تتميز اليمن بتنوّع ثقافي واسع، وتنتشر فيها الفنون والرقصات الشعبية، ولا تكاد تخلو منطقة من ذلك، خاصة الرقصات الشعبية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، وتتميز كلّ محافظة يمنية برقصة خاصة بها منذ القدم، ومن الرقصات المتوارثة: رقصتا الزبيّرية والعسكري، التي تتميز بها أرياف محافظة تعز ولاتزال حاضرة، رغم اندثار عدد من الرقصات الشعبية الأخرى.
الرقصة الزبيّرية
تعود تسمية هذه الرقصة إلى النسبة إلى منطقة الزبَّيْرة الواقعة في عزلة قَدَس بمديرية المواسِط، ومنها انطلقَت هذه الرقصة، ثم انتشرت في منطقة الحُجرية، وأصبحت الرقصة الأولى لدى الأهالي في الأفراح والفعاليات، وكان غالبية أهالي المنطقة يجيدونها ببراعة، ثم انتشرت غرباً باتجاه مديريات ساحل تعز الوازعية وموزع.
وعن تاريخ الرقصة الزبيرية، قال الباحث والمؤرخ أحمد السروري: “من الصعب تحديد زمن ظهور هذا النوع من الرقص؛ لأنه عنصر من عناصر التراث الشعبي (الفولكلور)، مثله مثل البرع”.
وأضاف السروري لمنصة ريف اليمن: “كل ما يوصف بالشعبي فهو نتاج جماعي لا يرتبط بفرد أو أفراد، بل بكيان اجتماعي واسع، وتتناقله الأجيال خلفا عن سلف، ولهذا السبب ليس له تاريخ بدء محدد، بل يضرب بجذوره إلى القدم”.
وأوضح أنه لليمن موروث شعبي وثقافي غني وثري، وفقدان هذا الموروث خسارة كبيرة لجمال تعز والحُجَرية حيث تتنوع الرقصات الشعبية والفنون، وشدّد على أهمية الحفاظ على هذا الإرث الثمين، وأن يكون ذلك من صميم عمل الدولة، وذلك بتعريف المواطن بموروثه وثقافته وفنونه وتشجيع المبدعين والمجدّدين وإقامة الندوات والمحاضرات التي تتحدث عن الفنون والرقصات والأهازيج الشعبية والمهاجل والأناشيد الشعبية.
الحاج قائد إسماعيل (65 عاما)، أحد من يؤدي رقصة الزبيرية، قال لمنصة ريف اليمن: “يتشارك النساء والرجال في تأدية الرقصة، وأحيانا تؤدّيها النساء وحدهنّ أو الرجال وحدهم، وهي رقصة يؤديها اثنان لا أقل ولا أكثر، وتتميز بأنها هادئة ومريحة، وليس فيها أي حركة سريعة”.
وبحسب إسماعيل، الرقصة الزبيرية نوعان: زبيري وجرابي، وتؤديان بطريقة متشابهة في كل من مناطق الحجرية وموزع والوازعية، ويلفت النظر إلى أنها كانت قد بدأت بالاندثار في مناطق عدّة، باستثناء قَدَس والزبّيرة في مديرية المواسط، وأعاد إحياء هذا اللون الفنان أيوب طارش عبسي وعبد الباسط عبسي والشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان، محافظينَ على اللحن نفسه، وكذلك صفوان المشولي.
وتابع: “كان الناس قد صرفوا النظر عن هذه الفنون، واتجهوا نحو أنواع من الرقص، مثل: اللَّحجي والحضرمي والصنعاني والأجنبي، فكان أيوب وعبد الباسط المُنقذين لهذا النوع، كما كان لمهرجان الفضول الذي أُقيم في مدينة التربة في العام 2013 دور في لفت أنظار الناس لهذا الفن والعودة إليه”.
وفي الوقت الحالي، يؤكد إسماعيل حضور فنانة شعبية في قَدَس: سمر أحمد، تغني في الأعراس على دقات الدفوف والمرافع، وتعمل جاهدةً من أجل إحياء اللون الغنائي الذي يتوافق مع الرقصة الزبيرية ورقصة العسكري والجرابي وغيرها من الرقصات الشعبية.
رقصة العسكري
هي رقصة تراثية يؤديها الأهالي في عدد من المناطق الريفية بمحافظة تعز، وتنتشر بشكل كبير في المعافر وسامِع والمواسط والقبيطة والمقاطرة والحجرية. ويقول الشاعر ذخر الجِبْزي لمنصة ريف اليمن: “تعود تسمية رقصة العسكري إلى كلمات إحدى الأغاني الشعبية القديمة، ولها ألحان متعدّدة، ولا يزال الناس يحافظون عليها في القبيطة، ولا تزال حاضرة في الجبزية والمعافر وقدس والمواسط وسامع، رغم انتشار رقصات أخرى في المناطق المرتفعة مثل سامع والمقاطرة”.
ويضيف: “تؤدّى الرقصة بشكل ثنائي، ويرقصها الرجال والنساء، لكنها تكون أفضل من النساء، وللرقصة شعبية كبيرة، وحضور في الوسط الفني والثقافي والتراثي، وتعد موروثا تعزيا أصيلا”.
وللأهالي في تعز عدد من الرقصات الشعبية الأخرى، مثل رقصة الأفندي والجرابي، وهاتان الرقصتان، إلى جانب السابقتين، منتشرتان بشكل كبير في منطقة الحجرية وبقية المناطق الريفية، بالإضافة إلى رقصة الدلل والركلة والمشاردة والذابل.
نعمة مصلح السامعي (70 عاما) لا تزال تتذكر كيفية أداء النساء والرجال للرقصة الزبيرية، وتقول إن بعض النساء أثناء تأدية الرقصات الشعبية في الحجرية يضعن قطعتين من الحجول أو الخلاخيل (سلاسل صغيرة من فضة أو ذهب) أسفل القدمين للزينة ولإصدار الإيقاع مع الرقص.
دعوات لإحياء التراث
ضمن حديثة لمنصة ريف اليمن، طالب الحاج قائد إسماعيل الجهات المعنية والأهالي والجمعيات الأهلية بضرورة الاهتمام بالفن الشعبي بوصفه تراثا مجتمعا يمتدّ عمره لمئات السنين، ودعا وسائل الإعلام والناشطين والمنظمات إلى دعم وتشجيع جميع الأعمال التي توثق التراث والثقافة والاهتمام به كي يتناقله الأجيال، خاصةً مع الرقصات القادمة من الخارج، أو تلك التي لا تتناسب مع الذوق العام، وباتت تهدد الرقصات المتوارثة.
ويتفق عزمي الغانم الطالب في الإعلام جامعة تعز مع إسماعيل، مؤكدا أن وسائل الإعلام يمكن أن تؤدّي دوراً كبيراً في التعريف بالثقافة والتراث الشعبي بالبرامج التي تُخصّص للحديث في هذا الأمر، بالإضافة إلى دور مكاتب الثقافة في المديريات والمحافظات بشكل عام، وذلك بتخصيص جزء من برامجها لإحياء التراث الشعبي والفكري اليمني.
ومن الرقصات الشعبية البارزة التي تزخر بها اليمن: رقصة البَرَع، وتؤدّى في محافظات عدة: صنعاء، ذمار، حجة، إب، المحويت، ورقصة العدّة الحضرمية، وتؤدى في مختلف مناطق محافظة حضرموت، أيضا رقصة السعاني، وتؤدى في صنعاء القديمة، ورقصة الركلة، وتؤدى في المناسبات الفرائحية بمحافظة لحج، رقصات الشرح اللحجي والعدني والبيضاني، وتؤدى في المناسبات بمحافظة لحج وعدن والبيضاء، والرقص الرازحي، وهو رقص يتميز به سكان منطقة رازح في محافظة صعدة.
ويوجد عشرات الرقصات المختلفة في اليمن الذي يمتلك تراثاً زاخرًا من الفنون الشعبية، ووثق كتاب “الرقصات في اليمن” 37 رقصة شعبية في 15 محافظة، وهو أول كتاب توثيقي صدر عام 2017 للباحثين علي المحمدي وياسمين الشلال. وشمل التوثيق التسميات والامتداد التاريخي والجغرافي والضروب الإيقاعية والآلات الموسيقية والأزياء والحُلي؛ ما يرقى بقيمة هذا الكتاب الذي يُعدّ الأول من نوعه في البلد.
ويقدر الباحث المحمدي، عدد الرقصات الشعبية يتجاوز 400 رقصة. وقال في حديث صحافي سابق: “لا تخلو منطقة من مناطق اليمن من وجود أكثر من رقصة لأكثر من مناسبة، ولكل رقصة إيقاعها وزيها ولهجتها وحركاتها ومناسبتها وغيرها من أشكال التميز التي تتنوع من منطقة إلى أخرى”.