حفلات الزفاف في المحويت: تكاتف مجتمعي متوارث

عادات التعاون بالأعراس جزءًا من التراث وتتناقلها الأجيال منذ سنوات طويلة

حفلات الزفاف في المحويت: تكاتف مجتمعي متوارث

عادات التعاون بالأعراس جزءًا من التراث وتتناقلها الأجيال منذ سنوات طويلة

“العادات والتقاليد بالنسبة لنا جزء من حياتنا نحرص جدا على القيام بها”، بهذه الكلمات بدأت السيدة مريم هادي حديثها عن طقوس الزواج في قريتها الواقعة بعُزلة بني الذولاني بمحافظة المحويت شمال اليمن.

تقول مريم هادي: “في قريتنا تتميز الحياة بطابع أسري يربط الناس بعضهم ببعض. الزيارات ليست بحاجة إلى مواعيد مسبقة، أبواب البيوت مفتوحة للجميع منذ ساعات الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل”.

حفلات الزفاف بريف المحويت

وتضيف في حديثها لمنصة ريف اليمن: “هذه عاداتنا التي ورثناها وتربينا عليها، يجب علينا الوقوف مع أهلنا في وقت أفراحهم، وفي كل بيت في القرية، يأتي دور الجميع في تقديم الدعم والمساندة طيلة أيام العرس؛ لأنهم يعتبرون أنفسهم جميعًا أبناء قرية واحدة، ويمدون يد العون للجميع”.

تتميز حفلات الزفاف بمحافظة المحويت بطقوس ومراسيم خاصة يحرص السكان على القيام بها، فهي جزء من عاداتهم وتقاليدهم الموروثة منذ عقود طويلة ومنها يوم الحنا المميز، وتُقام حفلات الزفاف في موسم الأعياد، وخصوصاً في شهري ذي الحجة ومحرم.

تعتبر العادات والتقاليد جزءًا مهمًا من الثقافة اليمنية، فهي تعكس عمق الروح المجتمعية والترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ففي محافظة المحويت تتميز حفلات الزفاف بالبساطة وكثير من العادات الاجتماعية المتوارثة منذ سنوات طويلة.

حفلات الزفاف في المحويت: تكاتف مجتمعي متوارث
صورة من إحدى الأعراس في محافظة المحويت شمال اليمن(ريف اليمن/ سعاد طاهر)

يقول عبد الله حسين (57 عاما) الذي ينحدر من قرية الخماش بالخبت بمحافظة المحويت: “العادات التي يتبعها أهل الريف في حفلات الزفاف تعكس جوهر حياتهم الاجتماعية”، ويشير إلى أن الزفاف بمنزلة العيد بالنسبة لأهل الريف، ويستعدون له بأسلوب مميز يعبر عن تراثهم وثقافتهم”.

ويحكي حسين طقوس الزواج في قريته قائلاً لمنصة ريف اليمن: “يبدأ الاحتفال منذ الليلة التي تسبق يوم الزفاف، ويحضر أهل كل بيت أنواعا مختلفة من المخبوزات، مثل اللحوح والخمير.

وفي الصباح الباكر، تتّجه النساء محملات بصحون المخبوزات إلى بيت العرس، حاملات تلك العادة الجميلة التي توارثتها النساء عن أمهاتهن في القرية”.

ويضيف أن من العادات الجميلة التي يتميز بها الزفاف في عزلتهم زيارة العروسة لبيت أخوالها قبل أيام قليلة من موعد الزفاف؛ إذ تأتي العروسة معها صندوق يحتوي على مجموعة من الحلويات، مثل: المشبك والحناء، كهدية من أخوالها، وتمكث ليلة كاملة عند كل واحد منهم، ثم تعود من بيت أخوالها محملة بالهدايا المختلفة.

وتابع: “ترسل العروسة صناديق تحتوي على الحلويات وبعض الأقمشة وأدوات الزينة إلى صديقاتها أو (حليفاتها) كما يطلق عليهن في الريف، ويجب عليهن رد الهدايا للعروس يوم الزفاف أو في الأيام التي تسبقه، وهذه العادة تعكس الترابط والمحبة في المجتمع الريفي”.

طقوس متوارثة

ومن العادات التي يقوم بها الرجال البرع والرقص، فيجتمع الرجال في الصباح الباكر، ويقومون بالرقص على دفعات، إضافة للحناء لدى بعض القرى، وقبل يوم الزفاف يجتمع سكان القرى من الرجال من أجل السمرة وإكمال تحضيرات الزفاف.

https://www.facebook.com/watch/?v=447875284315444

 

يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور أحمد حسن بجامعة الحديدة: “إن مراسم الزواج في اليمن تعكس العادات والتقاليد المحلية، ويقدّم ريف المحويت أنموذجًا للتضامن والتكاتف، ويمثل العمود الفقري لحفل الزفاف بتقديم الدعم والمساعدة”.

ويضيف في تصريح لمنصة ريف اليمن: “تعتبر هذه العادات جزءًا من التراث الذي يجب المحافظة عليه وتوارثه عبر الأجيال، بهدف صنع أجواء اجتماعية مليئة بالفرح والسرور خلال هذه المناسبات”.

تُعد مراسم الزفاف بريف محافظة المحويت وبقية الأرياف اليمنية، فرصة لتقوية الترابط والتلاحم المجتمعي بين أفراد المجتمع، ويتضح ذلك بالدعم الذي يقدّمه أهل القرية للعريس والعروس في هذه المناسبة الخاصة، ويحرص السكان في القرى والمناطق الريفية بمحافظة المحويت على مساندة العريس والوقوف إلى جانبه.

يقول خالد القاضي (39 عاما)، وهو أحد سكان قرية نمرة: “إن سكان قريته يحرصون على زيارة العريس يوم زفافه، ويقدّمون له مبالغ مالية، وقد تكون رمزية أحيانًا، ولكنها تُعتبر مسؤولية من قبلهم تجاه العريس”.

ولا يقتصر الأمر على الرجال فقط؛ إذ تسهم النساء في تقديم المساعدات لأسرة العريس والعروسة، وذلك بالقيام بإعداد مجموعة من المأكولات مثل: خبز التنّور، وبنت الصحن والأرز، إضافة للوجبة الأساسية اللحوح مع المرق، وهي إسهامات بسيطة منهن في إحياء المناسبة بشكل يليق بها.

تكاتف مجتمعي

تشعر السيدة هاجر سعيد (25 عاما) من قرية أذرع  بالسعادة وهي تتذكّر يوم زفافها، وكيف تكاتفت نساء قريتها لدعم أسرتها قائلة لمنصة ريف اليمن: “أسهمت النساء في تحضير الغداء والعشاء، وتولين شؤون المنزل من طبخ وغسيل، وتعاونَّ معًا لإظهار التضامن والتكاتف والحب في القرية”.

وللمغتربون نصيب؛ إذ يقومون بتقديم الدعم والمساندة للعريس، ويتكفّلون ببعض التحضيرات، مما يعكس روح التعاون الذي يمتد من جميع أفراد العُزل والقرى مثل التكفل بالغداء كاملا، والبعض يتكفل بتجهيز أثاث المنزل، وغيرهم يقدمون الأموال مباشرة، وتشمل هذه التجهيزات جميع شباب القرية، وخصوصا ذوي الدخل المحدود.

تعتبر حفلات الزفاف في اليمن مِن بين أكثر الحفلات تكلفة، ويحاول الشباب تأجيل الزواج لحين توفير النفقات اللازمة، ويسافر كثيرون خارج البلاد للبحث عن فرص لتوفير المال لإقامة حفل الزفاف. وعلى الرغم من تكلفة حفلات الزفاف في المدن، يعود كثير من سكانها إلى قراهم للاحتفال بأقل تكلفة.

وفيما يخص تكاليف الزواج، فهي تختلف من قرية إلى أخرى في المحويت، لكنها ليست باهضة والمتعارف عليه أن المهر يكون 800 ألف ريال (الدولار يساوي 530 ريالا) إذا كانوا من أهل القرية، أما إذا كان العريس من خارج القرية، فالمهر هنا يتراوح من مليون إلى مليون ونصف كما يوضح عبد الله حسين، وبعض الأسر تتكفل بتهجير ابنتهم، وخصوصا إذا كان والدها مغتربا، وبقية التكاليف تكون على العريس بمساعدة أهل القرية.

تقول فاطمة الولي إنها عادت مع عائلتها إلى قريتهم الظهرة في بني سعد، للاحتفال بزواج أخيها، واختاروا أيام العيد لعقد القران لتفادي الضيافة الكبيرة والتكاليف العالية، والاحتفال مع أهل القرية بالزواج.

ويوافقها في الرأي الصحفي محمد علي قائلاً لمنصة ريف اليمن: “الشباب يفضّلون إقامة حفلات زفافهم في أماكن قريبة من منازلهم في قرى المحويت بسبب انخفاض التكاليف مقارنة بالمدن”، وأشار إلى الأجواء الرائعة والطقوس التقليدية التي يتمتع بها الريف والتي تجعل الاحتفال أكثر دفئًا وودًا.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: