نساء الضالع.. الموت غرقاً في الحواجز المائية

تسجيل 30 حالة وفاة غرقا خلال عامين في مديرية واحدة

نساء الضالع.. الموت غرقاً في الحواجز المائية

تسجيل 30 حالة وفاة غرقا خلال عامين في مديرية واحدة

“بعد 35 يوما من زفافنا، فقدتُ شريكة حياتي وشاهدتُها تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تغرق”، بهذه الكلمات يتحدث عبد العزيز الحضرمي (25 عامًا) الذي فقدَ شريكة حياته غرقا في حوض مياه جوار منزله في مديرية الحُشا بمحافظة الضالع جنوب اليمن عند جلبها الماء.

لم تكن زوجة الحضرمي الأولى، ومن المؤكد أنها لن تكون آخر ضحايا الغرق في أحواض وحواجز المياه، فسكان الضالع يستقبلون بين حين وآخر نبأ وفاة أخت أو أم أو زوجة، نتيجة السقوط في الأحواض والحواجز المائية في رحلاتهن الشاقة للبحث عن الماء.

نساء الضالع والموت غرقاً

ويعاني سكان المحافظة من غياب مشاريع المياه الصالحة للشرب منذ عقود، وقد تحملت النساء مسؤولية البحث عنه وجلبه للمنزل، ومما أسهم في رفع أعداد الضحايا إهمالُ المواطنين تعليم النساء السباحة، ليتمكنّ من إنقاذ أنفسهن أو غيرهن، ويعود ذلك إلى ثقافة العيب في المجتمع.


    مواضيع مقترحة


عبد الرحمن حيدرة (52 عاما) مواطن مكلوم، فقدَ أربع نساء من أسرته غرقا، بينهن ابنته، وذلك نتيجة سقوطهن في أحد الحواجز المائية أثناء بحثهن عن المياه، بوادي مقلد بمنطقة الشريس بضواحي مدينة الضالع.

يقول حيدرة لمنصة ريف اليمن: “فقدتُ ابنتي وخالتها واثنتين من بنات صهيري بسبب سقوطهن داخل حوض ماء أثناء ذهابهن للاحتطاب. مررن بطريق صخرية محاذية للحوض المائي، وحدثت الكارثة”. ويضيف: “في البداية، انزلقت إحدى الفتيات عند مرورها، وسقطت في الحوض المائي، الأمر الذي دفع ببقية الفتيات إلى إنقاذها، وذلك أدّى إلى تدافعهن وسقوطهن جميعا، وللأسف غادرن الحياة مخلّفات ورائهن جرحا لا يندمل”.

نساء الضالع.. الموت غرقاً في الحواجز المائية
بلغت عدد حالات الوفاة نتيجة الغرق أو السقوط من المنحدرات بمديرية الأزراق 30 حالة خلال عامين (ريف اليمن/ نائف الحساني)

ويصف حيدرة ذلك اليوم بكارثة كبرى عاشتها أسرته والقرية بأكملها، ويقول: “لا يزال الألم يعتصر قلبي، وما زلت أتذكر ذلك اليوم المرعب الذي اتشحت فيه القرية بالسواد حزنا. لم أكن أتوقع أني سأسمع يومًا بمثل هذا الخبر الذي أصبح حديث الناس، لكنها إرادة الله وقضائه”.

ويغيب تعليم غالبية النساء للسباحة وقصر ذلك على الرجال إلى مفهوم العيب والامتثال للأعراف القبلية والإرث المجتمعي الذي أضحى عقيدة لدى المجتمع يعملون بها ويخشون مخالفتها وتجاوزها.

30 وفاة خلال عاميين بمديرية الحُشاء

مأساة عبد الرحمن حيدرة، واحدة من بين عشرات القصص المأساوية التي ذهب ضحيتها عدد من النساء غرقا أثناء جلبهن للماء، أو بسبب سقوطهن من المنحدرات في رحلة جلب الحطب، ولم يمر شهر على مأساة حيدرة، حتى جاءت أخرى.

رانيا صدام (13 عامًا) فقدت حياتها هذا العام بعد سقوطها في أحد الأحواض المائية بمنطقة حجر في مديرية الضالع، وذلك عند ذهابها لجلب المياه، ونتيجة لوعورة المنطقة المحاذية للحوض المائي تعثّرت وفقدت توازنها، وسقطت بشكل مباشر إلى الحوض.

يصف والدها هول الحادثة فيقول لمنصة ريف اليمن: “سمع مَن كان بالقرب من المكان أصوات الصراخ والاستغاثة. هرعوا في محاولة لإنقاذها، ولكنهم لم يتمكنوا لتأخر عملية البحث عنها في عمق الحوض، ثم عثروا عليها وقد ابتلعت كميات كبيرة من الماء”، ويضيف: “أسرعتُ بها نحو المركز الطبي في محاولة أخيرة، لكنها فارقت الحياة قبل أن تصل إلى المركز”.

وقال مدير مكتب الصحة والسكان في مديرية الأزارق لمنصة ريف اليمن: “إن عدد وفيات النساء بالمديرية، بسبب سقوطهن في الآبار منذ بداية 2018 حتى نهاية 2019، بلغ 11 حالة”، في حين أظهرت إحصائية لمركز سوث 24 أن عدد حالات الوفاة نتيجة الغرق أو السقوط من المنحدرات بالمديرية نفسها بلغ 30 حالة في العامين 2022 و2023.

لا تختلف قصص الضحايا من مديرية لأخرى، ففي مديرية الحُشا غرب المحافظة، توفيت أربع فتيات من أسرة واحدة: فاطمة صالح (28 عامًا) وابنتها إشراق، وأختها صفية وابنتها لحظة، وذلك عند قيامهن بعملهن المعتاد المتمثل بغسل الثياب واستخراج الماء من البئر بالدلو.

نساء الضالع.. الموت غرقاً في الحواجز المائية
حاجز مائي بمديرية الحٌشا غرب الضالع يهدد الماره ويفتقر لسياج حديدي يمنع حدوث السقوط (ريف اليمن/ نائف الحساني)

يقول صالح والد الضحية فاطمة لريف اليمن: “حاولت الأم إنقاذ ابنتها، لكنها سقطت مباشرة جوارها، في حين كانت أخت الأم وابنتها تحاولان إنقاذ الطفلة وأمها، فسقطتا أيضا بجوارهما، وفارقت الأربع الحياة. حاولت الخامسة إنقاذهن إلا أنها باءت بالفشل؛ لأنها لا تستطيع السباحة، وحاولت النجاة بنفسها من الغرق”.

قضية تحتاج حلول 

ويصف الأكاديمي المتخصص بعلم الاجتماع في جامعة، عدن جلال فارع، تزايد حالات الوفيات غرقا بين النساء الريفيات بـ”الكارثة كبيرة” التي يجب أن تضع لها الجهات المعنية حلولا جذرية بالتعاون مع الأسر والمواطنين.

وشدّد فارع في حديثه لمنصة ريف اليمن على ضرورة قيام الجهات الحكومية بتوفير الحواجز والأسلاك الشائكة لتغطية المستنقعات والبرك والآبار المكشوفة في الأرياف للحد من سقوط المواطنين رجالاً ونساء، والمخاطرة بحياتهم بالموت غرقاً في المياه.

وقال: “إذا قامت الأسرة بدورها في الحفاظ على سلامة أبنائها بتوعيتهم، وبتعليم الفتيات السباحة، لما شهدنا كل هذه الأعداد مِن الوفيات”، وطالب بتوفير مشاريع مياه للمواطنين في الأماكن البعيدة التي لا تصل إليهم الكاميرات ولا الأصوات الإعلامية والحقوقية.

ويرى الناشط الحقوقي غانم الصيادي، ضرورة نشر ثقافة السباحة بين الفتيات، بعيدا عن التجاوزات والخرق للقواعد الاجتماعية، بتخصيص أماكن محددة تمارس فيها المرأة السباحة بحرية تامة، تتيح لها إنقاذ نفسها عند الحاجة، ولإشباع شغفها، مع أهمية الحفاظ على خصوصيتها.

الحاجز المائي الذي سقطت فيه زوجة الحضرمي وفقدت حياتها (ريف اليمن/ نائف الحساني)

وأضاف الصيادي في حديثه لريف اليمن أن السباحة حاجة ضرورية وملحة للمرأة، فالإنسان بحاجة للترويح النفسي، والتمرين الجسدي، بالإضافة إلى حفظ حياة المرأة وحياة غيرها من ضحايا الغرق، فبفعل العادات والتقاليد المتحجرة تُساق المرأة إلى الموت وحيدة عاجزة على ذمة ثقافة مجتمعية ظالمة.

وكانت مصلحة الدفاع المدني قد حذّرت المواطنين من مخاطر وجود ونزول الأطفال غير القادرين على السباحة في مناطق تجمع سيول الأمطار وحواجز المياه والبرك والسدود، ونبهت من مغبة إهمال الأبناء في تلك الأماكن التي تُعد خطرا حقيقيا وموتا محقّقا مع عدم قدرتهم على السباحة وسوء تقديرهم لمخاطرها.

ووفق البنك الدولي “من المرجح أن يكون توفير المياه الصالحة للشرب من أكبر المشاكل التي سيواجهها أبناء اليمن في السنوات القادمة، حيث ترك الصراع آثاراً شديدة على البنية التحتية للمياه”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: