تلاشى ضجيج مضخّات الآبار الارتوازية والمولدات الكهربائية التي تعمل بالديزل في معظم مناطق الريف اليمني في السنوات الأربع الماضية، وذلك عقب إحلال منظومات الطاقة الشمسية النظيفة والصديقة للبيئة مكانها، لضخ المياه وإضاءة المنازل الريفية، ما أدّى إلى تصفير الاعتماد على الوقود الأحفوري الملوّث للبيئة، بحسب ما ذكره الشاب عثمان المرهبي لريف اليمن.
ونجح المرهبي وعدد من مزارعي 5 قرى بعزلة مرهبة – مديرية ذيبين – محافظة عمران، في شراء منظومات طاقة شمسية، لضخ المياه من الآبار الارتوازية، وريّ مزروعاتهم، بكل يُسر وسهولة، واستغنوا عن الديزل الملوث للبيئة.
وتُعدّ الطاقة الشمسية واحدة من مصادر الطاقة المتجددة في اليمن التي تتّسم بأنها واعدة؛ إذ تتمتع البلاد بأشعة شمس وفيرة، ويبلغ متوسط السطوع الشمسي نحو 3 آلاف ساعة سنويًا، وهذا يجعلها موقعًا مثاليًا لتطوير مشروعات الطاقة الشمسية، وتشجيع الاستدامة البيئية.
يضيف عثمان لريف اليمن: “استخدام الطاقة الشمسية النظيفة لم يقتصر على ضخ المياه، بل بدأ من استخدامها في إضاءة المنازل الريفية، بعد سنوات من انقطاع الكهرباء العامة وعدم توفر الغاز المنزلي، الأمر الذي حدّ من تلوث البيئة أيضا”.
الطاقة الشمسية
ولا تنتج الطاقة الشمسية أي انبعاثات ضارة بالبيئة، مثل غازات الاحتباس الحراري التي تسبب تغير المناخ وتؤدي إلى زيادة درجة حرارة الأرض، وتعتبر مصدرًا نظيفًا ومتجددًا ومستدامًا لتوليد الكهرباء للمنازل والمستشفيات والمراكز والوحدات الصحية الريفية وضخ المياه للمزارع، بحسب ما أكده المهندس يوسف شمسان لريف اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، لا تستهلك موارد طبيعية نفطية أو غازية، ومن ثَم تقلّل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحد من التلوث البيئي، وفق شمسان. ويرى شمسان أن منظومات الطاقة الشمسية مكلفة وغالية الثمن عند إدخالها لأول مرة، غير أنه في أقل من عام بإمكان المستفيد استعادة رأس المال المدفوع لشراء المنظومات الشمسية.
وقد استهلكت بئر واحد في سنة نحو 27 مليون ريال قيمة محروقات، بمعدل استهلاك يومي 200 لتر، بينما كلفت المنظومة الشمسية للبئر نفسها نحو 13 مليون ريال فقط، ما يؤكد أنها ذات جدوى اقتصادية وبيئية وعائد ممتاز، وفق شمسان.
ووصف شمسان التقدم التقني والأداء المميز والأسعار المناسبة التي تتناقص تدريجيا، لبطاريات الليثيوم التي تعد جزء من المنظومات الشمسية بأنه “ثورة” بالفعل؛ إذ يصل سعر بطاريتين من هذا النوع إلى 3000 دولار أو أقل، بعمر افتراضي طويل نسبيا قد يصل إلى نحو ٢٥ عاما، ويمكنها تغطية احتياجات منزل متكامل مكون من أربع شقق.
أما في المناطق والمرتفعات الجبلية الباردة التي لا تستخدم المكيفات، ستغطي ضعف ذلك الاحتياج، بحسب شمسان الذي نوه بأن المحلات والشركات والفنادق والمستشفيات التي تستخدم هذا النوع من البطاريات، ستوفر نحو 70٪ من قيمة استهلاكها اليومي للمحروقات.
تساعد الطاقة الشمسية في الحد من تغير المناخ وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وتوفر فرصا بديلة للحصول على الطاقة، لا سيما في المناطق النائية، وفق صحيفة الوقائع الصادرة عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، بعنوان “الابتكارات والممارسات الخضراء في القطاع الزراعي”.
وعلى الرغم من ذلك، تقول مصادر حكومية: “إن منظومات الطاقة الشمسية توفر 6000 ميغاواط لتشغيل الآبار الجوفية الخاصة بالمزارع في اليمن، وقد غطت كامل الاحتياج الكهربائي للزراعة، لكنها تسببت بكارثة بيئية مدمرة في استنزاف المياه الجوفية بصورة غير مسبوقة”.
تقليل ساعات شفط المياه
البروفيسور مروان ذمرين الأستاذ الجامعي بجامعة أوسكا وكبير اختصاصيي شركة تويو المنيوم ومدير العلاقات الدولية في جمعية الطاقة الشمسية اليابانية، أكد في حديثه لريف اليمن أن الطاقة الشمسية تقلل من ساعات شفط المياه، ولا تستنزفها كما يروج البعض، وتقلل تكاليف الإنتاج، بعد تغطية تكلفة تركيب أنظمتها في أول سنتين، وذلك نفي ضمني للاتهامات التي روّجتها مصادر حكومية.
وأكد ذمرين أنه “لا يوجد تلوث صناعي في اليمن التي لديها رصيد كاف من حصة الكربون، بل تفاوض على بيعها للدول الصناعية التي تعاني من نقص فيها”، داعيا إلى “تقنين استخدام الطاقة الشمسية لضخ المياه، وإعفاء مدخلاتها من الجمارك وتوعية المهندسين بكيفية تركيبها وصيانتها”.
وتتمتع اليمن بظروف مناسبة لحصاد الطاقة الشمسية، ويُقدر إجمالي إمكانات الطاقة الشمسية التقنية بنحو 17 جيجاواط للطاقة الشمسية المركزة على نطاق واسع، و2.2 جيجاواط لأنظمة الطاقة الشمسية المحدودة، وفق دراسة “التحول المستدام لنظام الطاقة اليمني” أعدتها مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية.
وبحسب الدراسة، يتراوح المتوسط السنوي للتعرض الشمسي في اليمن بين 5.2 إلى 6.8 كيلو واط/ساعة/متر مربع/ يوم، فيما سجلت محافظة عمران إشعاعا بين 6.6 إلى 6.7 كيلو واط/ساعة/متر مربع/ يوم.
ويرى البروفيسور ذمرين أن “الطاقة الشمسية صديقة للبيئة، والكهرباء الشمسية هي الأرخص عالمياً، ولا تزال أسعارها في تناقص”، مضيفا أن “توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية واستخدام بطاريات الليثيوم للبيوت يجعل المواطنين يستغنون عن الكهرباء التجارية”، وتوقع أن “جميع اليمنيين سيستخدمون الطاقة الشمسية خلال العامين المقبلين، خصوصا مع دخول بطاريات الليثيوم”.
واعتبر أن “إغراق السوق بألواح شمسية رديئة أدى لإيجاد صورة قاتمة لسوق الطاقة الشمسية، تسبب بها بعض التجار وسوء الاستخدام وغياب الضمانات”، ولفت إلى أن “دخول الطاقة الشمسية في قطاع الزراعة عام 2018، أعاد الثقة فيها، نتيجة استيراد ألواح ومنظومات شمسية ذات كفاءة، إضافة إلى منح ضمانات للمستهلكين”.
ونوه البروفيسور ذمرين إلى أنَّ “ضعف المحطات الكبيرة والشبكات الكهربائية الوطنية في تقديم خدمتها بالشكل المناسب للمواطنين، جعل من عملية التفكير بالاستفادة من الطاقة الشمسية ضرورة من قبل كثير من المواطنين في اليمن؛ لأنها الملاذ الوحيد على مستوى المنازل والمصانع التي كانت تُشغَّل اعتمادا على مصادر أخرى كالبطاريات ومحولات الديزل”.
طاقة صديقة للبئية
ونظراً لامتلاك اليمن مستويات عالية من الإشعاع الشمسي ولمتوسط عالٍ من ساعات السطوع الشمسي اليومي على مدار السنة، تُعدّ الطاقة الشمسية بديلًا مناسبا ومجدیا من جهة التكلفة مقارنة بإمدادات الكهرباء السائدة التي تعتمد على الوقود الأحفوري، بحسب ما أكدته دراسة “توسيع نطاق استثمارات الطاقة الشمسية في اليمن“، وبينت الدراسة أنه یمكن للقطاع الخاص أن يؤدي دورا حاسما في توسيع نطاق توليد الطاقة الشمسية في اليمن، لا سیما في تنفيذ المشاريع الكبيرة والشبكات الصغيرة.
ومنذ عام 2016 حصلت غالبية الأسر اليمنية على منظومة لتوليد الطاقة الشمسية، وبلغت نسبة الأسر التي تمتلك منظومات شمسية منزلية في ريف محافظة عمران 78% خلال العام الجاري 2024م، مقابل 22% لا تمتلك منظومات إضاءة شمسية، و80% لديها منظومات شمسية للآبار، مقابل 20% ليس لديها منظومات للآبار، ممن استُطلعت آراؤهم، بحسب استبيان إلكتروني أجرته منصة ريف اليمن، على 150 مواطنا من أبرز المستفيدين من خدمات الطاقة الشمسية في مديريات ذيبين وخمر وريدة وبني صريم وحوث وحرف سفيان والقفلة والعشة وصوير والسودة.
ويوجد في اليمن فرص ممكنة لتنفيذ ثلاث فئات من مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية هي مشاريع الطاقة الشمسية الكبيرة، وشبكات الطاقة الشمسية الصغيرة، وأنظمة الطاقة الشمسية الصغيرة والمتوسطة، وفق دراسة “توسيع نطاق استثمارات الطاقة الشمسية في اليمن”، الصادرة عن مبادرة إعادة تصور اقتصاد اليمن.