في خطوة تهدف إلى تشجيع المزارعين، وتعزيز الإنتاجية الزراعية والحيوانية، انعقد بمدينة تعز في الـ20 مِن أكتوبر/ تشرين أول الجاري، أول مؤتمر للفرص الاقتصادية الزراعية والسمكية، بمشاركة باحثين ومتخصصين وأكاديميين وممثلين عن المنظمات المحلية والدولية ذات الصلة.
وشهد المؤتمر معرضًا للمنتجات الزراعية، وتضمن أكثر من 8 أركان، لعرض ما تنتجه النساء الريفيات والمزارعون والمؤسسات المهتمة بالزراعة والإنتاج الزراعي والحيواني، كالذرة، والبُن، والشعير، واليقطين، والسمسم، والفول السوداني، وغيرها، كما استعرض عددا من قصص النجاح في القطاع الزراعي، وخرج بتوصيات من شأنها أن تسهم في تنمية القطاع الزراعي والحيواني والسمكي.
تشجيع واستغلال للفرص
وقال مدير مكتب التخطيط والتعاون الدولي، نبيل جامل “يهدف المؤتمر إلى تشجيع المزارعين، وتعزيز الإنتاجية الزراعية والحيوانية، والإسهام في تحسين مستوى معيشة الأسر واستغلال الفرص الاستثمارية في القطاع الزراعي والثروة السمكية، بالإمكانيات المتاحة، وعدم التوقف بسبب الوضع الاقتصادي الصعب أو شحة الموارد.
وأضاف في حديث لـ”منصة ريف اليمن”، “أن هناك تدخلات دولية في القطاع الزراعي، ملخصا دور المؤتمر بأنه يسعى إلى جذب القطاع الخاص والمنظمات الدولية، من أجل العمل في هذا المجال الذي يُعوَّل عليه في تأمين الأمن الغذائي، بالإضافة إلى أنه فرصة اقتصادية لمورد حقيقي.
وقال جامل : “إن المؤتمر قدم بعض التجارب الناجحة مثل مبادرة “نساء طالوق للاهتمام بالبنّ” التي أصبح لها منافذ دولية لبيع البن في قطر ودبي وجدة، بالإضافة إلى محصول البصل والأسماك التي تشهد عمليات تصديرات غير عادية”.
ومن الأهداف الرئيسية للمؤتمر، كما يقول جامل لمنصة ريف اليمن، بحث كيفية مَأْسسة المبادرات حتى تؤتي ثمارها بطريقة أجدى، وإشراك القطاع الخاص في عملية التسويق للمحاصيل المنتَجة والنادرة، كاللوز الذي يُنتج لأول في تعز، بالإضافة إلى إنتاج الفراولة، وزيت الزيتون، وكلها محاصيل أصبحت تُنتج بكميات تجارية، ويلفت إلى أن نقص التمويل يجب أن لا يكون عقبة قائلا: “علينا الاعتماد على أنفسنا، وأن نبدأ بمبادرات تفيد الوطن والمواطن”.
مشاريع استثمارية
تمحور المؤتمر حول خلق فرص ومشاريع استثمارية عدة في قطاع الزراعة والاقتصاد بالدراسات التي أجراها مكتب الزراعة في المحافظة لجذب المستثمرين من القطاع الخاص وغيره، كما يقول فضل عبد الجليل مستشار مكتب الزراعة في المحافظة.
وأوضح عبد الجليل أنّ أهم الفرص الاستثمارية تتمثل في إنشاء مصنع للتمور؛ إذ تُعد مدينة المخا بيئة خصبة لزراعة النخيل، ويتوفر فيها أكثر من 100 ألف شجرة حاليا، بالإضافة إلى المناطق المجاورة كالخوخة، مع توفر جميع متطلبات العمل من كهرباء وأيادٍ عاملة وغيرها، وسيكون المشروع رافدا اقتصاديا كبيرا لمكافحة الفقر ودعم سبل العيش.
“ومن الفرص أيضا إنشاء سوق جملة متطور وحديث في جبل حبشي والمخا؛ ليساعد على رفد مستدام للأسواق المحلية والخارجية بالخضروات والفواكه، ودعم البنية التحتية، وبذلك يستفيد منها المنتج والمستهلك والمستثمر بشكل عام، بالإضافة إلى إنشاء مصنع للأعلاف والمكعبات العلفية والملحية في منطقة متوسطة مثل المعافر، وهي تمثل فرصة للقطاع الخاص في إنتاج الأعلاف في المناطق المجاورة”، يقول عبد الجليل.
ويذكر أن غالبية المناطق في المحافظة بحاجة إلى بناء حواجز مائية بأساليب مناسبة، بهدف تغذية المياه الجوفية والتقليل من مخاطر السيول التي تهدد المناطق الزراعية، إضافة إلى زيادة الإنتاج الزراعي، ويلفت إلى أن مكتب الزراعة لديه سبع دراسات جاهزة لإنشاء حواجز وبحاجة إلى تمويل.
ويشير إلى أهمية الحصر البيئي، وزيادة الإنتاج الزراعي والحفاظ على الأراضي الزراعية المعرضة للسيول، وهي تعتبر من المشكلات الموجودة حاليا، وتحت تأثير التغيرات المناخية التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وتتمثل طريقة تنفيذ هذا المشروع أولا برفع أضرار ومخلفات السيول من الأراضي الزراعية وإعادتها للإنتاج، بالإضافة إلى طرق حماية بشكل أفضل ومقاومة للسيول.
ومن الفرص المتاحة إنشاء معمل لتنقية الأثر المتبقي للمبيدات من الخضروات والفواكه، نظرا للكمية الهائلة من المبيدات المستخدمة في الزراعة، ما سبّب كثيرا من الأمراض، بالإضافة إلى إنشاء مزارع التسميد، ومشاريع إنتاج البن في البساتين، والعمل على زراعة أشجار اللوز، فهي صالحة للزراعة في مناطق تعز الباردة كصبر وغيرها.
دور ريادي للمرأة
كانت المرأة الريفية حاضرة وبقوة في المؤتمر، و”لها دور كبير في المجال الزراعي، وتقوم بأدوار عدّة لا تقل أهمية عن الرجل في هذا الجانب، بل تعد العمود الأساسي للزراعة في محافظة تعز”، تقول زينب المخلافي رئيسة منظمة جودن للتنمية والسلام.
وتضيف المخلافي لـمنصة ريف اليمن: “المرأة الريفية في تعز تمثل غالبية القوة العاملة في مجال الزراعة، ولها دور مميز ومهم باعتبارها عنصرا أساسيا للتنمية الريفية، والمرأة المزارعة أحد الأطراف الأساسية لتحقيق عملية التنمية المستدامة في المحافظة واليمن بشكل عام، فلا تنمية إلا بالمرأة، ولا زراعة إلا بالمرأة”.
وتشير إلى أن المرأة تقوم بأعمال مختلفة وشاقة؛ لأنها هي من تزرع الحقل ومَن تحضّر الأرض وتهيئها للزراعة، وترعى الماشية، بالإضافة إلى دورها في المنزل، وتوجّه التحية لكل امرأة ريفية ما زالت تعمل بجانب الرجل يدا بيد، بل قد تفوقه لأنها العائل، ولأنها المنتجة والمزارعة في آن معًا.
ورغم الفرص المتاحة، يواجه القطاع الزراعي في محافظة تعز كثيرا من التحديات التي يجب دعم المزارعين للتغلّب عليها، ولإحداث نقلة نوعية في هذا القطاع، ومن أبرزها التغيرات المناخية التي أصبحت تهدد الزراعة بشكل كبير.
تحديات تواجه القطاع الزراعي
وفي ورقته التي قدمها للمؤتمر، قال رجل الأعمال أمين المليك: “التحديات تتمثل بعدم توفر المدخلات الزراعية ذات الجودة العالية، وتزايد القيود على موارد الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى تشديد إجراءات التصدير، وعدم الاهتمام بالتكنولوجيا في عملية الإنتاج الزراعي ووسائل الري الحديثة، مع غياب شبه تام لدور مكتب البحوث والإرشاد الزراعي وإدارة الموارد المائية في المحافظة”.
وأضاف: “من التحديات أيضا غياب اهتمام المكاتب المعنية بالتنمية الزراعية في سهول ووديان المديريات الواقعة غرب محافظة تعز، وتبلغ مساحتها ما يقارب 56 % من مساحة المحافظة، وذلك أنها ذات مناخي تهامي، لا مناخ المرتفعات الجبلية”.
وأشار إلى الآثار الكارثية التي سببتها التغيرات المناخية وأدت إلى انجراف التربة والأراضي الزراعية وتدمير قنوات الري ومنشآت المياه المختلفة بسبب السيول، إضافة إلى تحديات الاستنزاف السريع للاحتياطيات المائية المحدودة بسبب الحفر العشوائي للآبار، وانتشار زراعة القات، واستخدام الوسائل التقليدية في الزراعة، وذلك كله مع انعدام برامج وأنظمة التصدير وغياب السياسات والتوجهات الرسمية في الاهتمام بالقطاع الزراعي كقطاع رائد في عملية التنمية الاقتصادية.
ويلفت إلى أن التحول نحو زراعة محاصيل نقدية مربحة كزراعة القات أسهم في مضاعفة استنزاف المياه الجوفية الشحيحة أصلا؛ إذ تشير التقديرات إلى أن القات يستهلك أكثر من 40% من إمدادات المياه، ورغم ذلك هناك انتشار لزراعة هذه النبتة، وهو ما يستدعي تدخلات عاجلة من السلطة المحلية والأجهزة المعنية للحد من هذه الشجرة المدمرة للأراضي الزراعية في المحافظة.
وبحسب تحليل سلسلة قيمة البن والقات في اليمن الذي أعدّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تستهلك نبتة القات ثلث المياه الجوفية، هذا بالإضافة إلى الآثار الصحية الناتجة عن تعاطي القات وضرره الاقتصادي على الفرد والمجتمع.
ودعا إلى تفعيل القوانين النافذة في حماية الموارد المائية والأراضي الزراعية، ومصادرة المبيدات الزراعية المهربة والمجهولة المنشأ المنتشرة في المحلات والمكاتب الزراعية، وإلى اتخاذ إجراءات صارمة بحقّ المخالفين والمنتهكين للضوابط والإجراءات القانونية.