كيف أوجد اليمنيون بدائل لتبريد الماء وحفظ أطعمتهم؟

كيف أوجد اليمنيون بدائل لتبريد الماء وحفظ أطعمتهم؟

في وقت الظهيرة وبينما الشمس تتوسط السماء، يعود “حزام هادي” (45 عاما) إلى منزله في منطقة القابل بمديرية بني الحارث، شمال صنعاء، ويحصل على ماء يتم تبريده بطريقة تقليدية، وهو تقليد متوارث لدى اليمنيين.

في المناطق الريفية يتمسك السكان، بالتبريد التقليدي للماء وحفظ الاطعمة، في الوقت الذي يتراجع الاعتماد عليها في المدن الرئيسية، التي اعتمدت سكانها على الكهرباء من اجل تشغيل البردات (الثلاجات) المنزلية.

وهذا الموروث في التبريد، جعلت لدى اليمنيين القدرة على التكيف مع كافة الظروف، وخاصة خلال الحروب والأزمات، والتي تتسبب بانقطاع خدمة الكهرباء وانعدام المشتقات النفطية، وبرز ذلك خلال السنوات الماضية من الازمة الإنسانية جراء الحرب.

وقال حزام لمنصة “ريف اليمن”، “لانملك ثلاجة لتبريد الماء لكننا نعتمد على الطرق القديمة من اجل ذلك والحصول على الماء باردا وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف”.

عندما اندلعت الحرب في اليمن، نتج عنها انهيار الدولة المركزية وتوقف الكثير من الخدمات الأساسية وما يرتبط بذلك من أساليب الحياة الجديدة في المدن مثل الكهرباء والوقود وشبكة المياه، وكان على المواطن اليمني أن يستعيد من مخزون خبرته وموروثه الموغل في القدم العديد من الوسائل والأدوات البدائية للحصول على بديل.

“الشُباك” في العمارة اليمنية

في مناطق كثيرة من اليمن، ومنها أحياء المدن القديمة، تتميز البيوت بوجود فتحة في الطابق الأخير تسمى “الشباك” أو “المشربية”، وهي نافذة خشبية بارزة وفيها فتحات للتهوية بحيث تكون بمثابة ثلاجة طبيعية، ويتم وزخرفتها في العمارة اليمنية بطريقة إبداعية.

كيف أوجد اليمنيون بدائل لتبريد الماء وحفظ أطعمتهم؟
تظهر الصورة الشباك في صنعاء القديمة الذي يعد جزء أساسي من العمارة اليمنية (سارة الخباط/ منصة ريف اليمن)

وفي العمارة اليمنية القديمة، يكون الشباك في اتجاه الرياح ولا سيما الشمال، وبذلك يعتمد على هذه المساحة التي تكون بارزة عن المنزل، لتلبية بعض الحاجات التي صممت الثلاجات الحديثة لأجلها.

يقول الحاج علي حمود الذي يعمل في مهنة البناء لمنصة “ريف اليمن”: “الشباك أمر أساسي في البيوت اليمنية القديمة، شكله مثل الصندوق لكنه بارز قليلاً عن جدار البيت، وأغلب الأحيان يكون مبني من الياجور (الآجر) تتخلله فتحات كثيرة ويتم توزيع الشبابيك بنسق معين في جوانب البيت وكل بيت ينحت ويشكل الشباك بحسب ما يناسبه”.

لقد تسببت الحرب -كما أسلفنا- في انقطاع الكهرباء في الوقت الذي يعجز فيه معظم المواطنين عن شراء الالواح الشمسية أو الاشتراك في الكهرباء التجارية، إذ وصل سعر الكيلو وات الواحد التي تقدمه المحطات الخاصة إلى 300 ريال، إضافة إلى رسوم اشتراك نصف شهرية تدفع مقابل توفير الخدمة.

وهكذا لجأ عدد كبير من المواطنين حتى من ساكني المدن إلى الطرق القديمة البديلة مثل استخدام الشباك أو “الشاقوص” وهو فتحة في أعلى النافذة وتكون مهمته التبريد.

“الفخار” لجودة تبريد الماء

لتعزيز كفاءة وسرعة هذه الطريقة في التبريد وحفظ البرودة لأطول وقت، كان لا بد من العودة إلى استعمال الأواني الفخارية مثل الجرة وتسمى باللهجة العامية (المدل) وأيضاً الأواني الجلدية وكذا ما يسمى بالزمزميات التي عبارة عن إناء معدني يستجيب بسرعة للبرودة.

وتعد صناعة الفخار في اليمن عريقة وتمتد إلى آلاف السنين ومازال اليمنيين يحتفظون بهذه الصنعة في الارياف اليمنية، ويعود تاريخ بدايتها الى 2600 قبل الميلاد، وفق مصادر تأريخية. وتشتهر مناطق تهامة بصناعتها في مناطق “حيس” و”زبيد” و”الجراحي” و”بيت الفقيه”.

وابتكر اليمنيون طريقة أخرى للتبريد وذلك عبر تغليف العبوات البلاستيكية بقطعة من الصوف أو القطن يتم رشها في الماء، ووضع العبوة في مكان لا تصل إليه الشمس إما في سطح البيت أو الشباك أو ما يسمى ب “الشاقوص” ليصبح الماء بارداً كما لو تم وضعه في الثلاجة.

تتحدث “أم محمد” وهي ربة منزل تسكن في قرية بمحيط العاصمة صنعاء الريفي، عن تجربتها بالقول: “قبل الحرب كان هناك كهرباء حكومية، وكنا نملك ثلاجة وغسالة وكل شي لا نبحث أين نبرد ماء ولا اين نحفظ الأكل، لكن في الحقيقة كان يعجبنا كنوع من الارتباط بالموروث أن نشرب من المدل (الجرة) من زمان، طعم الماء فيها يرد الروح”.

كيف أوجد اليمنيون بدائل لتبريد الماء وحفظ أطعمتهم؟
عبوة بلاستيكة يتم تغليفها بقماش، وهي وسيلة تبريد تقليدية في اليمن (سارة الخباط/ منصة ريف اليمن)

وأضافت لمنصة “ريف اليمن”، “أما في ظل الحرب والأزمات، نستخدم الشبابيك لحفظ الاكل وتبريد الماء، وحتى في رمضان نضع في الشبابيك المهلبية والجيلي والحلويات ووقت الفطور تكون باردة”.

تعمل الشبابيك كذلك على توفير الخصوصية والتهوية وليس فقط تبريد المياه، وايضا الضوء بطريقة مريحة، ويتم استخدامها لرؤية الشارع دون أن يراهم.

من جانبها تقول أمل، التي تعمل كمدرسة في محافظة حجة: “بيتنا حديث ليس فيه شباك لكن أمي تغلف دبة الماء بالصوف، وبعد تعبئتها توضع في سطح البيت وبين وقت وآخر يتم رش الماء عليها لتبقى مبللة”.

وتابعت “أما الاكل فنحن نحاول نطبخ بقدر اليوم وإذا زاد شيء تحضر أمي وعاء كبير وتصب وسطه ماء ويتم وضع الأكل الزائد في علب ويُنقل الوعاء إلى السطح، أما الخضروات فأخذها ونلفها بورق دفاتر وتبقى كما هي يومين ثلاثة، وهذه طريقتنا لإيجاد بدائل للثلاجة”.

ولفتت أسماء صالح، وهي معلمة وربة منزل في وادي ظهر، الى “طريقة موروثة وشائعة في اليمن لحفظ لحوم الأضحية وذلك من خلال تقطيعها إلى شرائح طولية وتخليلها بالملح وتعليقها على حبل في غرفة حسنة التهوية فتظل طرية لأيام”.

وتضيف: “أما الخضروات نقوم بتقطيع الطماطم ونتركها تحت الشمس لما تجف ونحفظها في عُلب مقفلة، وكذلك نجفف النعناع والكراث نغسلهن وبعدها نطحنها ونعمل على تخزينها”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :