لم يتمكن عبد الحميد ناصر (30 عاما) من أبناء ريف حجة، مواصلة تعليمه، واضطر إلى تعليق دراسته الجامعية، بعد عام من التحاقه بكلية المجتمع بجامعة حجة، بسبب عجزه عن توفير تكاليف الدراسة.
ناصر واحد من بين الطلاب في المناطق الريفية بمحافظة حجة الذين يواجهون صعوبات وتحديات جمة، فهم يكابدون مشقة السفر نحو محافظات أخرى بسبب عدم توفر غالبية الأقسام والتخصصات الدراسية في الجامعة، بالإضافة إلى تدهور أوضاعهم المعيشية وعجزهم عن تأمين نفقات التعليم، ذلك ما دفع البعض منهم إلى تعليق الدراسة أو إيقافها بشكل نهائي.
طلاب خارج الجامعات
يقول عبد الحميد ناصر لمنصة ريف اليمن: “قدِمتُ من مديرية المفتاح، إلى مدينة عَبْس في 2017، كي أحقق حلمي في الدراسة الجامعية، فكنت أذهب صباحا لحضور المحاضرات في الجامعة، ثم أعود نهارا لأسواق العمل بحثًا عن فرصة للعمل لتوفير الأموال لتلبية احتياجاتي”.
ويضيف: “بقيت على تلك الحال لمدة عام، حتى أنهيت المستوى الأول، وبصعوبة تجاوزته. بدأت السنة الدراسية الجديدة، وبدأت معها الهموم من كل جانب. ذهبت للدراسة أُكافح من جديد لتغطية ما أحتاجه، لكن الظروف ازدادت سوءا أكثر من ذي قبل، ولم أتمكن من الحصول على المال لشراء مستلزمات دراستي، حاولت البحث عن عمل من جديد، ولكن دون جدوى”.
وتابع: “أسرتي أوضاعها صعبة للغاية ولم تكن تهتم بوضعي، ولا بدراستي بالشكل المطلوب، فهم أميون، ولا يعرفون قيمة التعليم”، وبحسرة يقول ناصر: “عدتُ إلى القرية للعمل في الزراعة، وما زلت على هذا الحال حتى الآن، ولكن أمل العودة لاستئناف الدراسة لا يفارقني، وما زلت أحلم بذلك، سوف أعود لإكمال دراستي برغم الظروف والمعاناة”.
أما محمد عبد الله (24 عاما) من أبناء كُحلان الشرف، فقال إنه ينفق أموالا كبيرة في سبيل مواصلة تعليمه الدراسي بكلية الطب جامعة صنعاء التي التحق بها عام 2021م. يقول محمد لمنصة ريف اليمن: “حين يبدأ موعد الدراسة تجول بخاطري كل تلك الهموم المتعلقة بالدراسة، وخصوصاً مع الظروف المعيشية التي تمر بها البلاد، والحالة الاقتصادية التي تشهدها اليمن”.
وتكلف الدراسة محمدا خلال السنة الواحدة 750 ألف يمني (الدولار يساوي 530 ريالا)، ولأن مصادر الدخل صارت شحيحة جداً، ازداد الأمر سوءاً، ومثلت مشكلة الارتفاع الجنوني للأسعار معاناة مركبة.
ويضيف محمد: “تتكبد عائلتي من أجلي كثيرا، وتنفق كثيرا من المال، لكي أواصل دراستي، وأحقق لي ولهم الآمال المستقبلية، ولكي أعود عليهم وعلى مجتمعي بالنفع في المستقبل، حتى إنهم يضطرون أحيانًا لاقتراض المال، وإرساله لي”.
وتابع: “خسرنا ونخسر كثيرا خلال دراستنا، ونعاني من صعوبة توفير المال اللازم كل يوم، لأجل شراء المناهج الدراسية، وثمن الطعام والملبس، وكذلك تكاليف الانتقال بين بلادنا وبين العاصمة صنعاء”.
ويواجه الطلاب بريف حجة تحديات كبيرة؛ إذ إن الجامعة الحكومية التي أنشئت مؤخراً تفتقر لوجود كثير من الأقسام والتخصصات، وهو ما يدفع الطلاب نحو السفر لمواصلة تعليمهم بمحافظات يمنية أخرى.
مشقة السفر
وبسبب ذلك، يكابد عليّ محمد، وهو طالب في كلية الهندسة بجامعة ذمار، مشقة السفر قادما من قريته الريفية بمديرية الشاهل، فيقول: “السفر من بلادي إلى هنا في ذمار، يكلفني 15 ألف ريال ذهابا ومثلها إيابا، ويأخذ وقتا طويلا، خاصةً مع تردي أوضاع الطرق في البلاد، وافتقارها الى الأسفلت والصيانة”.
“كان حظي هو اختيار الدراسة بجامعة ذمار، تخصصت في دراسة الهندسة المدنية، تكلف بالسنة 700 ألف ريال، طموحي أن أتعلم وأكمل دراستي، لكي أعود إلى بلادي لأسهم في بناء المشاريع الخدمية التي تفتقر إليها، كالطرق والمستشفيات والصروح العلمية وغيرها مما تحتاجه بلادنا”، يضيف علي.
ويشكو علي وزملاؤه من صعوبة توفير تكاليف السفر، وما يحتاجونه من مصروفات يومية وتكاليف إيجار السكن الباهظة التي بدورها أثقلت كاهله وكواهل الطلاب في كثير من المحافظات اليمنية.
ويتساءل علي قائلاً: “لماذا كُتِب لنا أن نعاني دائما؟! في كثير من الدول يهتمون بطلابهم اهتماما كبيرا، من الجانب الرسمي، وحتى من الجانب الشعبي، ومجتمعاتهم تغدق عليهم باهتمامها، وهذا هو سر نجاح تلك الدول وتقدمها، لأنهم عرفوا قيمة العلم والمتعلمين، الذين بهم تُبنى الشعوب والأمم”، ويختم حديثه بالقول: “مهما واجهنا من ظروف ومتاعب، سنواصل مسيرتنا العلمية، مستعينين بالله تعالى، فنحن قد رسمنا مستقبلنا، ولن نتخلى عنه”.
وشهدت سنوات الحرب تراجعاً كبيراً في معدلات الالتحاق بالتعليم الجامعي، وبشكل خاص في التخصصات الاجتماعية والإنسانية، وتراجعاً كبيراً في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي، فيبلغ معدل الالتحاق حوالي 52% من إجمالي الأطفال في سن التعليم الثانوي، 85% منهم فقط يواصلون التعليم الثانوي حتى آخر صف من التعليم الثانوي، بحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2022.