المطاحن القديمة.. حكايات من كفاح سكان الريف

كانت تمثل تراثاً إنسانياً يحكي تاريخاً طويلاً من حياة المجتمع

المطاحن القديمة.. حكايات من كفاح سكان الريف

كانت تمثل تراثاً إنسانياً يحكي تاريخاً طويلاً من حياة المجتمع

قبل ظهور المطاحن الحديثة، اعتمدت النساء الريفيات في اليمن على طُرق تقليدية قديمة لطحن الحبوب المتنوعة من الذرة الرفيعة، والذرة الشامية، والدخن وغيرها من الحبوب، من أبرزها: حجر المطحنة، والرحى، والطاحونة الهوائية التي كانت تستخدم بشكل نادر.

حكايات تُجسد كفاح سكان الريف

وعلى مدى سنوات طويلة، لعبت المرأة الريفية دوراً كبيراً في التنمية، حيث مارست العديد من النساء بعض الأنشطة الزراعية المتمثلة في إصلاح الأراضي الزراعية، في الوقت الذي ظل طحن الحبوب جزءًا من الحياة اليومية للكثير من اليمنيات حتى وقتنا الحاضر.

تتكون المطحنة الحجرية من حجرين كبيرين، يتم وضْعُ الحبوب بينهما ثم يدور الحجر العلوي لطحن الحبوب وتحويلها إلى دقيق. أما الرحى فتُستخدم فيها الأحجار أو الخشب لطحن الحبوب بشكل يدوي. ويعد حجر الرحى من أكثر التجارب التي خاضتها النساء طوال العقود الماضية.

السيدة حسنة عبدالوهاب (60 عاماً) خاضت مع نساء قريتها الواقعة بريف جبل حبشي غرب محافظة تعز، تجربة هذه المطاحن القديمة قبل دخول الطواحين والآلات الحديثة إلى البلاد، وكان ذلك الأمر شيئاً مرهقا ويستهلك وقتا أطول، لكنه كان جزءاً من حياتها اليومية.


     مواضيع مقترحة


تقول حسنة لمنصة ريف اليمن: “كنت أعمل في طحن الذرة منذ الصباح الباكر حتى ساعات النهار، من خلال وضع حجرين كبيرين فوق بعض ويدور الحجر العلوي لطحن الحبوب، وكنا نضع المطحنة بشكل مربع ونستخدم فيها عوداً يسمى القطب، ويدور الحجر العلوي حول الحجر السفلي حتى تحويل الحبوب إلى دقيق، وتجهيزه لإعداد وجبة الطعام للعائلة”.

وأضافت: “تُعتبر الرحى من الأدوات الشعبية الأكثر شيوعاً لطحن الحبوب، وتُصنع عادةً من الأحجار أو الخشب، وتستخدم يدوياً، وتتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا من النساء اللواتي يعتمدن عليها كأداة أساسية لطحن الحبوب، ويعد ذلك جزءاً من الروتين اليومي”.

أما محمود عبدالله (65 عاماً) المنحدر من عزلة الشراجة غرب تعز فيقول:” كان أول شكل لطحن الحبوب وتحويلها إلى دقيق يتم عبر “مدقات حجرية” تتكون من حجرتين متساويتين بشكل دائري حيث يتم فتح الحجرتين في المنتصف، وتكون فتحة الحجرة السفلى أصغر من الفتحة العليا”.

ويقول عبدالله لمنصة ريف اليمن: “يتم وضع الحجرة السفلى بشكل ثابت، حيث يهبط المدق على الحبوب داخل التجويف الحجري، ثم يتم تثبيت عود من الأرض برأس مدبب يمر من الفتحة، مما يسمح بالتحكم في رفع وخفض الحجرة العليا ثم يُرفع المطحن بشكل مربع من 90 إلى 100 سم، مع ارتفاع العودين من 5 إلى 7 سم، بحيث لا يتسرب الطحين إلى خارج المطحن”.

تراث وتقاليد يومية

ويضيف: “تطورت المطاحن من الشكل البدائي القديم إلى الطاحون بالشكل الحالي، الذي يعود إلى “الثورة الثانية” في حياة الإنسان، بعد اكتشاف المحرك، حيث بدأ تصميم الآلات شيئًا فشيئًا”.

في السياق قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتور محمود البكاري: “مرت المجتمعات البشرية عبر المراحل التاريخية المختلفة بالعديد من المحاولات الإنسانية التي تؤمِّن للإنسان الحياة والبقاء على قيد الحياة، ففي كل مرحلة حاول الإنسان أن يبتكر طرقا ووسائل تساعده على التكيف مع البيئة التي يعيش فيها”.

وأوضح البكاري لمنصة ريف اليمن: “لعل من أبرز هذه الطرق ما يتعلق بمحاولات الإنسان معرفة الوسائل التي تستخدم في توفير الطعام، وكانت عملية اكتشاف الرحى كمطاحن يدوية إنجازاً وتطوراً كبيراً عرفه الإنسان في تلك المرحلة ساعده على تحسين مستوى المعيشة”.

تعكس تقاليد طحن الحبوب أهمية كبيرة في الحياة اليومية للمجتمعات الريفية، إذ تقول حسنة: “كانت تجمع بين العائلات، وتعتبر فرصة للتواصل والتفاعل الاجتماعي، كما أنها تعتبر جزءًا من الطقوس الزراعية التي تُظهر ارتباط الناس بأرضهم”.

ويقول البكاري: “ظلت هذه الأداة اليدوية تؤدي دورها في المجتمع لعصور عديدة، وأتقن الإنسان استخدامها لدرجة أنها أصبحت تمثل تراثاً إنسانياً يحكي تاريخاً طويلاً من حياة المجتمع، واستمرت حتى ظهور الآلات الحديثة (الطواحين) بفعل ظهور الصناعات الحديثة ما أدى إلى توقف هذه الأداة في عملية طحن الطعام، وإحلال الآلات الحديثة التي وفرت الوقت والجهد”.

يؤكد البكاري أيضاً بأن “غالبية الأسر الريفية لا تزال تعتمد على المطاحن القديمة في ظل وجود محلات تعمل في هذه المهنة، إذ تظل لعملية الطحن اليدوية مدلول ومذاق وقيمة خاصة ربما ستظل لعقود قادمة متوارثة عبر الأجيال”.

ويقول محمود عبدالله: “المنازل في الريف أصبحت تستعمل المطحن، ليس لطحن الذرة فقط، وإنما تستخدم لطحن الحناء، والكركم، وغيرها من الأشياء حتى على مستوى طحن أعشاب الأوراق باختلافها وأشكالها، مما يعكس تنوع استخداماتها”.

الطواحين الحديثة

خلال السنوات الماضية تطورت وسائل طحن الحبوب في الريف من أدوات الحجارة إلى مطاحن كهربائية تعمل على الدينمو ومادة الديزل، لكنها تواجه في الوقت الحالي تحديات كبيرة جراء تداعيات الحرب المندلعة في البلاد منذُ عشر سنوات.

بعد عقود من استخدم المطاحن التقليدية تستخدم السيدة حسنة في الوقت الحالي طاحوناً يعمل على مادة الديزل، وتقول: “كانت النساء الريفيات قديماً في اليمن، تستخدم آلة طحن الحبوب على الحجارة والرحى؛ لأنهم لا يمتلكون أدوات أخرى لطحن الحبوب من أجل تجهيز الطعام، بالإضافة إلى تدهور وضعهم الاقتصادي الذي حال دون استخدام الآلات والمعدات”.

“خففت الطواحين الحديثة علينا كثيراً من الجهد والتعب، نعمل لساعات من دون تعب أو جهد، معظم نساء الأرياف لم تعد تستخدم المطاحن القديمة التي كانت تعتمد عليها الأمهات لطحن الحبوب سابقاً”، تضيف حسنة.

وفي ظل عمل النساء في الطواحين الحديثة والأدوار التي لعبتها النساء الريفيات في التنمية قبل وبعد إندلاع الحرب في اليمن، تشير تقارير مجموعة البنك الدولي إلى أن المرأة الريفية تتولى أعمالاً مختلفة مثل جلب المياه والزراعة، وحتى دخْلِ الأسرة في المناطق الريفية.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: