رأس السنة الهجرية: طقوس إحتفائية وعادات متوارثة

تتنوع تلك الطقوس وتختلف من محافظة لأخرى وتضم مأكولات وألعاب تراثية وأساطير

رأس السنة الهجرية: طقوس إحتفائية وعادات متوارثة

تتنوع تلك الطقوس وتختلف من محافظة لأخرى وتضم مأكولات وألعاب تراثية وأساطير

في حضرموت والمحافظات الجنوبية في اليمن، يحتفي السكان برأس السنة الهجرية ويمارسون طقوساً وعادات شعبية مختلفة، تمزج بين الطابع الديني والموروث الثقافي، مما يضفي عليها رونقًا خاصًا يجلّى في لوحات استعراضية مبهرة، أشبه بكرنفال فرائحي.

وتتنوع تلك الطقوس وتختلف من محافظة لأخرى، فثمة عادات احتفالية ذات ألوان مختلفة، تضم المأكولات الشعبية، والألعاب التراثية، والرقصات، والأساطير أيضا، ويحرص المجتمع على إحيائها لارتباطها بتاريخ عريق.

طقوس احتفائية وعادات متوارثة

يقول الباحث وليد الصبان الرئيس السابق لمنتدى عينات بحضرموت: “نساء وأطفال منطقة عينات لديهم عادة سنوية مخصّصة لاستقبال السنة الهجرية الجديدة، تتمثل بتكسير الأواني القديمة الفخارية والزجاجية، ومنها المصب والكوز الصغير (المركن) في موقع خاص لذلك، توديعا للسنة الهجرية، وتُجلب الأواني الجديدة استقبالا للسنة الجديدة”.

ومن العادات أيضا، بحسب الصبان، ذهاب الأطفال إلى الوديان لجمع وإحضار الكبيدة (حزمة صغيرة من الأغصان) مردّدين أهازيج تراثية منها “كبيدة فوق رأسي، جبتها من الوادي، بعتها بخمسية، ولا جابت لي عشوية”، وتُسلّم تلك الأغصان للأمهات لتوضع فوق قدر، وتتجمع العائلة لطبخ العشاء وتناوله، وتردد النساء الأهازيج “مدخل السنة بركة بالصلح والبركة، ورجالنا سلموا ما شافوا الحسرة”.

وفي تريم يُحتفى بالسنة الجديدة بأكلات شعبية مختلفة، ويقول أحمد باحمالة رئيس مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية: “بحلول السنة الهجرية الجديدة، يُشترى المخظ (من أمعاء الذبيحة) فيُنفخ ويُجفف، ثم يوضع في الخلّ، ويُحشى باللحم، ثم يُطبخ ويُوزع للأقارب، ويؤكل مع الأرز أو البرير (مسحوق الخبز)، ويُصنع من دقيق البرّ بعد طحنه بالطريقة التقليدية بالدقّاقة”.

وتحتضن منطقة النويدرة في مدينة تريم بحضرموت فعالية سنوية، تُردّد فيها الأهازيج الشعبية، ويحرص المجتمع على إقامتها احتفاءً بحلول السنة الهجرية الجديدة. يقول حسن باعيسى أحد أبناء النويدر: “لدينا تقليد شعبي سنوي يحرص المجتمع على الحفاظ عليه، وتقام الأهازيج الشعبية (الخابة، ومدخل السنة)، مثل (مدخل السنة بركة بالعافية والبركة)، ويشارك هجن خبرة النويدرة، ويُقدم أوبريت يتحدّث عن تريم وعلمائها”.

ويتابع: “تُقام الألعاب التراثية والرقصات الشعبية مثل (الرزيح، والبني مغراة، والزربادي، والزامل)، وجميعها رقصات حضرمية، وبعد صلاة العشاء يتوافد الشباب والأطفال لينطلقوا من الساحة مرورا بمنطقة النويدرة مردّدين (مدخل السنة بركة)”. ويضيف باعيسى: “تحضر في الفعالية وجبة الشربة الحضرمية، تُوزع على الحاضرين والبيوت المجاورة، وتُقام لعبة الشبواني، والدان الحضرمي لتنتهي الليلة الفرائحية بالدعوات بأن يحقق الله للأمة الإسلامية كل خير وأمن واستقرار”.

رأس السنة الهجرية.. طقوس احتفائية وعادات متوارثة
مواطنون في تريم حضرموت يؤدون رقصة شعبية احتفاء بالسنة الهجرية الجديدة(ريف اليمن/تواصل)

ويحرص أهالي محافظة سقطرى على إخراج زكاة الماشية احتفاء بالسنة الجديدة، يقول الدكتور سعد عامر الدعرهي عميد كلية التربية بسقطرى: “يُسمى شهر محرم عند السقطريين (عاشور)، ومن عاداتهم إخراج زكاة الماشية من بقر وماعز إذا دخل شهر محرم زكاةً لأموالهم، باعتبار أن الحول قد حال عليها”.

وفي محافظة لحج، يُحتفل بالعام الهجري الجديد بإقامة “الشريكة”، وهي الذبائح التي يشترك فيها أكثر من اثنين، فيطبخ الطعام ويوزع بعضه، ويلبس الأطفال الملابس الجديدة، وما زالت هذه التقاليد حاضرة إلى اليوم عند بعض الأسر.

وتتشارك منطقة عينات بتريم ومحافظة شبوة مع محافظة لحج في هذه التقاليد، كما يقول الباحث علي بانافع أحد أبناء شبوة، مشيرا إلى أن السنة الهجرية تُسمى “مَدخَل”، أي دخول السنة، ويذبح بعض المقتدرين في هذا اليوم تفاؤلاً بدخول العام الجديد.

احتفالات بطابع ديني

تحضر الاحتفالات ذات الطابع الديني إلى جانب العادات والتقاليد، فتشهد مراكز العلم ودور العبادة إقامة المحاضرات المعبّرة عن الأهمية البالغة والأبعاد المؤثرة للهجرة النبوية، وتُقام الموالد النبوية في المساجد الصوفية، وهي امتداد لحقبة زمنية طويلة.

يقول أصيل الكهالي وهو مهتم بالتراث الديني في عدن: “منذ زمن تقام الموالد الدينية في المساجد وتُردّد الابتهالات، وشذرات من السيرة النبوية لاستنباط العبر والدلالات من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبارها منعطفا حاسما في تاريخ البشرية”.

وكان لمساجد سقطرى قديما مثل ذلك، ويستذكر الناشط المجتمعي سمير بن قبلان قائلا: “في يوم عاشوراء أو السنة الجديدة كما تُسمى هناك، يُقام المولد في بعض مناطق سقطرى، فيُضرب بالدفوف مصحوبة بالقصائد التي تعبر عن الفرحة بهذه المناسبة، ويتوافد أبناء المدن إلى البادية، وقد تستغرق رحلتهم لأيام لعدم توفر المواصلات آنذاك”.

يصف الإعلامي محمد باحفين طقوس الاحتفال في سيئون قائلاً: “يرتدي الأطفال ملابس جديدة ويخرجون جماعات وفرادى في الشوارع ووسط السوق، يحملون المباخر بأطايب اللبان، ويبخرون المحلات ومداخل البيوت بالروائح المتصاعدة من المباخر”.

ويضيف باحفين أن الأطفال يردّدون في طوافهم في الشوارع الأهازيج وبشكل جماعي، ومنها “مدخل السنة بركة والسيل فوق الدكة، يا لبان يا كوكبان، ابعد إبليس والشيطان”، ويستقبلهم الأهالي وأصحاب المحلات التجارية والباعة، وتُعطى لهم هدية العام سواء أكانت نقدية أم عينية، وقد يزوّدون بالبخور.

“وفي شبوة تبخر النساء المنازل باللبان ليلة رأس السنة، فتنتشر رائحتها الزكية في القرى، وما زالت هذه العادة إلى اليوم”، بحسب علي بانافع.

ليلة عاشورا

تُعدّ ليلة العاشر من محرم ليلة خاصة ومميزة في حضرموت، ويُحتفى فيها بوجبة الكرعان، وهي طبخة حضرمية تريمية، تُطبخ في ليلة العاشر من محرم من كل عام، والكرعان هي أقدام الذبائح، وتطبخ بعد خطوات من التنظيف والتجفيف، وتكون طباختها مع الدجر والفقوز والبهارات.

ومن العادات أيضا التنقوع بالماء، وبحسب وليد الصبان، يُعمل بهذه العادة يوم الثامن من محرم حيث يُمرّ أمام البيوت وينادي “تنقوع يا حبايب”، ويتابع الصبان: “ويُسمى اليوم التاسع (يوم زمزم)، وقد كان الأهالي يعتقدون أن كل مياه الآبار في عينات تنبع من ماء زمزم، فيُتبرك بالماء بغسل الأبدان والملابس والشرب بنية العافية والبركة”.

رأس السنة الهجرية.. طقوس احتفائية وعادات متوارثة
بخور اللبان الذي يرتبط بمناسبة استقبال السنة الهجرية الجديدة وسط جمع من الرجال والاطفال بمحافظة حضرموت(ريف اليمن/ تواصل)

ومن حكايات ليلة العاشر من محرم التي يرويها الصبان حكاية حيوان “الضعيضوع”، وهو حيوان خرافي تذكر الأمهات أنه يأخذ الأطفال الذين يمتنعون عن الاغتسال والتنظف إلى الأماكن التي ولدتهم أمهاتهم فيها، وتصف الأمهات الحيوان لترهيب الأطفال من أجل تغسيلهم وتنظيفهم وتقليم أظافرهم وتكحيل عيونهم وتمشيط شعرهم.

ويصف الباحث محسن كرد من محافظة لحج  طقوس الاحتفال بيوم عاشوراء في المحافظة فيقول: “تُشعل المباخر بالبخور وأطايب اللبان وتحضر المرشّات (آنية ذات ثقوب يمرّ الماء فيها)، ويُرش الزوار والمارون في الشوارع والحارات، مع ترديد الأهازيج  (وا عاشور خلي السنة تدور، وا عاشور بالماء والبخور)”، ويعقّب الباحث على ذلك بأن تلك الطقوس اندثرت.

ويضيف أنه لأهمية هذه المناسبة، تغنّى كثير من الشعراء في لحج بها، ومنهم الشاعر القمندان، وقد قال: “قد ترشرش في يوم عاشوراء، حسّ النار فـي جوفي، بأ عاشور با ترشرش، يا الله بالفرح دوب”.

ويوضح الأديب والباحث هشام الرباكي أن ليوم عاشوراء بُعدا احتفاليا للأطفال في حضرموت، بالإضافة إلى مكانته الدينية؛ إذ يخرج الأطفال وحتى يومنا هذا مردّدين الأهازيج مثل “هاتوا حق عاشورة ولا كندشورة” (قطع السكر أو العسل)، فيحصلون على الهدايا أو النقود.

وتعتبر وجبة الكرعان من الوجبات التقليدية في منطقة عينات التي تتشابه في عاداتها وتقاليدها بهذه المناسبة مع مدينة تريم، وتُتناول في التاسع والعاشر من محرم في ليال احتفالية، ويوزّع الأهالي هذه الوجبة على بناتهم وأزواجهن، وفي المساء يُطبخ العصيد الحضرمي المكون من الدقيق ومريس التمر وحبوب الحيدوان، وفقا للصبان.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :