مسك اللحجي (29 عاما) تعمل في بيع اللحوح اليمن، بسوق مدينة الحوطة بمحافظة لحج، وهذا مصدر دخلها الوحيد، منذ 10 سنوات، في ظل الأوضاع المعيشية التي تعاني منها اليمن بسبب الحرب.
تبدأ مسك يومياتها في رمضان قبل الظهيرة بتحضير اللحوح، وذلك بخلط كمية من دقيق الذرة البيضاء والذرة الرفيعة والخميرة بالماء، وتترك الخليط لمدة ساعة، ثم تبدأ بعد ذلك عملية تجهيزه، ثم تنقله مع الثالثة عصرا إلى سوق المدينة لعرضه للبيع.
واللحوح نوع من الخبز الرقيق يستخدم بإعداد وجبة الشفوت (فتّة خبز باللبن الرايب)، ومن الوجبات الرئيسية في المائدة الرمضانية اليمنية، ولا يتوفر هذا النوع من الخبز في المخابز العامة ويُعد منزليا بأيادي النساء.
تقول مسك لمنصة ريف اليمن، “أعمل بهذه المهنة من 10 سنوات، وابيع في اليوم الواحد بما يعادل من 12-13 ألف ريال يمني (الدولار 1600 ريال يمني)، وهذا يمكّني من توفير المتطلبات اليومية التي أحتاجها لتحضير اللحوح”.
تضيف: “ليس كل ما يُوّرد للسوق يُباع، فهناك كمية في بعض الأحيان تُعاد”، لكن مسك تشعر برضى تام، فهي تؤمن أن ما قُسم لها من رزق ستأخذه من دون نقصان.
بائعات اللحوح
وتشير منظمة العمل الدولية في إحصاء لها إلى انخفاض عمالة النساء في اليمن، عمّا كانت عليه قبل الحرب بنسبة 28% بالإضافة إلى خسارة 293 ألف امرأة يعملن في مجال الزراعة وتربية الحيوانات ومنتجات الألبان لعملهن.
ويبيّن مسح للمنظمة الدولية أن نسبة العاملات من أصل جميع اليمنيات في سن العمل 4,5% فقط، فيما أظهر المسح أن معدل بطالة المرأة 26%، وهو رقم يفوق معدل بطالة الرجل 12%.
"اللحوح" أحد أنواع المخبوزات في اليمن، التي تفرض نفسها على الموائد في رمضان، حيث يعد أهم مكونات وجبة "الشفوت" أحد الأطباق الرئيسية اليمنية إلى جانب مكوناتها الأخرى، اللبن والسحاوق.
هل تعدون اللحوح في منزلكم؟#منصة_ريف_اليمن pic.twitter.com/g8UuKKWoSn
— ريف اليمن (@Reefyemen1) March 27, 2024
علياء محمد (55 عاما) أيضا دفعتها الظروف المعيشية والاقتصادية نحو الاتجاه لبيع اللحوح، وتعد من أقدم بائعات اللحوح في الحوطة بمحافظة لحج.
وتذكر علياء لمنصة “ريف اليمن”، أن عدم وجود عائل لها، غير منحة مالية فصلية بمبلغ زهيد تستلمها من صندوق الرعاية الاجتماعية، دفعها للعمل، وتعاني من أمراض السكر والضغط، لكنها تسعى جاهدة للبحث عن لقمة العيش.
وتضيف: “حُرمت من معونات برنامج الغذاء العالمي من الإغاثة بسبب شروط الاستيعاب، واعتمد كليّا على ما أبيعه من اللحوح أو الكَدِر من اجل توفير المتطلبات وتوفير قيمة أدوية الضغط والسكر”.
تحضير شاق
تصف علياء التحضير بالعمل الشاق، مقارنة بعمرها، فهي تعتمد على الحطب الذي تقوم بشرائه من بعض البائعين في ضواحي مدينة الحوطة، وتبدأ تحضير ما تبيعه من كدر ولحوح مع وقت الظهيرة، ويتولى أحد شباب الحي مساعدتها في نقل الطعام إلى السوق.
تمكث “عليا” ساعتين ونصف، لتبيع حبة اللحوح بمائتين ريال، وتختلف ما تبيعه يوميا بين 50 إلى 80 حبة، وأحيانا تبيعه كاملا، وما يبقى تعطيه لمن يقوم بتمويلها بالحطب لأغنامه مقايضة مقابل عدم دفع قيمة الحطب.
لكن ما يشغل مسك وعلياء هو عدم الاستقرار في الأسعار، سواء في المواد الأساسية مثل الدقيق والذرة، أو في مادة الغاز الذي يستهلك ما يكسبنه في عملية البيع، ولذا يضطررن أحيانا للدين.
يقول محمد عبد الله وهو أحد ملاك المحال التجارية في مدينة الحوطة: “إن للكدر واللحوح اللحجي مذاقه المتميز حيث تستخدم في وجبات الإفطار الذي يستخدم فيه الشفوت، ويوجد في كل المائد اليمنية”.
يضيف محمد، “يحرص الناس على الشراء من النساء اللاتي يبعن اللحوح أو الكدر، ويمثل ذلك لهن مصدر العيش في الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها، لذلك الشراء منهن تشجيعا لهن في الاعتماد على ذاتهن في توفير لقمة العيش”.
مثل مسك وعلياء، توجد المئات من بائعات اللحوح في مختلف الأسواق اليمنية، ويقمن يوميا ببيع الوجبة المفضلة لدى اليمنيين، لا سيما في رمضان، بهدف إعالة أسرهن، وتوفير متطلبات الحياة، في بلد فرضت الحرب على المرأة دورا أساسيا في تحمل المسؤولية لمواجهة الأوضاع.