تُعد الأكواخ، أو ما يعرف بـ” العُشَّة التهامية”، رمزا حضاريا عريقا، وأحد المعالم البارزة للتراث المعماري البديع لأبناء الساحل الغربي اليمني، وخصوصا سكان محافظات الحديدة وحجة، وأجزاء من محافظة تعز.
ورغم بساطتها، يتعلق سكان تلك المناطق بهذه المساكن التقليدية المبنية من الطين والقش وأغصان الأشجار، ويحن إليها كل من فارقها من أبنائها إلى المدن الحضارية والمنازل المبنية بطريقة حديثة.
وأخذ مسمى “العشّة” من اسم عش العصافير حيث أن مكوناتها ترتكز أساساً على أغصان الأشجار اليابسة، ويتوارث السكان أشكال هندسية متعددة في بناء تلك العشش بما يتناسب مع مناخها الحار وجغرافيتها الساحلية منذ ما قبل التاريخ وفقا لدراسات بحثية.
وتتميز العشة بجدار طيني مبني بشكل دائري يصل ارتفاعه إلى مترين تقريبا ليساعد إلى جانب الأوتاد الخشبية في تثبيت سقف العشة المكون من أغصان الأشجار والقش، ويحمل العريش شكل هندسي رباعي الزوايا و سقف جملوني لا تختلف مكوناته وأدوات بناءه عن العشة.
ويتفاوت ارتفاع العشش وفقا لنوعية الأخشاب المتوفرة بالمنطقة ويتراوح ما بين 4 إلى 6 أمتار بشكل يمنع وصول درجة الحرارة من الأعلى إلى الأسفل، فيما يتكون البيت التهامي بشكل عام من سور طيني يسمى “حوش” تتوسطه عدد من الأكواخ منها – العشة – السقيفة – العريش – الحمام – المطبخ – المخزن، ويتم اختيار مكان وشكل البناء بعناية من قبل محترفين محليين.
ويعتبر سكان تهامة المرتفعات وضفاف الوديان مكانا مناسبا لتوطيد دعائم البيت التهامي او كما يطلق عليه “مجمع سكني” بحيث يحمي سكانه من السيول والأمطار والتغيرات المناخية.
مراحل البناء
ويبني بعض سكان المناطق الريفية كالزهرة، بيت الفقيه، اللحية، الضحي، السور بخليط من الطين ومخلفات الحيوانات والحجارة بارتفاع لا يقل عن ثلاثة أمتار فيما يكتفي الغالبية بزراعة الأشجار الشائكة لتقوم بمهمة السور وتغطية الدار وساكنيها.
ويتم تحديد مكان واتجاه الكوخ داخل الحوش بعناية بحيث يمثل المدخل الرئيسي نحو الشمال أو الجنوب مع وجود فتحات نحو الاتجاه الغربي الذي يمثل مصدر هبوب الرياح.
ويضم الفناء الواسع مجموعة من الأكواخ الطينية التي تساعد السكان على مقاومة حرارة الصيف الحارقة من خلال زرع الأشجار والتنقل بين الاكواخ وفقا لهبوب الرياح وأشعة الشمس.
ويتطلب بناء الأشكال المختلفة من الأكواخ الخبرة والعناية الفائقة بجميع المراحل ومنها تغطية المبنى بحشائش متنوعة منها– قصب الذرة – أوراق شجرة السدر – سعف النخيل ، تتلوها عملية تثبيتها بحبال مفتولة من الحصير لحفظها من الرياح والعواصف والأمطار.
وتتمتع الأخشاب والقش المختارة في البناء التهامي بقدرتها على مقاومة الحشرات ومنع دخول مياه الأمطار والأتربة إضافة إلى خفض درجة الحرارة إلى أقل مستوى ممكن.
وفي بعض القرى التهامية يتم طلاء العشة من الداخل بمواد كالطين او الجص بهدف عزل الحرارة الخارجية وتزيينها برسومات وعبارات دينية بألوان مختلفة لتبدو أكثر جمالا.
ويقدر تكاليف بناء العشة وفقا للمواصفات والجودة 500 ألف ريال يمني (الدولار الواحد بـ550 ريالا ) فيما تستغرق 15 يوما للتجهيز.
وتمثل السقيفة المكان المفضل لسكان المناطق الريفية بالساحل الغربي حيث يسمح بناءها الخشبي والقش مرور الهواء مما يساعد على برود المكان بدرجة كبيرة خلال فصل الصيف الحارق.
دور المرأة
وللمرأة التهامية دورا بارزا في بناء المساكن من خلال مساعدتها للرجل بتقطيع وجمع الأغصان الخشبية المتوفرة بالوديان وصناعة حبال الحصير التي تستخدم بتثبيت الأكواخ.
وتتفن النساء التهاميات بطلاء الأسقف إما بالطين أو الجص وتزيين بعض العشش بأشكال ورسومات مختلفة تعبر عن الساحل والطبيعة والدين والعادات والتقاليد التهامية.
وتجري العادة التهامية بتزيين عشة العريس بما يسمى ” التشريعة ” والتي تعتبر جزء من جهاز العروس وتتضمن مجموعة من الأطباق والأعمال اليدوية المزخرفة.
وعلى ارتفاع مترين ونصف تقريبا تتزين عشة العريس برفوف مزخرفة مبنية من الطين تستخدم للأواني والأشياء الثمينة التي تدل على غنى الأسرة.
وتنتشر الزخارف والرسومات في فناء الدار ومدخل السور وبوابات الأكواخ إما بخيوط ملونة او رسومات ونقاشات بارزة بطلاء الطين، ويمتد في بعض الأحيان للمطبخ والمخزن وغيره من الثكنات الطينية كالمروش الذي يستخدم غالبا للاستحمام.