السقاية في تعز: حصاد مياه الأمطار لفصل الشتاء

السقاية في تعز: حصاد مياه الأمطار لفصل الشتاء

يشعر “محمد محرم” بالارتياح في فصل الشتاء، نظرا لوجود سقاية تخزين مياه الأمطار، في منزله، الواقع في إحدى مناطق شرعب، شمال  مدينة تعز (30 كم) جنوب غربي اليمن. والسقاية هي عبارة عن خزانات تبنى بطرق مختلفة في معظم مناطق ريف اليمن.

يقول محرم، وهو في بداية عقده السادس، لـ”منصة ريف اليمن”، “في عام 2019 م، قامت منظمة بالتعاون مع أهالي المنطقة، لبناء سقايات تخزين مياه الأمطار للسكان الذين يعانون من شحة المياه، لاسيما في فصل الشتاء الذي يمتد لقرابة ستة أشهر، شملت العينة عدد معين من الأسر بالقرية”.

ومنذ ذلك الحين وأسرة محرم، تستخدم الماء من منزلها الذي يحوي السقاية في أحد أركانه، ويفيد خلال حديثه أن “مساحته تقدر بحوالي ثلاثة متر عرض في سته متر ارتفاع وثلاثة متر، معدل المتوسط”، ويضيف، ” بناء السقايات أمر مهم وإيجابي نظرا لما يعانيه سكان الأرياف من شحة المياه، ولعدم توفر الابار الارتوازية في القرية، بحكم وقوعها على ارتفاع جبلي”.

وتابع حديثه، قائلا” أبناء القرية يعتمدون بشكل كلي إلى مياه الامطار، وهي المصدر الرئيس لمياه الشرب، بحيث يتم تنظيف السقف (سطح المنزل)، وانتظار موسم هطول الأمطار، وتوصل المياه المتدفقة عبر السطح، إلى السقايات عبر خراطيم بلاستيكية”.

معاناة بسبب شحة المياه

على عكس أسرة محمد، يتطلب على رقية عبد الله (16عاما) وتعيش برفقه أسرتها في ذات القرية، توفير الماء الصالحة للشرب، والاستخدام المنزلي قبيل ذهابها إلى المدرسة.

لا تملك أسرة رقية سقاية ماء، مما يدفعها إلى النهوض باكرا، ومع أشعة الشمس الأولى، تسير رفقه عبوات تعبئة الماء، إلى منازل القرية علها تحصل على مبتغاها من المياه، تقول رقية “في فصل الشتاء تمتنع أغلب الاسر من تعبئة الماء لنا أو قريناتي من فتيات القرية ـ الذين لا يملكون سقاية ـ مما يضطرنا الى الذهاب إلى مصادر توفر الماء من آبار وعيون، من القرى المجاورة، وعادةً ما تكون ممتلئة بالسكان الذين يتوافدون بعبواتهم الفارغة، هذا الأمر يحزنني لأنني أتعرض للتوبيخ من معلمتي بسبب تأخري المستمر عن صفي الدراسي”.

أسرة رقية، ومثلها الكثير، لا يملكون سقاية، فالمنظمة التي قامت بتشجيع الأهالي ببناء خزانات حفظ المياه “السقايات”، توقفت عن نشاطها الذي استمر لمده عامان فقط، حيث كانت تغطي تكاليف 30% من قيمة التكلفة، في الوقت الذي لا تستطيع بعض الأسر، تحمل تكاليف بناء الخزانات بمفردها.

وطبقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، “هناك أكثر من 16 مليون شخص باليمن، بما في ذلك 8.47 ملايين طفل، يحتاج بشكل عاجل إلى المساعدة للوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة، وإلا فهم معرضون لخطر متزايد من سوء التغذية والظروف الأخرى، التي تهدد حياتهم”.

المنظمة الأممية، أكدت أن “هناك مليوني طفل نازح يعيشون في أكثر الظروف الغير صحية في 15 محافظة يمنية”.

نظام السقاية في تعز

تُعرف السقاية، بأنها نظام جمع وتخزين مياه الامطار، داخل بركة مغلقة السقف، تستخدم هذه المياه للشرب والاستخدام المنزلي، بالإضافة الى ريّ المزروعات، تكمن أهميتها في أنها تعتبر المصدر الوحيد للماء خصوصا في المناطق التي تبعد عن الآبار والعيون.

وتُمثل طريقة بناء السقاية، بعمل حفره في جوف الأرض الصخرية، لأمتار معينة تصل إلى 2 – 3 متر، كان السكان الريفيون، يضعون الصخور وبينها الطين، أو الجس في بناءها، بيد أنه في الوقت الراهن، يجري استخدام الحجر والاسمنت، إذ يجري بناءها كالصهاريج، أو البركة المغلقة بسقف وباب.

وفي عملية نقل الماء، يكون بنظام التجميع، أي تجمع المياه من الأمطار من فوق سطح هذه المباني، عبر مزاريب معلقة في جوانب السطح، في كل السقايات يوجد مرشح بسيط من القماش، أو شبك بلاستيكي لترشيح وتنقية الماء الداخل إليه.

يعتبر أسلوب حصاد مياه الأمطار من أسطح المباني، الأسلوب الأكثر شيوعا لتجميع مياه الأمطار للاستهلاك المحلي، في المناطق الريفية في اليمن، حيث تعتبر وسيلة بسيطة وقديمة، وتتطلب خبرة بسيطة أو حد أدنى من المعرفة.

وتعتبر مياه الأمطار أفضل من غيرها من المصادر المتاحة أو التقليدية، لتوفير المياه عند الاستهلاك، ولا تتأثر بالطبيعة الجيولوجية المحلية، أو طبوغرافية الأرض، والاهم أنه يُمكن استخدام جميع مواد تشييد الأسطح تقريبًا لجمع المياه للأغراض المنزلية والشرب.

عبد القوي سيف (45 عاما)، يقول إن “سكان المناطق الجبلية في الريف، تتضاعف معاناتهم في جلب الماء مضاعفة، نظرا لتواجدهم على سطح جبلي، ولا وجود للآبار فيه، اعتمادهم ينصب على وجود البرك والسقايات، والتي تعتمد على مياه الامطار، اذ أنه في حال شحة الامطار، يضطرون الى النزول، إلى الأودية المجاورة لجلب الماء، وهذا يتطلب في بعض الأحيان سيارات نقل”.

 يتابع في حديث لمنصة ريف اليمن: “كان هناك صندوق مساهمة من قبل أبناء المنطقة، لعمل سقايات للأسر الغير قادرة، لكن التكلفة في بناءها كبيرة، وبسبب الوضع الاقتصادي للكثيرين فإن الأمر يتراجع”.

يضيف سيف قائلا “تكاليف بناء خزان ماء، متوسط الحجم، تبلغ ثلاثة آلاف دولار، ومن الصعب أن يتوفر المبلغ لكثير من الأسر في القرية”.

 يأمل عبد القوي سيف، أن “تنفذ في القريب العاجل، سقايات كبيرة تغذي سكان القرية من المياه، وتخفف الحمل على النساء والأطفال، وكذلك الدواب من مشقة جلب الماء من مناطق بعيدة، خصوصا في فصل الشتاء حيث تتدنى درجات الحرارة”.

الأزمة المائية في اليمن

في ظل تضاعف الأزمة المائية في البلاد، خصوصاً المناطق الريفية، تضاءلت أحلام رقية ذات 16 ربيعا، وصارت أمنيتها هو أن تتمكن أسرتها من بناء سقاية ماء، بجانب كثير من الأسر المعوزة، وتقول لمنصة ريف اليمن: “بوجود خزان للماء يمكنني أن أذهب إلى مدرستي، والاستفادة من وقتي بمراجعة دروسي دون أن يبقى كابوس الماء يؤرقني”.

يعتبر مناخ اليمن، التي تقع في شبه الجزيرة العربية (المنطقة الاستوائية الشمالية)، ذات مناخ جاف وشبه الجاف، بالإضافة إلى أن البلد يواجه ندره في المياه مع انعدام للأمن الغذائي المرتبط بتدني النمو الاقتصادي، وتفرض التغيرات المناخية تحديات جمة، إذ تصنف اليمن من ضمن الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم، ويعد نضوب الموارد المائية من أكبر التحديات التي تواجها.

تقدر كمية المياه السنوية المتجددة في اليمن بـ 72 مترًا مكعبًا، وهو أقل بكثير من حد الندرة المطلقة الذي يبلغ 500 متر مكعب حسب مؤشر فالكنمارك المعترف به دوليًا، ناهيك عن مؤشر الإجهاد الأعلى بكثير من منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).

ومع استمرار زيادة التعداد السكاني الذي يقارب نسبة 3% سنوياً، ينخفض نصيب الفرد من المياه أكثر كل عام، علماً بأن الموارد المائية تتأثر سلباً أيضاً بتغير المناخ وتزايد الجفاف.

السقاية في تعز: حصاد مياه الأمطار لفصل الشتاء
ينخفض نصيب الفرد من المياه كل عام في اليمن بسبب ارتفاع عدد السكان (يونيسف)

حماية الموارد المائية

المياه في اليمن تدار من قبل الهيئة العامة للموارد المائية NWRA ” أحد وحدات وزارة المياه والزراعة”، ووفق للقانون اليمني لسنه 2006م، فإن الهيئة العامة للموارد المائية هي الجهة الحكومية الوحيدة المسؤولة عن استغلال، حماية، وتطوير الموارد المائية في البلاد. وفق حديث المهندس القائم بأعمال رئيس هيئة مياه الريف في اليمن، أنور المرفدي.

يقول المرفدي، لمنصة ريف اليمن، “يهدف القانون إلى تنظيم وإدارة وتنمية وترشيد استغلال الموارد المائية، وحمايتها من الاستنزاف والتلوث، ورفع كفاءة نقل وتوزيع استخداماتها وحسن صيانة وتشغيل منشآتها”.

ويطالب المرفدي، بتفعيل قانون المياه في اليمن وتنمية الموارد المائية، واستثمارها وحمايتها والمحافظة عليها، لاسيما واليمن تعاني من شحة كبيرة في المياه.

“برغم فعالية القانون، إلا أن ضعف البنية التحتية، وضعف التشريعات، غياب الحوكمة الشاملة، فيما يتعلق بالموارد المائية في البلاد، والدور الركيك للمجالس المحلية، خصوصاً في الأرياف يحد من تفعيله، على الأقل لمنع الحفر العشوائي للآبار التي تهدد نضوب المياه الجوفية”. يضيف القائم بأعمال رئيس هيئة مياه الريف.

يتطلب الوقت الراهن لأزمة المياه، وما يرافقه من تغيرات مناخية الى إيجاد حلول، على الأقل بالنسبة لسكان الأرياف، إذ يكلف الحصول على مياه نظيفة معاناة كبيرة، لاسيما لمحافظة تعز الذي تشتهر بملوحة المياه، وقلتها بالتزامن مع ارتفاع مهول لعدد السكان. كما يقول المهندس أنور المرفدي.

 ويؤكد لمنصة ريف اليمن، “يجب على الجهات الحومية والمنظمات الفاعلة، إدخال سياسات إدارة المياه المستدامة، على الفور، مع سياسات لتحسين إدارة موارد المياه، مثل تشجيع بناء السقايات في الأرياف”.

واختتم حديثه بمطالبة “الجهات المانحة ضرورة تفعيل مثل هذه المبادرات، والمساهمة في إرساء أسس أفضل، لاستهلاك الماء، الذي هو أساس الحياة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :