الأحد, ديسمبر 7, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن

نساء اليمن والتغير المناخي: تأثيرات نفسية وجسدية

التغير المناخي نساء اليمن

هبة التبعي

“أشعر وكأن الأرض تدور بي، يأخذ النزيف مني كل طاقتي، لم أعد قادرة على الذهاب إلى العمل، مديري أرسل لي إنذارًا بالفصل وفي المنزل، أطفالي ينتظرون مني العناية، لكنني أعجز عن القيام بأي شيء، هكذا تصف أفنان الصبري معاناتها القاسية أثناء الدورة الشهرية.

تعاني أفنان من حدوث نزيف حاد أثناء الدورة الشهرية، وتحتاج إلى نقل دم بشكل دوري وهو ما أنعكس سلباً على صحتها النفسية، واستقرارها المهني، وعلاقتها الزوجية  على غرار العديد من النساء في اليمن.

وفقًا لتقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)،فإن النساء والفتيات يعانين أكثر من غيرهن من آثار التغيرات المناخية ومع ذلك، هن الأقل مسؤولية عن التلوث البيئي. الجفاف والحرارة الشديدة يؤديان إلى مشاكل صحية معقدة، تفاقم من أزماتهن النفسية والاجتماعية، وتجعل استقرارهن حلمًا بعيد المنال.

التغير المناخي وصحة النساء

تماما مثل أفنان، تعيش آمنة تجربة مشابهة بسبب تحديات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة التي بدورها ضاعفت الأعباء الصحية والنفسية على النساء، إذ تشير تقارير إلى أن أكثر من 158 مليون امرأة وفتاة في العالم يعانين من الفقر بسبب التغير المناخي.

تشير الدراسات إلى أن تأثيرات التغير المناخي تمتد إلى ما هو أبعد من البيئة، لتصل إلى الصحة الإنجابية والهرمونية للنساء إذ تغييرات درجات الحرارة، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، وتلوث الهواء، تُهدد بشكل مباشر توازن الهرمونات التي تُعد أساسية للعديد من الوظائف الحيوية.

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن التغير المناخي، مثل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الكوارث الطبيعية، يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في الهرمونات، مما يزيد من خطر الإصابة بمشاكل مثل متلازمة تكيس المبايض واضطرابات الدورة الشهرية.

وقال بدري محمد، وهو رئيس حماية البيئة في تعز، أن هذه التغيرات تؤثر على هرمونات المرأة المسؤولة عن تنظيم العمليات البيولوجية الحيوية، بما في ذلك توازن السوائل، استجابة الجسم للإجهاد، وصحة الجهاز التناسلي.

تُظهر الأبحاث أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من معدل الأيض، مما يؤدي إلى اضطراب توازن السوائل، ويضع عبئًا إضافيًا على القلب والأوعية الدموية. كما أن التعرض الطويل للحرارة يؤثر على الجهاز العصبي والغدد الصماء، مما يرفع احتمالية حدوث اضطرابات صحية مزمنة.

وبحسب دراسة نُشرت في مجلة Nature Climate Change فإن التعرض المطول لدرجات حرارة مرتفعة يُحدث تغييرات بيولوجية تؤثر على وظائف الأعضاء بشكل عام. أما في مجال الصحة النسائية، فإن تقلب الطقس يُعتبر أحد العوامل المؤثرة بشكل مباشر على انتظام الدورة الشهرية.

بين الصيف والشتاء: دورة شهرية غير مستقرة

ظهرت دراسة في مجلة Gynecological Endocrinology وجود علاقة مباشرة بين أشعة الشمس ومدة الدورة الشهرية. في الصيف، يُلاحظ زيادة في نشاط المبايض بنسبة تصل إلى 97% مقارنة بـ71% في الشتاء. يعود ذلك إلى ارتفاع مستويات فيتامين “د”، الذي يعزز إنتاج هرمون FSH المسؤول عن تنظيم الوظائف الإنجابية.

في المقابل، يؤدي انخفاض التعرض لأشعة الشمس خلال الشتاء إلى نقص فيتامين “د”، مما يُسبب تأخر الدورة الشهرية وزيادة مدة النزيف. كما أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Gynecological Endocrinology وجود علاقة مباشرة بين أشعة الشمس ومدة الدورة الشهرية.

في فصل الصيف، يلاحظ زيادة طول الدورة الشهرية نتيجة ارتفاع نشاط المبايض بنسبة تصل إلى 97% مقارنة بـ71% خلال فصل الشتاء. يعود هذا النشاط إلى ارتفاع مستويات فيتامين “د” في الجسم، وهو عنصر أساسي يعزز إنتاج هرمون FSH المسؤول عن تنظيم الوظائف الإنجابية.

التغيرات تشمل اختلاف مدة الدورة، غزارة النزيف، أو حتى انقطاعها بشكل كامل. هذه الاضطرابات لا تعتبر مجرد أمور مؤقتة، بل تكشف عن تأثيرات بيئية عميقة تؤثر على الوظائف البيولوجية والإنجابية للمرأة.

نساء الريف
معاناة نساء الريف في اليمن (ريف اليمن)

أمراض النساء والتغيرات المناخية

تتأثر صحة النساء بشكل كبير بتقلبات المناخ إذ أن الحرارة المرتفعة تزيد من مخاطر الإصابة ببعض الأمراض النسائية التناسلية، مثل العدوى بالفطريات المعروفة بـ “عدوى الخميرة”، التي تصبح أكثر شيوعًا خلال فترة الحيض، خصوصًا في البيئة الحارة والرطبة التي تشجع على نمو البكتيريا.

التغيرات المناخية، وخاصة الحرارة العالية، تؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، كما أن زيادة التعرق في المناطق الحساسة قد يسبب تهيجًا وحكة، مما يزيد من شعور النساء بالانزعاج والتوتر. التغيرات الهرمونية المرتبطة بفترة الحيض تؤدي أيضًا إلى احتفاظ الجسم بالماء والملح بشكل أكبر، مما يعزز الشعور بالانتفاخ.

وأكثر من ذلك، يمكن أن تؤدي الحرارة الشديدة إلى الجفاف، وهو ما يسبب عدم الراحة ويزيد من مشاعر القلق والاكتئاب، مما يؤثر على قدرة النساء على أداء مهامهن اليومية بشكل طبيعي. في مثل هذه الظروف، تصبح التحديات الصحية التي تواجهها النساء ليست مجرد معاناة جسدية بل أزمة نفسية حقيقية تنبع من تأثيرات البيئة.

وفي المناطق المتأثرة بالنزاعات أو الأزمات المناخية، مثل اليمن، تشير فيها التقديرات إلى أن حوالي 26 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب يعانين من تهديدات صحية وإنجابية خطيرة بسبب التغيرات المناخية. من أبرز هذه التهديدات هو نقص الخدمات الصحية الأساسية التي تحتاجها النساء للحفاظ على صحتهنّ الإنجابية.

يعتقد الباحثون أن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يؤدي إلى تغيرات هرمونية لدى النساء الحوامل، مما يزيد من احتمالية الولادة المبكرة. عادةً ما ترتبط الولادة المبكرة بمشاكل صحية خطيرة، مثل انخفاض وزن الأطفال عند الولادة وتأخر النمو، مما يجعلهم أكثر عرضة للمشاكل الصحية في المستقبل.

كما يمكن أن تؤدي هذه التغيرات إلى زيادة مستويات القلق والاكتئاب، خاصة في فترات الحيض أو الحمل. هذا يؤثر بشكل مباشر على قدرة النساء على التكيف مع التحديات البيئية والاجتماعية الناتجة عن التغيرات المناخية المستمرة.

الأثر الاقتصادي

تحتاج النساء في فترة الدورة الشهرية إلى الدعم الغذائي، لكن استمرار التغير المناخي يعني تغير في خارطة المواسم الزراعية، ما يعني ارتفاع في الأسعار وقلة الموارد للنساء الفقيرات بشكل مباشر.

كما أن التدهور الاقتصادي الناجم عن التغير في تجارة المواسم الزراعية يحد من قدرة النساء على تغطية تكاليف الرعاية الصحية، خصوصًا في المناطق الفقيرة.

بالإضافة إلى المسافات الطويلة التي تقطعها النساء بحثاً عن المياه أو الاحتطاب إذ تعرضت آسيا المجاهد( 50 عامًا)، لإصابات جسدية شديدة بسبب حملها كميات ضخمة من الماء والحطب في قريتها الريفية التي تعاني من الجفاف المستمر.

آسيا ومعها المئات من النساء النازحات في الحديدة يعانين جراء النزوح الناجم عن الفيضانات التي ضربت المحافظة في أغسطس 2024.

بحسب تقارير برنامج الأغذية العالمي، تواجه النساء في المناطق الريفية صعوبة في تأمين احتياجاتهن الغذائية بسبب تراجع المحاصيل وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما يؤدي إلى تدهور صحتهن العامة وصحة دورتهن الشهرية، فضلاً عن تأثيرات سلبية على صحتهن الإنجابية بشكل عام.

التغير المناخي نساء اليمن
المئات من النساء النازحات في الحديدة يعانين جراء النزوح الناجم عن الفيضانات التي ضربت المحافظة في أغسطس 2024.

حلول مقترحة

تشمل الحلول المقترحة زراعة الأشجار، توفير المظلات، ورش المياه لتخفيف آثار الحرارة. كذلك، من الضروري تعزيز الوعي حول كيفية التعامل مع الضربات الشمسية وأضرار الحرارة على صحة النساء.

كما يجب إشراك النساء في عمليات التكيف مع التغيرات المناخية وتعزيز ثقافة الحماية من المخاطر المناخية. بالإضافة إلى تقديم برامج توعية للنساء، خصوصًا في المناطق الريفية التي يصعب الوصول إليها، يعد أمرًا حيويًا لتمكينهن من مواجهة هذه التحديات بفعالية.

من أبرز التجارب الناجحة في هذا المجال، تجربة الصين في الزراعة في المناطق الصحراوية باستخدام تقنيات متقدمة لإدارة المياه. هذه التجربة ساعدت في مواجهة التغيرات المناخية وتوسيع المساحات الخضراء. كما اعتمدت الصين على أنظمة إنذار مبكر للتعامل مع الحرارة الشديدة والبرد، مما قدم نموذجًا يمكن الاستفادة منه في سياقات مختلفة حول العالم.

بالمحصلة تولّد التغيرات المناخية، تحديات كبيرة على النساء لذلك فإن الحفاظ على سلامة النساء يعتمد على قدرة المجتمع على التفاعل مع هذه القضايا وإيجاد الحلول المناسبة لها .

شارك المقال: فيسبوك | تويتر | تليجرام