع الفتة أو الخبز وغير ذلك، وتُعدّ الفتة مع الوزف والحلبة من الأطباق الشائعة في منطقة المقاطرة التابعة لمحافظة لحج، مسقط رأس صبري.
أسماء عبد العزيز أيضا تبدي إعجابها الشديد بهذه الوجبة الشعبية، وتقول: “نحن نتناول الوزف يوميًا مع العصيدة أو الخبز، وهي الوجبة المفضلة لدينا في القرى منذ زمن بعيد، ونعتمد عليه أكثر من أي شيء آخر، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، إذ أصبح الحصول على اللحم والدجاج أمرًا صعبًا”.
وتضيف أسماء، التي تنحدر من مديرية جبل حبشي غرب تعز، لريف اليمن: “يمتاز الوزف بغناه بالبروتين، وكثير من الفيتامينات والمعادن، مما يجعله خيارًا لكثير من الأسر، ولا يقتصر تناوله على ريف تعز فقط، بل يمتدّ ليكون جزءًا من ثقافة الغذاء في محافظات أخرى”.
وتوضّح أن سكان الريف يحرصون على حضور الوزف في وجباتهم لأسباب اقتصادية، ولذا يتناوله الناس بشكل كبير في المدينة والأرياف بشكل مستمر، لافتة إلى أن أسعاره ارتفعت مؤخرا، وحُرمت منه كثير من الأسر التي كانت تعتمد عليه.
هل للوزف فوائد؟
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن أكثر من 17 مليون شخص يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن كثيرا من الأسر اليمنية تلجأ حاليًا إلى تدابير قاسية لمواجهة الفقر المتزايد، بعد استنفاد شبكات الأمان التقليدية منذ بداية النزاع، فقد أدّت الحرب إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، وخاصة المواد الغذائية.
منصة ريف اليمن سألت أستاذ التغذية العلاجية في كلية الطب بجامعة تعز، الدكتور هيثم الدبعي، عن فوائد الوزف، فأكد أنه “يحتوي على البروتينات التي تُعد مصدرًا ممتازًا لبناء وإصلاح الأنسجة، بالإضافة إلى مجموعة من المعادن الأساسية، مثل: اليود والفوسفور والمغنيسيوم والكالسيوم والحديد، ولها دور مهم في كثير من وظائف الجسم”.
ويحتوي الوزف، بحسب الدكتور الدبعي، على مجموعة من الفيتامينات التي تسهم في تعزيز الصحة العامة، ويُعتبر مصدرا غنيا بالعناصر الغذائية التي تسهم في تعزيز صحة الجسم بشكل عام، كما يُعد خيارا مناسبا لمن يسعى لإنقاص وزنه أو الحفاظ عليه، نظراً لأنه قليل السعرات الحرارية وغني بالبروتين.
ويشير إلى أن “الوزف يحتوي أيضاً على مضادات الأكسدة التي تساعد في حماية الجسم من الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب، وإن كان من جهة أخرى يحتوي على الأوكسالات، وهي مواد يمكن أن تتراكم في الجسم وتسبب مشاكل في الكلى إذا تناولها الإنسان بكميات كبيرة”.
ودعا أستاذ التغذية العلاجية في كلية الطب إلى تناول الوزف وجعله جزءا من نظام غذائي متوازن؛ للاستفادة من فوائده الصحية مع مراعاة الاعتدال في الكميات المستهلكة، وحذّر من بعض الأضرار المحتملة الناتجة عن استهلاكه بكميات كبيرة وبشكل مستمر؛ إذ تتضمن عملية تجفيف الوزف إضافة الملح، مما يستوجب تناوله باعتدال للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، كما قد يسبب الحساسية لدى بعض الأشخاص، خاصة الذين يعانون من حساسية تجاه الأسماك.
أسعاره وأنواعه
للوزف أنواع عدّة، ويقول تاجر الوزف محمد الأديمي: “من أنواع الوزف: الدقل، والجسر، والسويدة، والمثلوث، والدقل الصغير، والمخاوي هو أفضلها”، لافتا إلى أنه يمثل أهمية غذائية، وأن عليه إقبالا مستمرا من المواطنين، وخاصة سكان المناطق الريفية.
وأضاف الأديمي لمنصة ريف اليمن قائلا: “الوزف يُستخرج من مناطق بحرية متعددة، ومنها البحر الأحمر، البحر العربي، خليج عدن، جزيرة سقطرى”، ويشير إلى أن المناطق الأكثر شهرة في استخراج الوزف هي: شقرة أبين، رأس عمران، المخاء، باب المندب.
ويبدأ موسم جرف الوزف في شهري كانون الأول /ديسمبر وكانون الثاني/يناير، من كل عام، ويظهر الوزف بكثرة على شواطئ البحر خلال هذه الفترة، وفقا للأديمي الذي أشار إلى أن ساحل الحديدة والخوخة أيضا من المناطق المعروفة بإنتاج الوزف.
وتختلف أسعار الوزف باختلاف أنواعه، ويصل سعر الشوالة (كيس كبير) إلى 300 ألف ريال (160 دولارا)، وتعتبر محافظة تعز الأكثر استهلاكاً للوزف في اليمن، ولا سيما مديريات الريف، مثل المسراخ وجبل حبشي والتربة، ومديريات الحجرية التي يحرص سكانها دوما على شراء هذا المنتج، بحسب الأديمي.
وتُعد بحار اليمن مصدرا أساسيا لتلبية احتياجات السكان من الأسماك التي تعد عنصرًا أساسيًا في غذاء مواطني المناطق الساحلية، كما أن الثروة السمكية تعتبر من أهم الثروات الطبيعية المتجددة ومصدرا مهما للدخل القومي، وفي المياه الإقليمية اليمنية أكثر من 350 نوعا من الأسماك والأحياء البحرية الأخرى.