التعليم في الريف.. طلاب لا يجيدون القراءة والكتابة

التعليم في الريف.. طلاب لا يجيدون القراءة والكتابة

يقطع الطالب مهند رداد (14 عاما) مسافات طويلة مشياً على الأقدام، للوصول إلى مدرسته الحكومية بمديرية عُتمة التابعة لمحافظة ذمار، لكنه يعود من دون الحصول على معلومة واحدة، بسبب غياب المعلمين وانهيار التعليم.

ويعيش قطاع التعليم باليمن أسوأ مراحله، ولا سيما بالأرياف، نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد، وعلى رأسها انقطاع مرتبات المعلمين الذين أُجبروا على ممارسة أعمال أخرى لتغطية تكاليف الحياة.

يدرس مهند حاليا بالصف السادس الابتدائي بمدرسة الشرم العالي، لكنه منذ التحاقه بالمدرسة غير قادر على القراءة والكتابة بشكلٍ جيد، على غرار مئات الآلاف من الطلاب اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم ضحية حرب مستمرة منذ تسع سنوات.

وبحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، فإن أكثر من 6 ملايين طالب يمني يعانون من انهيار النظام التعليمي، وينال طلاب الأرياف الجزء الأكبر من هذه المعاناة؛ إذ تتراوح نسبتهم بين 65-70% من إجمالي عدد الطلاب في البلاد.

يقول مهند لمنصة “ريف اليمن”: “لا أعرف شيئاً عن الأحرف الشمسية والقمرية وكتابة الهمزات، ندرس الى الساعة التاسعة، وأحيانا للعاشرة صباحا، وننقل فقط من السبورة بعد المعلم، ولا نعرف ما الذي نكتبه؛ لأننا لا نستطيع القراءة”.

ويشكو من إهمال المعلمين قائلاً: “لم يعلمونا كيف نجمع الأحرف وتكوين كلمة واحدة، منذ الصف الأول لم أجد أي أستاذ يخبرني كيف انطق كلمة معينة أو حرف معين أو يقدم لي سؤالا ليتأكد هل فهمت الدرس أم لا”.

التعليم في الريف

وسبق أن حذرت منظمتي «يونسكو» و«يونيسيف» التابعتين للأمم المتحدة من تفاقم نسب الأمية في اليمن، وأعداد الأطفال المحرومين من حقوق التعليم؛ مؤكدة أن البلاد أمام مهدد شديد الخطورة للمستقبل، يضرب عقول الأجيال القادمة، ويعيق التنمية لعقود أكثر.

وتشير التقارير الأممية إلى أن وضع التعليم في اليمن أخذ اتجاهه التنازلي منذ العام 2014 كنتيجة حتمية للحرب المستمرة ووصل إلى مستوى مقلق، وخلف نسبًا عالية من الأمية، بلغت في الأرياف نحو 70 %، مقابل40 % في المدن الحضرية.

تماماً مثل مهند يواجه تركي العتب (15 عاما)، وهو طالب في الصف الثامن، صعوبات كبيرة في القراءة والكتابة، والتي بدورها تشكل عائقا أمام حفظ القواعد والنصوص والمصطلحات في المواد الأخرى، وهو يذكر أنه لا يعرف عن اللغة الانجليزية سوى أسمها فقط.

التعليم في الريف.. طلاب لا يجيدون القراءة والكتابة
طفل داخل أحد صفوف مدرسة الحمزي المتضررة في حجة جراء الحرب، 2021 (يونيسف)

ويضيف مهند لمنصة “ريف اليمن” أنه يشعر بالندم على نفسه، ويفكر دوما كيف سيكون مستقبله وهو بهذه الحال، في ظل عدم توفر الحلول البديلة كالذهاب إلى المدينة بسبب بعدها، وارتفاع التكاليف وغيرها من الصعوبات.

وتعليقا على ذلك، قال مدير المدرسة عبد الفتاح الهاملي: “إن تدني التعليم قد عم الريف والحضر”، ويشير إلى أن مناقشة وضع مدرسة بعينها يجعلها عرضة للابتزاز والضغوط دون تقديم أي حلول مناسبة.

ويضيف الهاملي لمنصة “ريف اليمن”، أن السبب الذي أدى إلى انهيار التعليم هو انقطاع المرتبات، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل عدم وعي الآباء بأهمية التعليم، وعدم توفر المنهج الدراسي، والوسيلة التعليمية، والمبنى المناسب، وكذلك انتشار ظاهرة الغش.

وبحسب أحد المعلمين فإن من الأسباب أيضا، كثافة التلاميذ داخل الفصل الواحد وعدم وجود العدد الكافي من المعلمين، ويبلغ عدد طلاب المدرسة ٤٥٠ طالبا، وهي خاصة بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية ولا توجد مدرسة ثانوية في تلك المنطقة.

ويقول التربوي الذي رفض ذكر اسمه: “إن المعلم لا يتحمل المسؤولية عن انهيار المنظومة التعليمية كونه أحد الضحايا خلال هذا المرحلة، كما أن قضية معاناة المعلمين لا تقل أهمية عن القضايا الأخرى التي يجب أن تتناولها الوسائل الإعلامية بكل اهتمام، وتناقش الحلول لها”.

وكانت تقارير أممية أكدت أن عدم دفع الرواتب لأكثر من 16 ألف معلم منذ العام 2016، وتعرض المدارس للهجوم؛ اضطر كثير من المعلمين إلى ترك التعليم وإيجاد مصادر بديلة للدخل لإعالة أسرهم، محذرة من أن انهيار التعليم سيؤدي إلى تسرب ملايين الأطفال ويعرضهم لمخاطر الاستغلال والإساءة.

اطفال بدون تعليم

هذه الظروف دفعت كثيرا من الطلاب بالمنطقة إلى ترك التعليم والذهاب للعمل، أحد هؤلاء الطلاب، مشتاق الزعلة (16 عاما)، الذي ترك الدراسة بالصف السادس الابتدائي، وذهب للعمل بالزراعة، مع والده”.

ويقول الزعلة إنه قرر ترك الدراسة بعد أن وجد أنه لا جدوى من مواصلة التعليم، وبحسب قناعته فإن زراعة القات توفر المستقبل الآمن بديلا عن الدراسة والعمل الحكومي.

ووفقا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للتعاون في الشؤون الإنسانية في اليمن فإن نحو4،7 مليون طفل يحتاجون إلى مساعدة في مجال التعليم، منهم 3،7 مليون في حاجة ماسة. ويشمل ذلك حوالي 2 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة ما يعني أن التسرب وصل لأرقام قياسية.

وينتظر سكان الأرياف انتهاء الحرب، وصرف مرتبات التربويين، وإلزامهم بالدوام، حتى تعود الحياة للعملية التعليمية وانتظام الدراسة، لإنقاذ مستقبل ملايين الطلاب الذين أصبحوا ضحايا، وينتظرهم مستقبل مجهول.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :